الجمعة، 23 يناير 2009

فإما حماسٌ تسر الصديق...وإما مماتٌ يغيظُ العِدَا! بقلم : رشيد ثابت

ماذا يعني أن يكتب المرء عن معركة الفرقان؟ وأية كلماتٍ هذه التي تستطيع أن تنصف ثابتي الجنان شاربي حليب السباع من أبطال القسام وآساد المقاومة؟ غزة هاجمها جيشٌ مدجًّجٌ بالسلاح مسربلٌ بالعتاد مثقلٌ بأحمال الذخيرة التي لا تنقطع أمدادها (آلاف الأطنان منها وبمعدلات تفوق معدلات جريان القيح والقبح من إعلام أمريكا الناطق بالعربية هجومًا على حماس) هذا وهي على ما هي عليه قلةً وحرمانًا من كل شيء! ورغم ذلك صمدت المدينة البطلة تحت ضرب المطارق وفي أجواء تطير لها قلوب الرجال الرجال! واضطرتْ حاضرةُ هاشم والقطاعُ معها العدوَّ إلى أن يفوز من الغنيمة بالإياب؛ فأيةُ أقلام تفي هؤلاء حقهم وتكيل لهم وتستوفي من أنصبة العز والمجد؟لكن من لا يسعه أن يطلق صواريخ القسام أو يقنص جنود الصهاينة أو يرصدهم أو يصوب راجمته نحو "بئر السبع" فلا أقل من أن يقول ويثني على هؤلاء؛ على أن يعلم أن لا ثناءَ ههُنا يقضي الغرض؛ إلا ما أثنى به رب العزة عليهم شاهدًا لهم بالصدق والإيمان "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون". لقد بذل القساميون دماءهم بسخاء وبلا حساب؛ وأنفقوا على تهريب السلاح وصناعته وعلى حفر الأنفاق؛ وليس سرًّا أنهم محقوا بذلك رؤوس أموالهم ومدخراتهم ومدخرات الأسرة ومصاغ الأزواج والأهلين (لا بل إنهم أربوها عند من لا يضيع عنده مثقال ذرة من خير) وأهم من ذلك هم جاهدوا الدنيا وكادوا لها وحايلوها حتى صنعوا السلاح من مواد أولية قليلة نجت من قائمة المحظورات؛ فأقاموا الحجة على الجيوش والعروش وعلى قيادات الأركان وجنرالات السلاطين وعلمائهم وعملائهم! فأين ذهول هؤلاء الآخرين وعجزهم وخَوَرُهُم من بطولة القساميين؟! ولكن هل أنا أثني على القسام بتأكيد المؤكد من فضله على هذا الفريق من المتعطلة؟ وهل من الثناء على الشمس أن نقول أن نورها يغلب بقايا النار في أعقاب السجائر؟!وكما تفردت حماس جهادًا وبطولة تميزت قاعدتها الشعبية بأنها حاضنة الجهاد والبطولة؛ تُسابق العمل التنظيمي وترفعه؛ فيقف القائد السياسي على مخططاته ويتوسع فيها بما يترتب عليها من أحمال كثيرةٍ في التضحية والفداء وهو لا يشعر أن يدًا تشده للأسفل؛ بل على العكس! هناك يدٌ تدفعه أن أَقْدِم؛ فوالله لو استعرضت بنا "النقب الغربي" فخضته لخضناه معك!وكلما غضب الله على منافق وأراد أن يخزيه تمام الخزي؛ فإنه يتركه إلى نفسه اللئيمة أن تُحَرِّشَ نفسها للطعن في قادة حماس واتهامهم بالفرار؛ فلا يلبث خبر شهادة قائد جديدٍ أن يأتي ليتمم العار والصغار على المرجفين؛ ويُدرِّسَ للعملاء أن الجهاد صناعة حماس وحرفتها؛ وأن البطولة فيها سلوك مطبوع وليس تمثيلاً مصنوعًا لا طعم له ولا رائحة! فقادة حماس لا يقرأون الفاتحة من ورقة مطبوعة أو مكتبوة (ثم يخطئون في القراءة!) ولا يصلون تزلفًا أمام الكاميرا فقط في الأعياد وفي مسجد "المخابرات"! ولا زلت أذكر ذلك الخطيب المفوه الذي أراد أن يحث المصلين على التبرع للأيتام في فلسطين وللمعوزين من أهلنا في غزة؛ فصرخ في المصلين أن "يا ويحكم! ألا تبذلون ما عندكم لهؤلاء وقادتهم علماء أئمة يصلون الجماعة ويؤذنون ويخطبون الجمع دون تكلف"!
لقد شاهدنا قائدًا يترجل مع الأسرة والأهل (نزار ريان وأفراد عائلته إلا أفرادًا منهم) وقائدًا تأذن الله له أن يطأ الجنة - بإذن الله ولا نزكي على الله أحدًا - مع ابنه وأخيه (سعيد صيام) واليوم تابعت وزير المواصلات الفلسطيني يوسف المنسي - لا حاجة لأن أقول أنني أقصد الوزير الشرعي لا الأجير الدايتوني - يتحدث عن الدمار الذي حل بشبكة المعلومات في القطاع؛ وتكلم الرجل عن وجوه الأزمة في هذا الباب دون أن يتكشف للناظر أنه يستمع إلى وزيرٍ دفعَ بابنه شهيدًا في هذه الحرب! وهو لم يكن مجرد ابن مسؤولٍ مُنَعَّمٍ وجد نفسه محتجزًا في تبادلٍ لإطلاق النار على غير موعدٍ وفي صدفةٍ سيئة؛ بل إن العدو اعتبر أن الشهيد البطل "أمير المنسي" فارسٌ من فرسان القوة الصاروخية في القسام.سيعتقد المنافقون الذين لا يحملون طهر المخلفين من الأعراب أن رحيل القادة الشهداء "راحةٌ" لهم و"نصرٌ" يتيح لهم أن يستمروا في تسمين أرصدة النهب والسرقة؛ والتوسع في مشاريع العمالة والخيانة؛ والاصطباغ بسيماء الخنى والدياثة (هذا بخلاف ما يصطبغون به من "المكياج" الثقيل) وهذا الفهم المفلس هو حدُّهُم ومبلغ أمانيهم المريضة. وما علموا أن هذه الدماء الزكية هي أحسن وكالة لتجنيد الكوادر والعناصر التي ستزلزل عروش الطغاة وتفسد عليهم تدبيرهم؛ وتنقص من ملكهم؛ وتختم دنياهم عليهم بالحسرة؛ ليبدأوا في الدار الآخرة مشوارًا آخر مع الحسرة الكبرى؛ ولكن لات حين ندم!
ولا شك أن الغزيين بذلوا من دمائهم وأموالهم حتى أعذروا؛ ولا شك ان المعركة لما تزل مستمرة - إن على مستوى الحرب العامة مع الكيان الصهيوني أو على مستوى هذه الجولة لأن المعابر لما تزل مغلقة (وخصوصًا معبر القرار المستقل عن "شايلوك" معبر رفح) - ولا شك أن معركة الفرقان قدمت لنا دروسًا كثيرةً؛ ورتبت على حماس وعلى جمهورها المحب - بالذات من هم في الدوائر العربية والإسلامية خارج فلسطين - مسؤولياتٍ كبرى؛ لكنني لا أحب أن أخلط وقفة العرفان والتحية هذه بلغة العظة والعبرة والدرس والتحليل الجاف. أحببت فقط أن أسجل لحماس أني أحبها؛ وأن حبي لها قد زاد وتضاعف؛ لأن من الفطرة أني ينحاز المرء للقوي الأمين؛ وللشريف الشجاع؛ ولمن أفعاله مرآةُ أقواله؛ ولمن لسان حاله يسابق لسان مقاله إلى الفضائل والخيرات!
وكما أن النفس مولعةٌ بالفطرة "بأخذ صورةٍ مع البطل" فإن النفس مدفوعة بالفطرة للمقاومة والذود عن حياضها؛ بما في ذلك الدجاج المتهم بالجبن (ربما حمل الدجاج التهمة فقط لأنه سبق الأنظمة العربية إلى الوجود) ولذلك بدا لي قول بعض القائلين ساذجًا جدًّا؛ ورغم تأكدي من حسن نواياهم! وأنا أعني هنا من احتجوا لحق حماس وغزة بالمقاومة بأن "فرنسا" قاومت الغازي النازي! ألا بئس الاحتجاج لحماس وبئس الدفاع عنها؛ فوالله لو أن في فرنسا مسؤولين ووزراء قدموا أولادهم وأولاد إخوانهم شهداء؛ ولو أن في فرنسا شعبًا يدافع عن وطنه شبرًا شبرًا - لو أن في بلاد الغال شيئًا من عشر معشار هذا لفرضوا على الشعوب "الفرانكوفونية" الصلاة لهم في الغداة والعشي!
حماس بفضل الله أبقت كرامتنا على قيد الحياة بل إن الحياة ظلت بفضل الله على قيد الحماس! فالحمدلله الذي لا ينيل عدو حماسٍ من حماسٍ شيئًا إلا وكان في نيله سببٌ في زيادة الثناء على من لا يلقون الحتوف إلا واقفين! وتجيئ قِتْلَتُهُم - لا موتهم فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون - لتغيظ العدا؛ وتحقق فيهم المزيد من النكاية!

والله أكبر ولله الحمد!

منقول من شبكة فلسطين للحوار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق