السبت، 17 نوفمبر 2012

معادلة جديدة عسكريّة وشعبيّة

استطاعت المقاومة تغيير معادلة اللعبة العسكرية مع إسرائيل. في اليوم الثالث للعدوان أظهرت المقاومة مجموعة من مفاجآتها عبر وصول صواريخها إلى القدس وتل أبيب، وإسقاط طائرة حربية، في وقت نجح فيه الغزّيون في كسب الحرب النفسية، فلم يرعبهم العدوان



سناء كمال, شعيب أبو جهل

غزة
أرادت تل أبيب أن تستعيد قوة الردع التي زعزعتها المقاومة الفلسطينية. ظنّت أنّها ستتمكن من إنهاء المعركة، كما كانت تفعل دوماً، عبر إبرام تهدئة في الغالب تكون أحادية الجانب، غير أنها هذه المرة لم تتمكن من ذلك، وخصوصاً أنّ رجالات المقاومة سددوا ضربات قوية لعدوهم. واستخدمت المقاومة، من كافة الفصائل، أحدث ما تحصلت عليه من أسلحة، سواء كانت صناعة محلية أم مستوردة. وواصلت دكّ البلدات المحتلة بوابل من الصواريخ المطورّة، في مقدمتها صاروخ «فجر 5»، الذي أطلقته كتائب القسام على تل أبيب.



من ناحيتها، أكدت سرايا القدس، على لسان الناطق باسمها أبو أحمد لـ«الأخبار» «أنهم مشاريع شهادة، وأنّ العدو سيتحمّل كامل المسؤولية عن تبعات أيّ عمليات استهداف لقادة المقاومة»، موضحاً «أنهم جاهزون لردع أيّ محاولات إسرائيلية لإخضاع الشعب الفلسطيني، الذي لطالما ضحى عبر سنوات طويلة لنيل حريته واستقلاله، وأن امكانيات الدفاع عن النفس متوافرة».

أما المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية، أبو عطايا، فأكد أنّه «إذا استمر الاحتلال في عدوانه على القطاع، فعليه أن يتوقع الأسوأ ويتحمل النتائج»، منوهاً بأنّ «الإعلام الإسرائيلي يتكتّم على الخسائر في صفوف جيشه، وهو ما يدلّ على ضخامتها وفداحة تأثيرها في الساحة الصهيونية».

وكانت فصائل المقاومة قد أعلنت أنها ستعمل ضمن استراتيجية جديدة، تهدف إلى توحيد العمل العسكري المشترك، لتتمكن من تسديد الضربات القوية ضد العدو. وواصلت المقاومة الفلسطينية تسجيل مفاجآت عسكرية في وجه الاحتلال. وأعلن الجيش الإسرائيلي إصابة 3 من جنوده، جرّاء سقوط صاروخ أطلق من قطاع غزة في أشكول في جنوب إسرائيل. من جهتها، أعلنت القناة الإسرائيلية الثانية فقدان طائرة عسكرية فوق قطاع غزة، وفقدان الاتصال بالطيار، وكانت كتائب القسام قد أعلنت أنّها أسقطت طائرة إسرائيلية فوق القطاع.

بدورها، أعلنت «سرايا القدس» قصف بئر السبع، وأوفاكيم، وأسدود بصواريخ غراد، وموقع صوفا بصواريخ من عيار 107. في موازاة ذلك، أفادت القناة العاشرة عن إعلان حال الطوارئ ورفع الجهوزية في كافة المستشفيات الاسرائيلية، فيما طالبت قيادة الجبهة الداخلية عبر الإذاعات بالتوجه إلى الملاجئ عند سماع دوي صفارات الانذار، مشيرةً إلى أنّ القتال قد يستمرّ سبعة أسابيع. وسقطت ثلاثة صواريخ في منطقة تل أبيب، فيما أكد الجيش الإسرائيلي سقوط صاروخ في منطقة غير مأهولة خارج القدس.

وعاش الغزيون ليلة قصف هي الأعنف منذ بداية العدوان. هدير الطائرات الحربية لا يفارق آذانهم. ولا تمر دقيقة واحدة من دون سقوط صاروخ من الطائرات الحربية الإسرائيلية، ليخلف وراءه انفجاراً عنيفاً، يكاد يقتلع أسقف المنازل من شدته، ويشق الأرض من شدة الاهتزاز الذي يرافقه.

وبما أن الاحتلال يدرك جيداً أن جزءاً من قوة غزة ومقاوميها هو قدرتهم على الصمود، راح يهدد ويتوعد قبل بدء العملية، وصوّر للغزيين بأن الآتي سيكون أسوأ مما كان في عملية «الرصاص المصهور» أواخر عام 2008. ونتيجة ذلك سيطرت حالة من الهلع والخوف على سكان القطاع. أراد قادة الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو، أن يبدأوا عدوانهم بالهزيمة النفسية لأهالي غزة. غير أنّ الساعات الأولى من العدوان أثبتت عكس ذلك. يبدو أن الغزيين باتوا اليوم أكثر تحكماً في مشاعرهم، وأكثر دراية بأمور التصعيد. في لحظات القصف العنيف، يلزم المواطنون منازلهم ولا يخرجون منها، حتى لمحاولة مساعدة المصابين، وذلك لمنع إيقاع عدد أكبر من الضحايا في صفوف المدنيين.

ومن أجل هزم الشعور بالخوف والهلع، تجمّع الغزيون عند بعضهم البعض وراحوا يستمعون إلى الأخبار في الساعات الأولى للعدوان، وإلى آخر المستجدات على الساحة الغزية والإسرائيلية. ويبدو أنّ الصهاينة الساكنين في الأراضي المحتلة لم يعيشوا توتراً كهذا منذ عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بعدما تذكروه مع سقوط أول صاروخ على تل أبيب، ما زاد الغزيين ثقة بمقاومتهم التي تمدهم بالقوة يوماً بعد يوم. الأمهات حاولن أن يخففن عن أبنائهن دقائق الخوف والرعب. يقمن بجمع أبنائهن في المكان الأكثر أماناً في المنزل، بعيداً عن النوافذ التي قد تتطاير مع شدة الانفجارات، ويحاولن أن يسردن لهم قصصاً قد تمنحهم القوة والأمان.

أم محمد العرمي (36 عاماً)، أم لأربعة أطفال، تؤكد أنّ الليلة السابقة كانت الأسوأ لها ولأبنائها. تقول إنها تحاول أن تلهي أطفالها بإعداد الحلويات التي يحبونها، لعلهم ينسون ما تمرّ به المنطقة من حرب ودمار. وتبعدهم عن شاشات التلفاز، كي لا يصدموا ويشعروا بالخوف من المشاهد. وتضيف «أنا أعلم أننا في حالة حرب، لكنني أحاول أن أبعدها عن أطفالي. هم لا يزالون أطفالاً، يجب ألا أتركهم يعيشون هذه اللحظات التي قد تؤثر في نفسياتهم، لسنوات طويلة، ويحتاجون في ما بعد إلى أطباء نفسيين من أجل إعادة ثقتهم بأنفسهم إليهم». وتتابع «عندما سمعت بالتصعيد الذي أعلنت عنه أولاً دولة الاحتلال خفت كثيراً أن يصيب أبنائي أيّ أذى، غير أنني أصبحت مطمئنة أكثر، ومع مرور الأيام أشعر بأن التصعيد سوف ينتهي بين لحظة وأخرى».

ولم تمنع الطائرات الطفل محمد الصيرفي من اللعب في ساحة منزله، لكن مع تغيير بسيط، وهو الابتعاد عن الأماكن المفتوحة، تحسباً لأيّ قصف غادر. ويقول محمد بكل ثقة «بابا قال لي إنّ اليهود بخافوا منا، ما بخوفونا، وبعدين في صواريخ كتير بتطلع من عنّا مش من عندهم، وأنا بعرفها لما تكون من عنا، بضل ألعب بس لما يكون من الطيارة بحاول إني أخذ حذري منه».

مكان آخر وجد فيه الغزيون متنفساً لمقارعة العدوان، إذ تسابق الغزيون على تناقل الأخبار على موقع «فيسبوك»، كلّ حسب سكنه وعمله. ومن حين لآخر كانت تطلق النكات التي تستخف بالهجمة الإسرائيلية الفاشلة، حيث كتب محمد النخالة على صفحته «الاحتلال: غزة تقصفنا بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً! أبشروا النووي جاي على الطريق إن شاء الله».

في غضون ذلك، استمرت طائرات الاحتلال في اختراق سماء القطاع وبثّ الرعب عبر قاذفات الموت، لعلّها تنجح في التلاعب بنفسية المواطنين، كما كانت تفعل بعدوان الرصاص المصهور، لتوحي لهم بأنها حرب لا نهاية لها، وأنّها ستكون ضارية وقاسية، فضلاً عن إلقائها المناشير في المناطق الشمالية من القطاع التي تحذر المواطنين فيها، من التصعيد ضدهم.



االخبار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق