الأحد، 25 يناير 2009

قراءة في حسابات النصر والهزيمة ... بقلم : شاكر الجوهري


كيف يمكن أن يكون انتصاراً للمقاومة الفلسطينية ذاك الذي تم التوصل له بين حركة "حماس" وبقية فصائل المقاومة وإسرائيل من خلال وساطة مصرية..؟
بل هل تم أصلاً التوصل إلى اتفاق بين المقاومة وإسرائيل من خلال مصر ، فيما الجميع بات يعرف أن إسرائيل أعلنت وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد ليلة الأحد/الإثنين ، رفضته حركة "حماس" ، لتعود وتعلن مع بقية الفصائل وقفاً للنار من جانبها لمدة اسبوع واحد ، اعتباراً من عصر الإثنين ، وبفارق عدة ساعات عن توقيت وقف النار الإسرائيلية..؟!
ولم تكون مصر هي الوسيط ، في حين بات كل طفل عربي ، وليس فقط كل عربي عاقل يتهم نظام مبارك بالتآمر على المقاومة الفلسطينية..؟
مشهد ضبابي يحتاج إلى إجلاء الكثير من التفاصيل التي لم تصبح كلها متاحة لدى كتابة هذا المقال.
الثابت هو أن وساطة مصرية بذلت بين الجانبين للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ، جراء ثلاث رغبات :
1- رغبة مصرية ، لأن النظام المصري فوجئ بطول فترة الحرب جراء صمود مقاتلي "حماس" ، وبقية فصائل المقاومة في الميدان ، وعجز إسرائيل عن تحقيق الإنتصار ؛ تماماً كما فوجئ بحجم ردة فعل الرأي العام المصري ، الذي عمت مظاهراته ومسيراته واعتصاماته مختلف المدن والبلدات المصرية ، بوتيرة غير مسبوقة في تاريخ مصر ، وتنذر بما هو أخطر من عواقب حريق القاهرة سنة 1952 الذي مهد لقيام ثورة 23 يوليو (تموز) من ذات العام ، أو بثورة شعبية من النمط الذي أطاح مطلع تسعينيات القرن الماضي بأنظمة الحكم الشمولية لدول المنظومة الإشتراكية بالتتابع.
2- طول فترة الحرب جعل مبارك يستشعر حجم المخاطر الجسيمة التي بات يتعرض له نظامه ، إن ليس إلى حد إطاحته ، وهذا كان متوقعاً جداً ، فإلى حد حيلولة الشعب المصري دون توريث حكمه لإبنه جمال..!
3- رغبة إسرائيلية تنبع من ثلاثة عوامل:
أـ عدم رغبة الجيش الإسرائيلي ، الناتجة عن عدم قدرته على تحمل عواقب الإقدام على اقتحام المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية في قطاع غزة.
لقد أسست الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في هذه الحرب على تطويق وقصف وتدمير التجمعات السكانية الفلسطينية بهدف إرغام المقاومة الفلسطينية على التسليم بالإملاءات السياسية الإسرائيلية (الهزيمة) ، فيما أسست الإستراتيجية الفلسطينية المقاومة على العمل على استدراج الجيش الإسرائيلي إلى داخل التجمعات السكانية ، بهدف شل وتقليل فعالية مدرعاته وطيرانه ، والإشتباك مع الجيش الإسرائيلي على نحو مباشر.
ب ـ عدم تعريض النظام الرسمي العربي إلى مخاطر تتهدده بالسقوط في حالة إطالة أمد الحرب أكثر ، وذلك لأسباب تتصل بالمصالح الإسرائيلية والأميركية سواء بسواء..
المصالح الإسرائيلية لأنها تتأثر سلباً ، وعلى نحو خطير في حالة قيام أنظمة حكم راديكالية على غرار الأنظمة التي بذلت كل المؤامرات لإسقاطها من قبل (جمال عبد الناصر وصدام حسين) ، ويكون من شأن الأنظمة البديلة المتوقعة أن تنضم إلى جبهة الممانعة (سوريا وإيران).
والمصالح الأميركية لأنها تتأثر بما تتأثر به المصالح الإسرائيلية لهذه الجهة، كون إسرائيل قاعدة عسكرية إسرائيلية متقدمة في المنطقة ، ويضاف إلى ذلك مصالحها النفطية.
للتذكير لقد تم اجتياح العراق واحتلاله (2003) حفاظاً على مصلحتين استراتيجيتين اميركيتين : إسرائيل والنفط..!
ج ـ وجود استحقاقين سياسيين مهمين يمليان على إسرائيل الإسراع في إنهاء الحرب ، قبل أن يحين اجليهما : موعد تولي الرئيس الأميركي المنتخب باراك اوباما الحكم في الولايات المتحدة الأميركية في العشرين من الشهر الجاري (تم إعلان وقف إطلاق النار الإسرائيلية اعتبارا من فجر 18 الجاري) ، الذي لم يكن بالإمكان المغامرة بمواصلة الحرب إلى حين يتولى سلطاته الدستورية ، لعدم توفر معرفة يقينية بالموقف الذي يمكن أن يتخذه ، وهو الرئيس الذي فاز على قاعدة برنامج انتخابي بشّر الأميركيين بتغيير سياسات بلدهم الداخلية والخارجية ؛ والإنتخابات العامة الإسرائيلية في العاشر من الشهر المقبل ، وهو تاريخ يحتاج ويستدعي تقديم قصة انتصار للناخب الإسرائيلي ليعيد انتخاب أحزاب حكومة كاديما ـ العمل.
4- رغبة فلسطينية تنبع من عوامل مختلفة تتلخص في:
أـ عدم جدوى إطالة أمد الحرب كونها تأتي لتدمر البنية التحتية الفلسطينية دون توفر آفاق تحقيق انتصار نهائي يزيل الدولة العبرية من الوجود، أو يفرض عليها التسليم بالأمر الواقع الفلسطيني.
فالمقاومة الفلسطينية انتقلت من حرب الغوار إلى مرحلة البدء في تأسيس جيش التحرير الشعبي ، لكن تأسيس هذا الجيش لم يكتمل ، وهو بالتالي لم يصبح مؤهلاً بعد لإنجاز مهمة التحرير الكامل والشامل. وعليه، فإنه ليس من مصلحته تعجل معركة شمولية قبل اوانها، من شأن خوضها أن يعرضه لأخطار جسام، تتهدده بهزيمة كبيرة تتمثل في إمكانية انفضاض الشعب من حوله، ما دام الشعب هو الذي يقتل وتدمر ممتلكاته ومصالحه في هذه الحرب، دون أن يرى على الأرض إمكانية حقيقية لتدمير الدولة العبرية.
أليس الشعب هو الماء الذي يجب أن تعيش بين صفوفه قوى الثورة والتحرير..؟! وأليس هو التربة التي تحتضن هذه القوى حتى تتحول إلى جيش تحرير شعبي قادر على انجاز مهماته..؟!
لهذا ، التقت ارادات ومصالح جميع الأطراف المعنية مباشرة بالحرب على ضرورة وقف إطلاق النار، ما دام استمرار إطلاق النار يتهدد مصالح الأطراف الثلاثة المشار ليها..
غير أنه لا بد من التمييز بين مصالح كل طرف والطرفين الآخرين..
إسرائيل كمنت مصلحتها في عدم تعريض جيشها لهزيمة أكثر وضوحا، ما دام قد تبين عدم قدرته على تحقيق الأهداف التي أرسل إلى الحرب من أجل إنجازها..!
نظم مبارك لأن إطالة أمد الحرب يتهدده بالسقوط العاجل، أو الآجل قليلا..
العاجل بما يعنيه من إسقاط شخص مبارك..
والآجل بما يعنيه من إفقاد إبنه جمال بعد وقت قصير إمكانية وراثة الأب الذي تجاوز الثمانين من عمره، أو إسقاطه بعد فترة وجيزة من توليه الخلافة..
هذه هي الخلافة التي يؤمن بها، ويسعى اليها النظام العربي..!!
وهي ما لا ندعو له على أي حال، لأسباب ليس هنا مجال تفصيلها.
هذه الحسابات والمصالح هي ما يدعو الأطراف الثلاثة إلى قبول وقف إطلاق النار، بغض النظر عن التفاصيل التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف الذي التقت عليه مصالح كل الأطراف، وإن استدعى الأمر أكثر من سيناريو لإعلان القرار..
سيناريو النظام المصري، استدعت مصلحته التحول (للأسباب المذكورة) من التواطئ شبه المعلن مع "الحليف الإسرائيلي" ، وهو يخطط ويتكتك من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، وتوفير الغطاء السياسي له ، وتحميله المقاومة مسؤولية العدوان، ومشاركته العمليات العسكرية واللوجستية المضادة (حصار معبر رفح) ، وهدم الأنفاق ، ومنع تهريب السلاح للمقاومة ، بالتزامن والتوازي مع خطة كيت دايتون التي تعكف على تنفيذها في الضفة الغربية سلطة عباس ـ فياض..
استدعت مصلحته التحول من تعجل القضاء على المقاومة إلى العمل من أجل العودة إلى هدنة جديدة يجب أن يتواصل خلالها العمل على الإمعان في محاصرة المقاومة، وحرمانها من وسائل الدفاع عن النفس.
هذه بالتحديد أهم المهمات المعلنة لقمة شرم الشيخ..!
وهي ذات المهمة التي ذهبت تسيبي ليفني إلى واشنطن من أجل تحقيقها من خلال الإتفاق الذي وقعته مع كونداليزا رايس..!
قمة شرم الشيخ واتفاقية ليفني ـ رايس مهمتهما العمل على إضعاف "حماس" وبقية فصائل المقاومة، تهيئة للجولة المقبلة من الحرب.
وكذلك في هذا الإطار، إقحام اميركا ودول أوروبية أخرى في مهمة فرض ومواصلة الحصار التسليحي المفروض على المقاومة..!
اتفاق ليفني ـ رايس يهدف في الأساس إلى أمرين:
الأول: إثارة الطمأنينة في نفوس الإسرائيليين.
الثاني: تولي اميركا هذه المهة نيابة عن إسرائيل ، وذلك لأسباب تتعلق بالإقرار بفشل إسرائيل في القيام بهذه المهة سابقاً ، والرغبة في تحمل اميركا كلفتها المالية، واستخدام التقنية الأميركية في المراقبة والمتابعة واعتراض السفن في البحر وتفتيشها.
وما دامت المراهنة على ضرورة قلب الرأي العام الفلسطيني ضد المقاومة ، هي الأساس في أي مؤامرة مقبلة، فلا بد من مواصلة تحميل "حماس" المسؤولية عن الحرب ، والعمل على حرمانها من دورها المفترض من خلال حكومتها في غزة في توزيع المساعدات الدولية على الشعب المنكوب ، وإظهارها في موقف المهزوم ، وتحميلها كذلك مسؤولية العمل على إطالة أمد الحرب ، وذلك من خلال "التكتكة" مع "الحليف الإسرائيلي ليعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد..
والأهم من كل ذلك هو الإصرار على إبرام هدنة مع هذا الطرف المهزوم لمدة عشر سنوات، وإلزامه بنتائج المفاوضات غير المباشرة التي جرت مع إسرائيل من خلال الوسيط المصري..!
يريدون هدنة طويلة الأمد تفقد المقاومة أمام الشعب الفلسطيني سبب ومبرر وجودها، وسبب بقائها في السلطة..!
سيناريو حكومة إسرائيل استدعى إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، بهدف تسويق أكذوبة الإنتصار، وتحقيق كامل أهداف الحرب، وحث الناخب الإسرائيلي على إعادة انتخاب أحزاب هذه الحكومة.
لكن الرأي العام الإسرائيلي لا يصدق هذه الأكاذيب، تماما كما هو الرأي العام المصري لا يصدق أكذوبة "الدور المنقذ" الذي يزعمه النظام لنفسه، بدلا من الدور المتآمر الذي لعبه على أرض الواقع..!
هذا ما يؤكده المصريون العاديون من خلال اتصالهم بوسائل الإعلام العالمية.
وهذا ما يؤكده بنيامين نتنياهو المنافس القوي على رئاسة الحكومة المقبلة في إسرائيل، وكذلك الصحافة الإسرائيلية التي لا مصالح انتخابية لها..!
أما سيناريو المقاومة الفلسطينية، فقد ركز على تأكيد الإنتصار من خلال رفض وقف إطلاق النار استجابة للقرار الإسرائيلي ما دام قد أعلن بلغة تزعم الإنتصار، ثم إعلان وقف مؤقت لإطلاق النار حرصا على مصالح الشعب الفلسطيني في نفض آثار الحرب عن المجتمع (دفن الشهداء، ترميم ما يمكن ترميمه من المنازل المدمرة أو المصابة، وتدبر وسائل استئناف الحياة..إلخ) يتوقع أن يعقبه خرق محدود خلال الأيام التالية يفرض تدخل الأطراف المتضررة من نتائج واحتمالات استئناف الحرب وطول أمدها، ليتم إعلان وقف للنار لفترة أطول، بموجب اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي في هذه المرة..!
أما قبول المقاومة بدور الوساطة للنظام المصري، فهذا أمر تفرضه الجغرافيا التي جعلت من مصر الجار العربي الوحيد لقطاع غزة، وعدم وجود مصلحة فلسطينية بإعلان مقاطعته، أو في تقديم مبررات للنظام المصري ليصعد مواقفه المعادية للمقاومة..
والأهم من كل هذا وذاك، هو وجود مصلحة فلسطينية مصرية مشتركة في هذا الأوان، وإن لحسابات مختلفة كما بينا من قبل، تتمثل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وبدء عمليات الإغاثة عبر الحدود المصرية.
بقلم :شاكر الجوهري
رئيس تحرير صحيفة المستقبل العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق