الاثنين، 20 مايو 2013

الأروع في صفقات التبادل .. !! الكاتب: عبد الناصر فروانة

العشرون من مايو / آيار من عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين ، يومٌ ليس ككل الأيام في مسيرة الشعب الفلسطيني والأسرى عامة ، يوم سيبقى محفوراً في الذاكرة الفلسطينية ، وساطعا في سجلات التاريخ الفلسطيني ، ومحطة أساسية ( لا ) يمكن محوها أو تجاهلها أو القفز عنها .

انه اليوم الذي نفذت فيه أروع وأعظم صفقات تبادل الأسرى وأكثرها زخماً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي ، والتي تُعرف بـ " عملية الجليل " قبل ثمانية وعشرين عاماً ، حيث أجبرت " إسرائيل " بموجبها على إطلاق سراح ( 1155 ) أسيراً كانوا محتجزين في سجونها ومعتقلاتها المتعددة ، مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا مأسورين لدى الجبهة الشعبية – القيادة العامة .

لم تكن عملية التبادل هذه ، هي الأولى في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ، كما لم تكن الأخيرة أيضاً ، حيث سبقها وتلاها العديد من صفقات التبادل ، مما يؤكد على أن ثقافة خطف وأسر الإسرائيليين بهدف تحرير الأسرى الفلسطينيين والعرب ، هي ثقافة متجذرة لدى فصائل الثورة الفلسطينية على اختلاف مسمياتهم وتوجهاتهم ، و هي جزء أساسي من أدبياتها وفلسفتها ، ونشاطاتها منذ العام 1967 ، وان تاريخ الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية حافل بالعديد من محاولات أسر وخطف الجنود الإسرائيليين ، والتي بعضها كتب لها النجاح وتوجت بصفقات تبادل وبعضها الآخر لم تكلل بالنجاح لأسباب موضوعية وذاتية عديدة ، وفي مرات عديدة هاجمت قوات الاحتلال المكان المحتجز فيه مواطنيها وجنودها مما أدى إلى مقتل واصابة العديد منهم .

و للتاريخ حكاية ، ومن حق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تفخر بأنها أول من خطت فصول وبدايات الحكاية لتُسجل وبنجاح أول صفقات التبادل في الثالث والعشرين من يوليو / تموز عام 1968 ، ثم تلتها حركة فتح مرات عدة وتعتبر صفقة التبادل التي أنجزتها في الثالث والعشرين من نوفمبر عام 1983 هي الأضخم والأكبر في تاريخ صفقات التبادل حيث أجبرت " إسرائيل " على إطلاق سراح جميع معتقلي معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم ( 4700 ) معتقل فلسطيني ولبناني ، و( 65 ) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين كانوا محتجزين لدى حركة " فتح " .

التاريخ الفلسطيني عامة وتاريخ الحركة الوطنية الأسيرة خاصة حافل بالمآثر والبطولات ، و مخطئ من يظن أن بإمكان فرد أو جماعة ومهما امتلك ، أو امتلكوا من قوة وإمكانيات أن يمسحوا جزء من الماضي من سجلات ذاك التاريخ ، أو أن يقفزوا عن بعض مراحله وعناوينه ومحطاته الأساسية بغض النظر عن المتغيرات واختلاف المواقف وتعارضها وربما تناقضها مع هذا الشخص أو تلك الجماعة صانعة الحدث .

وفي الثامن عشر من تشرين أول / أكتوبر من عام 2011 نجحت حركة " حماس " من إتمام آخر صفقات التبادل ، وهي صفقة " شاليط " أو ما يُطلق عليها الفلسطينيون بـ " وفاء الأحرار " التي أطلق بموجبها سراح ( 1027 ) أسيراً وأسيرة مقابل إطلاق سراح " شاليط " الذي كانت تحتجزه ثلاثة فصائل فلسطينية هي ( حركة حماس وجيش الإسلام وألوية الناصر صلاح الدين ) في قطاع غزة منذ يونيو / حزيران 2006 .

ونسجل هنا اعتزازنا بمجمل صفقات التبادل باعتبارها انتصارات تسجل لصالح الفصائل الفلسطينية ، إلا أن " عملية الجليل " التي تمت في مثل هذا اليوم من عام 1985 كانت الأروع والأكثر زخما من بين تلك " الصفقات " وبغض النظر عن طبيعة مواقفنا وعلاقاتنا اليوم بالجبهة الشعبية - القيادة العامة التي نفذت تلك " الصفقة " .

ليس لأن والدي تحرر في اطارها ، وانما لأنه لم يسبقها أو يليها " صفقة تبادل " بنفس الشروط والمعطيات والنتائج ، فهي الأكثر ألما للاحتلال الإسرائيلي وحكوماته وأجهزته المختلفة ، وهي الأكثر تميزاً وزخماً في تاريخ صفقات التبادل .

" عملية الجليل " كما أطلق عليها تمت وفقا للشروط الفلسطينية وتميزت باكتسابها بُعداً فلسطينياً وقومياً وأممياً ، فشملت أسرى أجانب وعرب ، أسرى من فلسطينيي 48 والقدس ، بالإضافة إلى أسرى من الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولم يُستَثنَ أحدٌ ، كما لم يتم إبعاد أي أسير قسراً ، حيث خُير كل أسير ودون قيود أو اشتراطات أمنية في تحديد الجهة التي يرغب التوجه إليها والإقامة فيها بعد تحرره من السجن .

فشكلت صفعة قوية للاحتلال حيث ضخامة العدد ، ونوعيتهم ، فالغالبية العظمى منهم شاركوا بشكل فعلي في عمليات أوقعت خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين ، وغالبيتهم العظمى صدرت بحقهم أحكاماً جائرة أدناها عشرات السنين وأقساها السجن المؤبد ( مدى الحياة ) لمرة أو لمرات عدة .

" عملية الجليل " أو " صفقة التبادل عام 1985 " شكلّت حدثاً نوعياً في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني يجب التوقف أمامه ، و سابقة ثورية في كافة نتائجها كان من الواجب دراستها والاستفادة منها ، و انتصاراً تاريخياً يستوجب الاعتزاز به .

صفقة التبادل عام 1985 أو عملية الجليل شكّلت رافعة قوية لمعنويات الجماهير العربية والفلسطينية والحركة الأسيرة ، وأن من تحرروا في إطارها شكّلوا رافداً مهماً للنضال الوطني الفلسطيني و القومي وللثورة الفلسطينية على اختلاف فصائلها .

وأن من تحرروا في إطارها لعبوا دوراً مميزاً بين صفوف شعبهم وداخل قراهم وتنظيماتهم وفي عمليات التأطير والتنظيم والتعبئة الجماهيرية والانخراط من جديد في عمليات المقاومة ضد الاحتلال ، وكان لهم تأثير قوي على المواطنين ، مما عكس نفسه ايجاباً على اتساع دائرة المقاومة والمد الجماهيري المقاوم للاحتلال ، ولعبوا دوراً أساسياً في التحضير للانتفاضة الشعبية الأولى ، كما لعبوا دوراً قيادياً فيها وفي تأجيجها واتساعها وديمومتها .

واليوم وبعد ثمانية وعشرين عاماً نناشد الجهات المعنية بضرورة إنصاف أبطالها وكل من تحرر في إطارها بما يكفل لهم ولذويهم حياة كريمة وفاءً لتضحياتهم وتقديرا لصمودهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق