الخميس، 29 يناير 2009

هل بدأت صفقة تعديل حماس؟

شنت تل أبيب عمليتها العسكرية ضد قطاع غزة ولكن بعد مضي حوالي ثلاثة أسابيع لم تدخل القوات الإسرائيلية إلى مدن القطاع وتحديداً مدينة غزة، هذا وقد تضاربت التفسيرات التي حاولت التصدي لتفسير عدم قيام إسرائيل باقتحام مدن القطاع الرئيسية، فعلى الجانب العربي والفلسطيني يغلب التفسير القائل بأن القوات الإسرائيلية قد تعرضت لهزيمة جديدة على غرار سيناريو هزيمة حرب ضيف العام 2006م بجنوب لبنان وعلى الجانب الإسرائيلي والأمريكي يغلب التفسير القائل بأن القوات الإسرائيلية قد أنجزت الجزء الأكبر من مهامها وتركت ما تبقى لكي يتم إنجازه بالوسائل الدبلوماسية.
* معطيات الواقع الميداني الجارية حالياً:عسكرياً أكملت القوات الإسرائيلية خروجها من قطاع غزة قبيل دخول الرئيس الأمريكي الديمقراطي الجديد باراك أوباما إلى البيت الأبيض وإضافة لذلك وبرغم إعلان إسرائيل الموافقة والقبول لجهة فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية فإن القوات الإسرائيلية بكامل العتاد والحشود ما تزال تتمركز على طول حدود إسرائيل مع القطاع.
دبلوماسياً، برغم تعدد الأطراف التي سعت إلى المبادرة لجهة التهدئة وحل الأزمة فقد تجمعت الجهود الدبلوماسية ضمن دائرة جهود الوساطة المصرية، وحالياً برغم أن القاهرة على الصعيد المعلن تقوم بدور الوسيط بين حركة حماس والسلطات الإسرائيلية فإن القاهرة على الصعيد غير المعلن كما أكدت الوقائع تمثل طرفاً أساسياً في الأزمة وبكلمات أخرى تقوم القاهرة بالاثنين معاً وفي الوقت نفسه بدور الشريك وبدور الوسيط.
* دبلوماسية الخيط الرفيع: هل بدأت صفقة تعديل حماس؟برغم التباين في أهداف الأطراف الثلاثة:
تل أبيب – حماس – القاهرة، فإنها تتقاطع بطريقة أو أخرى ضمن خيط رفيع يتم التعامل معه حالياً بشيء من الدبلوماسية الناعمة وسيمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
على الجانب الإسرائيلي: تقول تل أبيب على الجانب المعلن بأنها ترفض الاعتراف بحركة حماس لأنها إرهابية وأن هدف عمليتها العسكرية هو القضاء على خطر الصواريخ المهددة لأمن إسرائيل أما على الجانب غير المعلن فإن إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها لجهة الإبقاء على حالة الانقسام في الأراضي الفلسطينية واستدامة ذلك لأطول وقت ممكن لمنع مشروع الوحدة الوطنية وتعزيز الانقسامات بين الفلسطينيين إضافة إلى رغبة الإسرائيليين غير المحدودة في تحويل موضوع ملف الصراع من صراع حول الحقوق إلى صراع رئيسي طرفاه اليهودية والإسلام.
على الجانب المصري: تقول القاهرة على الجانب المعلن بأن هدف مصر هو دعم الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم المشروعة وعدم التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني وتعزيز وحدة الفلسطينيين عن طريق إجراء المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية بما يتيح قيام حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، أما على الجانب غير المعلن فإن هدف القاهرة متعدد المحاور والمكونات وعلى سبيل المثال لا الحصر تسعى القاهرة إلى عدم السماح يتزايد العلاقات والروابط بين حركة حماس والحركات الإسلامية المصرية إضافة إلى إضعاف حماس بما يؤدي إلى سقوط نظامها وإعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع، لأن سيطرة حماس على القطاع ستعرض مصر إلى مخاطر أن يصبح قطاع غزة ملاذاً آمناً للحركات الإسلامية المصرية التي قد تستخدم القطاع كمركز تدريب وتأمين عناصرها وأنشطتها السرية بما يتيح لها تعزيز قدراتها لجهة الانقضاض لاحقاً على القاهرة إضافة لذلك تحاول القاهرة الاحتفاظ بدورها في الملف الفلسطيني بما يتيح لها المزيد من القدرة لجهة توظيف واستثمار هذا الدور في الحصول على المساعدات الأمريكية والأوروبية.
على جانب حركة حماس: تقول الحركة على الجانب المعلن أنه لا بديل للوحدة الوطنية الفلسطينية وبأنها سوف لن ترفض إقامة حكومة الوحدة وبأنها سو ف لن تتخلى عن المقاومة ولن تقبل مبادرة لا تتضمن وقف العدوان وسحب القوات الإسرائيلية من القطاع وفتح جميع المعابر ورفع الحصار عن غزة، إضافة إلى عدم القبول بأي هدنة طويلة الأمد أما على الجانب غير المعلن فمن المعروف أن الحركة تسعى إلى تمديد نفوذها إلى الضفة الغربية إضافة إلى محاولة الفوز بالانتخابات الرئاسية الفلسطينية التي كان يتوجب عقدها خلال هذا الشهر وبكلمات أخرى فإن الحركة تضع في مقدمة جدول أعمالها إقصاء حركة فتح عن الساحة الفلسطينية لأن ذلك يتيح لها حشد كل القدرات الفلسطينية للمضي قدماً في تنفيذ مشروعها الإسلاموي الفلسطيني.
على جانب حركة فتح: من الواضح إن اعتبارات الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني التي ترتب عليها سيطرة فتح على الضفة الغربية وسيطرة حماس على قطاع غزة، هي اعتبارات أدت إلى قيام حركة حماس بدور ثانوي في الضفة الغربية وقيام حركة فتح بدور ثانوي في القطاع وبالمقارنة بين الاثنين فإن دور حركة حماس في القطاع برغم ثانويته فإنه أكبر من دور حركة فتح في القطاع الذي يكاد يكون ضئيلاً للغاية إن لم يكن معدوماً. أما على الجانب المعلن فتقول السلطة الفلسطينية بأنها تسعى إلى القيام بدورها المشروع كسلطة لجهة وقف العدوان والحفاظ على سلامة المواطنين الفلسطينيين وتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة القطاع إلى دائرة الشرعية الفلسطينية أما على الجانب غير المعلن فإن إقصاء سيطرة حماس على القطاع وإنهاء وجودها في الساحة الفلسطينية هو أمر في مقدمة جدول أعمال حركة فتح ورئيسها محمود عباس لأن تصاعد نفوذ حماس يمثل خطراً تنافسياً ووجودياً على حركة فتح، يتضمن إنهاء حركة فتح كحركة فلسطينية وإخراجها بالكامل من المسرح الفلسطيني فإنه لم يعد سراً استعانة حركة فتح وزعيمها محمود عباس بالقاهرة وتل أبيب وأيضاً بمؤسسات السلطة الفلسطينية لجهة القضاء على خطر حماس أو على الأقل إضعافها.
الآن تجتمع كل هذه الجوانب المعلنة وغير المعلنة ضمن التفاعلات المتقاطعة الجارية ضمن الدائرة التي تضم كل من حماس – فتح – القاهرة – تل أبيب – بروكسل – وواشنطن. وعلى ما يبدو فإن المحادثات غير المباشرة على خط حماس – تل أبيب التي تقوم القاهرة فيها بدور الوسيط هي مجرد الخطوة الأولى أو البوابة المؤدية إلى تفاهم إسرائيلي – أمريكي أكبر حول مستقبل الأراضي الفلسطينية.
* تل أبيب وخيار تعديل حماس:توجد العديد من الأساليب التي تستخدم في إدارة الأزمات ومن أحدث هذه الأساليب ما يتمثل في اللجوء إلى التصعيد المستمر لجهة إدارة الأزمة بما يؤدي إلى ابتزاز الخصوم وتعديلهم هيكلياً ووظيفياً، وبهذا الخصوص ليس من المستبعد أن يتضمن جدول أعمال محور تل أبيب – واشنطن أجندة إدارة أزمة غزة لجهة استخدام ضغوط الأزمة بما يؤدي إلى دفع حركة حماس إلى الخضوع لعملية "جراحية تجميلية" يترتب عليها تغيير كافة توجهاتها والاكتفاء حصراً بالتركيز على قطاع غزة كمنطقة نفوذ لها. وبكلمات أخرى سيحاول محور تل أبيب – واشنطن فرض صيغة جديدة من توازن القوى بين الضفة الغربية وقطاع غزة بحيث يتحقق الآتي:
• تعزيز قدرة فتح على في السيطرة على الضفة وقدرة حماس في السيطرة على القطاع.
• إتاحة السبيل لكل طرف للقيام بردع الطرف الآخر وذلك على أساس اعتبارات معادلة توازن الردع بين الطرفين.
• تحويل حماس من حركة دينية جهادية إلى حركة دينية سياسية عن طريق حرمانها من الموارد العسكرية وتعزيز قوة فتح بما لا يتيح لها الاستمرار في مشروع المقاومة المسلحة وتهديد إسرائيل.
• تحويل فتح إلى حركة أمنية – اقتصادية بما يتيح لها الحد من نفوذ حماس داخل الضفة بالوسائل المالية والأمنية.
• الاستعانة بالقاهرة في ضبط أداء حركة حماس في غزة وبقدرات عمان في ضبط أداء حركة فتح في الضفة وبهذا الخصوص ستلعب قدرات واشنطن والاتحاد الأوروبي دوراً كبيراً في استثمار وتوظيف قدرات القاهرة وعمان خاصة وأنهما لا تستطيعان البقاء دون الحصول على المساعدات الأمريكية والأوروبية.
• تشير التوقعات إلى أن الوضع العسكري الإسرائيلي الميداني الحالي إزاء القطاع سوف لن يتغير وستسعى إسرائيل إلى خلط الأوراق الدبلوماسية بالأوراق العسكرية بحيث كلما تصلبت حركة حماس في محادثات القاهرة كلما قامت الطائرات الإسرائيلية بالتحليق في سماء القطاع وكلما تحركت الدبابات وقطع المدفعية إلى وضع التأهب وذلك بما يؤدي إلى ترويع السكان في القطاع على النحو الذي يجعل قيادة حماس المسيطرة على السلطة في القطاع أمام خيار المرونة في المحادثات أو مواجهة سخط سكان القطاع.هذا، وتقول بعض المعلومات الحالية أن الكثير من التناقضات والخلافات بدأت تطل برأسها داخل القطاع وعلى وجه الخصوص بين الفلسطينيين المتمركزين في مخيمات جباليا والشاطئ وغيرها، والذين سبق أن نزحوا إلى القطاع من داخل الأراضي الفلسطينية والفلسطينيون الموجودون في مدن القطاع الرئيسية مثل غزة وخان يونس ورفح، والذين ينظرون لأنفسهم باعتبارهم سكان القطاع الأصليين الأمر الذي قد يزيد من التوتر بين سكان المدن والمخيمات هو أن السند الرئيسي لحركة حماس يتمثل في المخيمات وليس في مدن القطاع.حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى استجابة حماس أو مجرد استعدادها للقبول بفكرة التعديل ولكن كما أكدت معطيات خبرة التجارب فإن السياسة هي فن الممكن وقد سبق لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح أن تمسكتا بمبدأ التفاوض لفترة طويلة وعدم الاعتراف بإسرائيل وعلى وجه الخصوص ياسر عرفات، ولكن بمساعدة القاهرة وعمان فقد تمكنت إسرائيل من الإيقاع بمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح وزعيمها ياسر عرفات في شباك فخ اتفاقية أوسلو وحالياً تقول المعلومات بأن حركة حماس قد وافقت على وضع معبر رفح من جانب القطاع تحت إشراف السلطة الفلسطينية ولكنها اشترطت أن تكون عناصر السلطة التي ستتمركز من أبناء القطاع حصراً. وبكلمات أخرى أن لا يكونوا من أبناء الضفة.وتقول المعلومات والتسريبات أيضاً بأن مصر التي كانت ترفض وجود الأطراف الدولية على الجانب المصري من حدود مصر – القطاع قد قامت حالياً بإخلاء منطقة رفح المصرية المجاورة لخط الحدود من سكانها المصريين، وعلى ما يبدو فإن سبب الإخلاء هو إخبار تل أبيب للقاهرة رسمياً بأن هذه المنطقة ستتعرض للمزيد من القصف بقنابل "البانكر باست" التي تخترق الأرض، والتي سيترتب عليها ليس تفجير الأنفاق فحسب وإنما تدمير منازل المصريين في المنطقة، وهذا معناه بوضوح أن القصف الجوي الإسرائيلي لشريط حدود القطاع مع مصر سيستمر وهذه المرة سوف لن يسعى إلى تحقيق الأهداف العسكرية وحسب وإنما الدبلوماسية كذلك بحيث كلما توقفت محادثات القاهرة وتصلبت حركة حماس كلما تزايدت عمليات قصف الشريط الحدودي وإضافة لذلك تقول المعلومات والتسريبات التي إن كانت غير مؤكدة بأن قيادة حماس المتمركزة في الداخل تفضل حالياً القبول بالتهدئة وعدم اللجوء إلى التصعيد وذلك بخلاف قيادة الخارج التي ما تزال أكثر تشدداً لجهة التصعيد وعدم القبول بالهدنة الطويلة الأمد وتقول التسريبات بأن القاهرة نصحت قيادة حماس بالموافقة على الهدنة قبل فوز نتنياهو بالانتخابات القادمة.عموماً، برغم الخلافات والمناورات وعوامل الضعف والقوة فإن خيار المقاومة سيظل صاحب الحق والكلمة العليا فيه هو الشعب الفلسطيني أولاً وأخيراً، وإن تعددت الحركات والفصائل الفلسطينية الإسلامية والعلمانية وغيرها فإن العيش في دولة واحدة أو دولتين أو عدم القبول بأي من الخيارين سيحسمه في نهاية الأمر خيار الشعب الفلسطيني.
منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق