الثلاثاء، 20 يناير 2009
انقلاب عربي يصعب تصديقه.... بقلم :عبد الباري عطوان
ما حدث في قمة الكويت الاقتصادية من مصالحات بين اطراف متنافرة، بل ومتصادمة، جاء مفاجئاً للكثيرين، فحروب القمم العربية، التي اشتعل اوارها طيلة الايام القليلة الماضية، وما شهدته المنطقة من مقاطعات واستقطابات واصطفافات رسخ انطباعا بأن الشروخ التي اصابت الجسم الرسمي العربي باتت اصعب من ان يتم التئامها، وأنها بصدد الاتساع.
فمن كان يصدق منظر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو يسير متشابك الأيدي مع الرئيس السوري بشار الأسد، ومن كان يتوقع ان يرى امير قطر الشيخ حمد بن خليفة يجلس جنباً الى جنب مع الرئيس المصري حسني مبارك بعد المعارك الاعلامية الطاحنة، يتبادلان الابتسامات والأحاديث الودية وكأن شيئاً لم يحدث؟
مشهد صعب هضمه، ناهيك عن تفسيره، يعكس لوغاريتمات السياسة العربية، والطبيعة الغريبة، واحيانا غير المنطقية، لمواقف اقطاب النظام الرسمي العربي، وطريقة تفكيرهم، ومواصفات خلافاتهم او تحالفاتهم، الامر الذي يدفعنا الى طرح العديد من الاسئلة حول اسباب هذا الانقلاب المفاجئ، ومدى جديته، وما يمكن ان يترتب عليه من خطوات عملية في اتجاهات عديدة، وعلى الصعد كافة.
هل هي دماء أطفال غزة التي حققت هذه المعجزة، ام انها العربدة الاسرائيلية التي فاقت كل التصورات في تغولها ووحشيتها، ام هو الصمت الامريكي والغربي، ام هو الهوان العربي، ام انها جميع العوامل هذه مجتمعة حتمت هذا التحول؟
لا نستطيع ان نغرق كثيراً في التفاؤل، لأن خيباتنا من النظام الرسمي العربي ورموزه لا تعد ولا تحصى، فقد شبعنا من الخطابات الرنانة، والكلمات النارية، وعبارات 'العين بالعين، والسن بالسن' وتكرار الجمل الخالدة مثل 'ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها'، دون ان نرى غير اعتداءات اسرائيلية مهينة ومتواصلة، وقادة عرب يديرون الخد الأيسر لمن يصفع خدهم الأيمن.
هل ما حدث أمر جدي فعلاً، ومؤشر على بداية مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك تضع حداً لمسلسل الاهانات الاسرائيلية، والازدراء الامريكي، والاحتقار العالمي لكل ما هو عربي؟ اما انه حدث طارئ لامتصاص حالة غضب شعبي عبّرت عن نفسها بقوة في شوارع المدن والعواصم العربية والاسلامية؟
خطاب العاهل السعودي كان نقطة التحول الرئيسية خلف كل التداعيات التي اطلت برأسها في قمة الكويت، وانعكست في المصالحات التاريخية، في توقيت عربي وعالمي حساس، حيث يقف العالم بأسره امام مرحلة جديدة ومختلفة تنبئ بالكثير من التغييرات، الامر الذي قد يوحي بان المملكة العربية استعادت زمام المبادرة الذي فقدته طوال سنوات التيه السابقة ومنذ مطلع هذا القرن على وجه التحديد، مما قزّم دورها، وصنّفها في خنادق تتناقض مع تطلعات شعبها.
هناك مجموعة من النقاط يمكن استخلاصها من القراءة السريعة لبعض الوقائع التي تبلورت على المسرح العربي، والقمم العربية الاخيرة، والكويتية منها على وجه الخصوص:
اولا: ادرك النظام الرسمي العربي انه يقف امام تحد اسرائيلي شرس ينسف كل الآمال بجدوى التعامل السياسي السلمي معه، مما يعني ان الاستمرار في استجداء السلام بدأ يعطي نتائج عكسية تماما.
ثانيا: اكدت الاتفاقات الامنية الامريكية ـ الاسرائيلية لمراقبة الحدود المصرية مع قطاع غزة لمنع تهريب الاسلحة، ودون دعوة القيادة المصرية او حتى التشاور معها، ان العلاقة الامريكية مع دول محور الاعتدال العربي، ليست علاقة تحالفية وانما 'خدمية' حيث ترى واشنطن العرب كمجموعة من التابعين باتت وظيفتهم محصورة في خدمة حروبها، وحماية اسرائيل. والشيء نفسه يقال ايضا عن تجاهل اسرائيل للمبادرة المصرية لوقف اطلاق النار، وانهاء الحرب من طرف واحد ودون التشاور مع الوسيط المصري.
ثالثا: نجح الرأي العام العربي المغيّب في فرض نفسه على النظام الرسمي العربي، من خلال مظاهراته الاحتجاجية الصاخبة والمستمرة، الامر الذي اعطى ثماره في اجبار الانظمة على وقف نظرتها الازدرائية غير المبالية للشارع العربي.
رابعا: صمود اهل قطاع غزة الاسطوري لأكثر من ثلاثة اسابيع في وجه العدوان الاسرائيلي، ودون اي دعم رسمي عربي، عسكري او سياسي، وفشل كل الرهانات على رضوخهم للابتزاز الارهابي الاسرائيلي والانقلاب على المقاومة وفصائلها وثقافتها.
خامسا: تعاظم المعارضة لحال الخنوع العربي الراهنة، واقدام دول على خطوات عملية للمرة الاولى لتبرئة نفسها من تهم التواطؤ مع الاحتلال، وتبلور حالة من الفرز في اوساط الانظمة، بين من يريد ان يفعل شيئا عمليا كرد على الاذلال الاسرائيلي ـ الامريكي، ومن يتحلى بفضيلة الصمت، واعطاء اسرائيل فرصة لانهاء المقاومة. ورأينا قطع علاقات مع اسرائيل، ومطالبة قوية بسحب مبادرة السلام العربية، والتلويح بخطوات اخرى قادمة.
سادسا: مساء اليوم تنتهي فترة حكم اكثر الزعماء الامريكيين كراهية للعرب والمسلمين، وصداقة وتأييدا للاسرائيليين ومشاريعهم وحروبهم ضد العرب والفلسطينيين خاصة، وتبدأ فترة ادارة جديدة تعد بالتغيير، وتقليص الاعتماد على العرب ونفطهم، وفرض احترام قيم حقوق الانسان والديمقراطية، الامر الذي يفرض على النظام العربي، او رموزه الاساسية اعادة ترتيب اوضاعها، والتخلي عن بعض جوانب غطرستها وجنوحها، ومحاولة اصلاح الجسور مع انظمة اخرى اختلفت معها، وعادتها لاسباب شخصية محضة، وليست استراتيجية.
سابعا: لعب الاعلام العربي، والشريف منه على وجه الخصوص، دورا فاعلا في تعرية المتواطئين مع العدوان، والمتدثرين بعجز مفتعل عن مواجهته لاسباب غير وجيهة، علاوة على كونها غير مقنعة، سواء من خلال ابراز الوحشية الاسرائيلية في قطاع غزة، ومظاهر الصمود الاعجازية للثكالى والاطفال المقطعة اوصالهم، او الاطباء الذين يعملون ببطولة لانقاذ المصابين، او تحريض الشارع العربي ضد الانظمة، وتعبئته خلف عملية التغيير على مستوى القمة.
لعلها 'صحوة'، او بوادر حراك في اتجاه صحيح، وفق بوصلة جديدة، ترتكز قاعدتها على معجزة مساحتها مئة وخمسون ميلا مربعا اسمها قطاع غزة، تضم شعبا من الجبارين فعلا، قد تكون حلما كاذبا يدفعنا الى التريث والحذر لاننا لدغنا كشعوب في مرات سابقة، وانخدعنا بخطابات نارية مماثلة، وقد تكون 'انتفاضة' حقيقية وجدية تؤشر لمرحلة جديدة.
نفضل التريث قليلا، وانتظار الايام المقبلة، حيث سيهدأ غبار قمة الكويت، ويعود الزعماء العرب الى بطانتهم وقصورهم، بعدها سنرى الحقائق على الارض، واضحة للعيان، ونأمل ان تكون شكوكنا وحذرنا وعلامات استفهامنا في غير محلها.
ختاما نقول ان اي مصالحة عربية ـ عربية، او فلسطينية ـ فلسطينية لا تستند الى ارضية مقاومة المشروع الاسرائيلي هي مصالحة مغشوشة، ستصطدم حتما بالشارع العربي، ولن تنقذ النظام الرسمي العربي
فمن كان يصدق منظر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو يسير متشابك الأيدي مع الرئيس السوري بشار الأسد، ومن كان يتوقع ان يرى امير قطر الشيخ حمد بن خليفة يجلس جنباً الى جنب مع الرئيس المصري حسني مبارك بعد المعارك الاعلامية الطاحنة، يتبادلان الابتسامات والأحاديث الودية وكأن شيئاً لم يحدث؟
مشهد صعب هضمه، ناهيك عن تفسيره، يعكس لوغاريتمات السياسة العربية، والطبيعة الغريبة، واحيانا غير المنطقية، لمواقف اقطاب النظام الرسمي العربي، وطريقة تفكيرهم، ومواصفات خلافاتهم او تحالفاتهم، الامر الذي يدفعنا الى طرح العديد من الاسئلة حول اسباب هذا الانقلاب المفاجئ، ومدى جديته، وما يمكن ان يترتب عليه من خطوات عملية في اتجاهات عديدة، وعلى الصعد كافة.
هل هي دماء أطفال غزة التي حققت هذه المعجزة، ام انها العربدة الاسرائيلية التي فاقت كل التصورات في تغولها ووحشيتها، ام هو الصمت الامريكي والغربي، ام هو الهوان العربي، ام انها جميع العوامل هذه مجتمعة حتمت هذا التحول؟
لا نستطيع ان نغرق كثيراً في التفاؤل، لأن خيباتنا من النظام الرسمي العربي ورموزه لا تعد ولا تحصى، فقد شبعنا من الخطابات الرنانة، والكلمات النارية، وعبارات 'العين بالعين، والسن بالسن' وتكرار الجمل الخالدة مثل 'ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها'، دون ان نرى غير اعتداءات اسرائيلية مهينة ومتواصلة، وقادة عرب يديرون الخد الأيسر لمن يصفع خدهم الأيمن.
هل ما حدث أمر جدي فعلاً، ومؤشر على بداية مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك تضع حداً لمسلسل الاهانات الاسرائيلية، والازدراء الامريكي، والاحتقار العالمي لكل ما هو عربي؟ اما انه حدث طارئ لامتصاص حالة غضب شعبي عبّرت عن نفسها بقوة في شوارع المدن والعواصم العربية والاسلامية؟
خطاب العاهل السعودي كان نقطة التحول الرئيسية خلف كل التداعيات التي اطلت برأسها في قمة الكويت، وانعكست في المصالحات التاريخية، في توقيت عربي وعالمي حساس، حيث يقف العالم بأسره امام مرحلة جديدة ومختلفة تنبئ بالكثير من التغييرات، الامر الذي قد يوحي بان المملكة العربية استعادت زمام المبادرة الذي فقدته طوال سنوات التيه السابقة ومنذ مطلع هذا القرن على وجه التحديد، مما قزّم دورها، وصنّفها في خنادق تتناقض مع تطلعات شعبها.
هناك مجموعة من النقاط يمكن استخلاصها من القراءة السريعة لبعض الوقائع التي تبلورت على المسرح العربي، والقمم العربية الاخيرة، والكويتية منها على وجه الخصوص:
اولا: ادرك النظام الرسمي العربي انه يقف امام تحد اسرائيلي شرس ينسف كل الآمال بجدوى التعامل السياسي السلمي معه، مما يعني ان الاستمرار في استجداء السلام بدأ يعطي نتائج عكسية تماما.
ثانيا: اكدت الاتفاقات الامنية الامريكية ـ الاسرائيلية لمراقبة الحدود المصرية مع قطاع غزة لمنع تهريب الاسلحة، ودون دعوة القيادة المصرية او حتى التشاور معها، ان العلاقة الامريكية مع دول محور الاعتدال العربي، ليست علاقة تحالفية وانما 'خدمية' حيث ترى واشنطن العرب كمجموعة من التابعين باتت وظيفتهم محصورة في خدمة حروبها، وحماية اسرائيل. والشيء نفسه يقال ايضا عن تجاهل اسرائيل للمبادرة المصرية لوقف اطلاق النار، وانهاء الحرب من طرف واحد ودون التشاور مع الوسيط المصري.
ثالثا: نجح الرأي العام العربي المغيّب في فرض نفسه على النظام الرسمي العربي، من خلال مظاهراته الاحتجاجية الصاخبة والمستمرة، الامر الذي اعطى ثماره في اجبار الانظمة على وقف نظرتها الازدرائية غير المبالية للشارع العربي.
رابعا: صمود اهل قطاع غزة الاسطوري لأكثر من ثلاثة اسابيع في وجه العدوان الاسرائيلي، ودون اي دعم رسمي عربي، عسكري او سياسي، وفشل كل الرهانات على رضوخهم للابتزاز الارهابي الاسرائيلي والانقلاب على المقاومة وفصائلها وثقافتها.
خامسا: تعاظم المعارضة لحال الخنوع العربي الراهنة، واقدام دول على خطوات عملية للمرة الاولى لتبرئة نفسها من تهم التواطؤ مع الاحتلال، وتبلور حالة من الفرز في اوساط الانظمة، بين من يريد ان يفعل شيئا عمليا كرد على الاذلال الاسرائيلي ـ الامريكي، ومن يتحلى بفضيلة الصمت، واعطاء اسرائيل فرصة لانهاء المقاومة. ورأينا قطع علاقات مع اسرائيل، ومطالبة قوية بسحب مبادرة السلام العربية، والتلويح بخطوات اخرى قادمة.
سادسا: مساء اليوم تنتهي فترة حكم اكثر الزعماء الامريكيين كراهية للعرب والمسلمين، وصداقة وتأييدا للاسرائيليين ومشاريعهم وحروبهم ضد العرب والفلسطينيين خاصة، وتبدأ فترة ادارة جديدة تعد بالتغيير، وتقليص الاعتماد على العرب ونفطهم، وفرض احترام قيم حقوق الانسان والديمقراطية، الامر الذي يفرض على النظام العربي، او رموزه الاساسية اعادة ترتيب اوضاعها، والتخلي عن بعض جوانب غطرستها وجنوحها، ومحاولة اصلاح الجسور مع انظمة اخرى اختلفت معها، وعادتها لاسباب شخصية محضة، وليست استراتيجية.
سابعا: لعب الاعلام العربي، والشريف منه على وجه الخصوص، دورا فاعلا في تعرية المتواطئين مع العدوان، والمتدثرين بعجز مفتعل عن مواجهته لاسباب غير وجيهة، علاوة على كونها غير مقنعة، سواء من خلال ابراز الوحشية الاسرائيلية في قطاع غزة، ومظاهر الصمود الاعجازية للثكالى والاطفال المقطعة اوصالهم، او الاطباء الذين يعملون ببطولة لانقاذ المصابين، او تحريض الشارع العربي ضد الانظمة، وتعبئته خلف عملية التغيير على مستوى القمة.
لعلها 'صحوة'، او بوادر حراك في اتجاه صحيح، وفق بوصلة جديدة، ترتكز قاعدتها على معجزة مساحتها مئة وخمسون ميلا مربعا اسمها قطاع غزة، تضم شعبا من الجبارين فعلا، قد تكون حلما كاذبا يدفعنا الى التريث والحذر لاننا لدغنا كشعوب في مرات سابقة، وانخدعنا بخطابات نارية مماثلة، وقد تكون 'انتفاضة' حقيقية وجدية تؤشر لمرحلة جديدة.
نفضل التريث قليلا، وانتظار الايام المقبلة، حيث سيهدأ غبار قمة الكويت، ويعود الزعماء العرب الى بطانتهم وقصورهم، بعدها سنرى الحقائق على الارض، واضحة للعيان، ونأمل ان تكون شكوكنا وحذرنا وعلامات استفهامنا في غير محلها.
ختاما نقول ان اي مصالحة عربية ـ عربية، او فلسطينية ـ فلسطينية لا تستند الى ارضية مقاومة المشروع الاسرائيلي هي مصالحة مغشوشة، ستصطدم حتما بالشارع العربي، ولن تنقذ النظام الرسمي العربي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق