بعد أن نُذكِّر هؤلاء بأن الإعتراف الأممي بمنظمة التحرير الفلسطينية ، قبل أوسلو ، وقبل العبث بميثاقها ، أوحين كانت للتحرير لا للتمرير ، كعضوٍ مراقبٍ في الإمم المتحدة كان حاصلاً ، وإن من كانو يعترفون بالمنظمة من أعضائها هم أكثر من المعترفين بالكيان الصهيوني ، كما أنها كانت قد رحبت ب"إعلان الإستقلال" في الجزائر العام 1988 ، ثم إن قرار التقسيم سيء الذكر الصادر عنها قبل خمسةٍ وستين عاما ، والذي تتصادف ذكراه مع يوم هذا الإعتراف ، قد اعترف ضمناً بهذه الدولة ... بعد هذا نقول ، نعم ، كان لابأس بمثل هذه الخطوة الرمزية لو أنها جاءت على أساس إستراتيجية مقاومة لامساومة ، أي منسجمة مع إنتصار غزة ومكمِّل له ... ولولا أن أخطر مافيها أنه قد سبقتها التأكيدات الأسلوية تلو التأكيدات بأنها إنما شطحة تفاوضية القصد وتأتي في سياق ذات النهج ، "المفاوضات حياة" ! بمعنى أنه ، وفي السياق الأوسلوي المتهافت تنازلياً إياه ، سرعان ماسيأخذ منجزها الذي يتم التطبيل له وجهته الكارثية تصفوياً ، حيث أن كل تنازل تفاوضي قادم ، سيكون تنازل دولةٍ لدولةٍ . ثم إن هذه "الدولة" الإفتراضية ، ومعها مقولة "حل الدولتين" ، قد تنازلت سلفاً ، شأن أوسلو قبلها ، وعبر هذا الإعتراف بها ، عن ثمانين بالمائة من فلسطين ، وسيقودها تفاوضها لاحقاً للتنازل فيما يخص ماتبقى من شذرات لم تهوَّد بعد من العشرين في المائة المتبقية كمتنازعٍ عليها . أما فيما يتعلق بمسألة إمكانية الشكاوي أمام "العدالة الدولية" ، فعقود الصراع ، ومن النكبة حتى البارحة ، قد أثبتت أن مثل هذه الشكاوى ، ولذات الجهة التي شرَّعت جريمة إغتصاب فلسطين وقوننتها ، ولم تنصر حقاً أوتنصف ضعيفاً ، لافي فلسطين ولا دنيا العرب ، هى غير ذي جدوى ، وحصيلتها معروفة ولا من حاجة لذكرها .
إن هذا المنجز الخادع ، على رمزيته التي بيَّناها ، ماهو إلا إعلان فاقع لفشل نهجٍ تسوويٍ تصفويٍ وصل طريقه المسدود بعد عشرين حولاً بالتمام الحقت عبثيته أفدح الضرر بالقضية ومزَّق تفريطه عرى الوحدة الوطنية ، بل خطوة ليست في جوهرها سوى هروب تسووي إلى الأمام لاعودةً مفترضة عن هذا النهج الكارثي تفترضها دروس تجربته المريرة ، أويقتضيها درس إنتصار غزة المقاومة . غزة التي قال وزير الحرب الجنرال باراك غداة حربه الفاشلة عليها ، إننا "لن نتوقف إلا بعد أن تركع وتتضرع من أجل وقف إطلاق النار" ، لكنها لم تركع ولم تتضرع ، بل عدوها هو من تضرع موسِّطاً لإيقاف حربه عليها ، وكان أول من ذهبت به هذه الحرب ، إلى جانب أسباب أخرى لامجال لتعدادها ، هو باراك نفسه الذي أعلن عن إزماعه إعتزال الحياة السياسية !
... والآن ، مالذي ستحصده تفاوضياً دولة أبو مازن التفاوضية هذه ؟! لاسيما وأن التجمع الإستعماري الإستيطاني في الكيان الصهيوني يعيش الآن أعلى مناسيب تطرفه منذ إختلاقه ، ولدرجةٍ يخسر فيه حتى من هو مثل نتنياهو كل المقربين منه في إنتخابات حزبه لصالح أعتى فاشييه من أمثال فيغلين ، وجلعاد أردان ، وداني دانون ، وتصبح واحدة من مثل شيلي يحيموفيتش زعيمةً لحزب العمل الموصوف يسارياً ، ناهيك عن أن ليبرمان سيغدو نائبه بعد إندماج حزبيهما المزمع إستعداداً للإنتخابات المزمعة ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق