الأربعاء، 21 يناير 2009

أستسلم لكن لا أصالح .... بقلم : د. وليم نصار

يروى أن المفاوضات سوف تستمر مع دولة إسرائيل الشقيقة.... ونحن نكابر ونناور علّنا نربح شيئا.ربما قطعة أرض أو علما أو بلدية... ربما كازينو للقمار والدعارة في غزة... أو ربما تحوبل المسجد الأقصى إلى خمارة وكنيسة القيامة إلى زريبة للمواشي.... لكني أعرف جيدا أنه في نهاية هذه المفاوضات لن يتبقى لا شعب ولا دولة....ما يعنيني، هو أنني استيقظت البارحة بلا ضمير.. رجلا بليدا.. لا تهزني توسيع المستوطنات ولا بكاء الأطفال في خان يونس، ولا ذبح النسوة في تل الهوى، ولا الحصار والجوع والقصف والمجازرفي غزة.استيقظت دون قلق على عز الدين أو الحجة أو لينا الصغيرة.فقدت شهيتي في أن أحب دون مقابل، كما فقدت شهيتي في التضامن والتعاطف والإستنكار. قلت لنفسي بعد أن شاهدت التلفاز ، فانقلبت أمعائي، إن الإستسلام أشرف من الصلح. لماذا لا نستسلم في اللحظة المناسبة؟ فالصلح اعتراف ترافقه أوهام نصر وإنجازات، أما الإستسلام فشرف لي.لماذا لا نستسلم مثل ياباني، أو ألماني، أو إيطالي بعد هزيمة؟ نرفع الراية البيضاء ونعلن ذلك على رؤوس الأشهاد، وبعدها فلينتحر الأخ الرئيس، والأمناء العامون لفصائل اليسار، وأعضاء اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني والمجلس التشريعي، وقائد الأمن الوقائي وغيره، أما نحن الجماهير ننزل إلى الصفر ونعترف بأننا هُزمنا، ونبدأ من جديد. نعطي أنفسنا عشرين عاما من العمل الصامت الدؤوب...كالنمل.أنا...وليم بن إميل بن يسوع بن محمد بن علي بن حسن بن الحسين آل نصار، علي السلام .... أستسلم لعدوي.وماذا يعني؟أن نربح الأغنية ونخسر الأرضنربح الكبرياء ونخسر النهرنربح الشرف ونخسر بكارتنانربح العلم ونخسر البيتنربح قرارا ونخسر شعبا...!!!!لتتوقف هذه المهزلة المستمرة منذ ستين سنة.* * * * * *أيها المفاوض الفلسطيني، إنهم يدمرون بيتنا ثم يقرضوننا مالا لإصلاحه، فنورث أحفادنا صرّة من المستندات.إنهم يفتشون في أعماقنا ... في باطن الأرض ... عن الينابيع السوداء والبيضاء من نفط وماء. عن الفوسفات والحديد وكلام الأنبياء.يفتشون عن تماثيلنا وعظام أجدادنا. ينبشون أعماقنا وأرواحنا، حيث الله والحب، وكيف نفكر ونمارس الجنس ونتأمل ونتصوف.إنهم أعداؤنا .. فلنستسلم لكن دون أن نصالح. إمنحونا هذا النصر، هذه الهزيمة العلنية، لنورث أحفادنا حقدا مرتبا وأنيقا كتكّات الساعة.أيها المفاوض الواقعي الفلسطيني...إنك تصنع لنا دولة من يأس، سيتدلل فيها رجل الشرطة صاحب الأوسمة المزيفة. إنك تصنع لنا دولة سيتغنج فيها مدير المصرف وسمسار القروض، فنتناسل عصابات وأجهزة أمن وأناشيد وطنية... ومن عدو واحد إلى أعداء بالجملة والمفرّق.أيها المفاوض الفلسطيني.. إنك تحول شعبنا إلى قطيع من الكلاب في قوافل شحن جماعية في بطن الطائرات وأمعاء البواخر. إنك تحول شعبنا إلى عمال تنظيفات لأوساخ العالم، بعد تنظيف طاولات المفاوضات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق