الأربعاء، 14 يناير 2009

ما علاقة الحرب على غزة بالقرصنة في الصومال وقناة السويس !؟ بقل: د. أنور عبد الملك

إجرام الدولة الصهيونية في اعتدائها علي الشعب الفلسطيني في غزة‏,‏ في هذه اللحظة من التاريخ‏,‏ دفع الناس في بلادنا وكذا معظم المحللين والكتاب في العالم للتساؤل‏:‏ ماهي أهداف الدولة الصهيونية من هذا العدوان؟ يتساءلون ويضيفون في معظم الأحيان عبارات تشجب الدولة الصهيونية لعدم إعلانها عن أهداف العدوان‏,‏ وكأن عمليات العدوان في تاريخ الأمم تعلن عن أهدافها بوضوح وتفصيل لايترك مجالا للبس والتساؤل‏.‏
والمدهش حقيقة إن وزيرة خارجية الدولة الصهيونية المعتدية أعلنت بكل وضوح أن عملية غزة هدفها هو تغيير المعادلة في المنطقة‏,‏ تحديد الهدف واضح‏,‏ والواضح أيضا أن معظم المعلقين لم يتصوروا أن هذه العبارة الواضحة تعبر عن حقيقة الأمر‏:‏ ذلك أنه ليس من المعقول ان تنطلق آلة الحرب الإسرائيلية في هذه العملية العدوانية الإجرامية الشرسة وكأن ذبح المقاومة في غزة معناه تغيير المعادلة في المنطقة‏,‏ فلا احد يتصور أن سكان غزة يمثلون الركن الأساسي للمعادلة في منطقة الشرق الأوسط‏.‏
ماذا تعني إذن تسيبي ليفني بإعلانها المدوي؟ ماذا‏,‏ مثلا‏,‏ لو كانت تعني ماتقول بالضبط‏,‏ ماذا لو كان هدف العملية حقيقة وفي الجوهر هو القضاء علي توازن القوي القائم منذ حرب أكتوبر‏1973,‏ ثم معاهدة كامب ديفيد‏1978,‏ ثم كيف يمكن فهم المعادلة التي مازالت قائمة في الشرق الأوسط أو متبقية بعد تدمير العراق الشقيق؟
ثم‏:‏ لماذا الآن؟
الهدف المعلن بوضوح وصراحة غير مفهوم في مجرد حدود غزة الشهيدة وهو كذلك لاينطبق بوضوح علي منطقتنا العربية والشرق الأوسط الكبير‏,‏ علي اعتبار أن غزة تمثل عنصرا عزيزا‏,‏ ولكنه محدود في لعبة الأمم والدول في منطقتنا‏.‏
أولا‏:‏ ومن هنا وجب وضع هدف عملية العدوان كما اعلنته وزيرة خارجية الدولة الصهيونية في إطاره الاوسع‏,‏ أي في دائرة عملية تغيير العالم وصياغة العالم الجديد التي نحياها‏.‏
‏1 ‏ ـ يعتقد قطاع واسع من المحللين ان الهدف من هذه العملية الإجرامية ضد المدنيين دون تمييز هو مذبحة هدفها دفع سكان غزة مكرهين إلي مغادرة ديارهم والتدفق عبر الحدود ومعابرها إلي سيناء بحيث يتم حل قضية غزة بتفريغها من اهلها وبسط القوي الهجومية للدولة الصهيونية علي عموم أراضي فلسطين الجنوبية وبالتالي تهديد سيادة مصر علي امتدادها الشرقي في سيناء وصولا إلي قناة السويس شريان الملاحة العالمية بكل مايمثل ذلك من تهديد مفزع للأمن القومي المصري‏.‏
‏2‏ـ واللافت حقيقة ان هذا التحرك الحربي الإجرامي تجاه قناة السويس من الشمال الشرقي يواكبه تفجير عمليات القراصنة البحرية من الجنوب‏,‏ قالوا عنها إنها تهدف إلي تمويل شعب الصومال المظلوم وقد أثبتت الأيام ان القائمين علي هذه القراصنة يعملون في شبكات من التنظميات الشبابية المرتبطة بمراكز الحكم السلفية الجديدة التي بدأت تسيطر علي مختلف مناطق الصومال الجنوبية والشرقية وتحاصر البحر الأحمر جنوبا‏,‏ والملفت أن هذه العمليات ادت إلي قرار عدد من كبري شركات الملاحة العالمية بالعدول عن المرور عبر قناة السويس والاتجاه إلي الجنوب الإفريقي حول رأس الرجاء الصالح في طريقها من وإلي آسيا وقد ترتب علي ذلك انخفاض ملحوظ في عوائد مرور السفن عبر قناة السويس‏,‏ أي تهديد المورد الرئيسي للاقتصاد المصري‏.‏
اقول وأكرر القول‏:‏ ليس المهم حكاية القراصنة ولكن المهم هو تواكب التوقيت بين التهديد القادم من الشمال الشرقي مع ذلك الذي يتحرك من الجنوب‏,‏ وكلاهما يستهدفان قناة السويس‏.‏
‏3‏ ـ ويري بعض خبراء الجيوسياسة ان تواكب هذين التهديدين سوف يؤدي إلي تقليل فائدة أهمية قناة السويس بوصفها الشريان الرئيسي للملاحة والتجارة العالمية‏,‏ لايقترب منه من حيث الأهمية‏..‏ إلا المضايق‏,‏ بين ماليزيا وإندونيسيا‏,‏ وهو يفوق بكثير قناة بنما بين الأمريكتين وهنا نتذكر مع هؤلاء الخبراء المشروع القائم منذ عقود علي ايدي خبراء الدولة الصهيونية الذي يهدف إلي شق قناة جديدة بين شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر تبدأ من شواطئ إسرائيل وتوازي مجري قناة السويس في الشمال‏,‏ بحيث تكون هذه القناة الجديدة تحت السيطرة الاستراتيجية المباشرة للدولة الصهيونية بعيدا عن الأراضي المصرية بحيث تختنق أرض الكنانة‏,‏ وقد بدأ العمل بالفعل لحفر قناة البحر الميت بالتعاون مع الأردن لربط البحر الميت بالبحر الأحمر‏.‏
‏4‏ ـ وفي نفس التو واللحظة ترتفع نبرة الاصرارعلي محاكمة رئيس جمهورية السودان‏,‏ جنوب الوادي‏,‏ أمام محكمة دولية بهدف تقسيم السودان الشقيق الأغر إلي شمال وجنوب‏,‏ وربما منطقة أبيي المتحكمة في مساحة البترول‏,‏ ثم غربا في دارفور وربما في منطقة السودان الشرقية وهو المخطط المعروف منذ امد بعيد والذي بدأ يدخل حيز التنفيذ‏.‏
‏5‏ ـ يتم تنفيذ هذا المخطط بينما لم يلاحظ الكثيرون بدء عمل القيادة الأمريكية الجديدة لقارة إفريقيا‏,‏ ربما لانها تعمل في كتمان حذر ماعلاقة هذا كله بإعلان الدولة الصهيونية هدف تغيير المعادلة في المنطقة؟
هل بدأت تتضح الصورة‏,‏ مع العلم اننا مازلنا نتحرك حتي الآن في دائرة الشرق الأوسط المحيطة بمجزرة غزة فقط لاغير؟
ثانيا‏:‏ نتوقف هنا لتلخيص معالم عملية تغيير المعادلة في المنطقةوهو شعار الاستراتيجية الصهيونية ـ الأمريكية الذي نتصور انه كلام مناسبات ليس إلا‏.‏
ـ بدأت عملية تغيير المعادلة بالقضاء علي العراق عام‏2003,‏ بوصفه القوة الشامخة التي وقفت تسيطر علي شمال المنطقة‏,‏ وتحركت الصهيونية العالمية ودولتها لتحريض الدولة العظمي الوحيدة في مطلع هذا القرن الجديد لتدميرها وتفتيتها والقضاء علي قواها الحية وقد تم هذا باسم نشر الديمقراطية بينما كان الهدف هو القضاء علي القوة العربية الشامخة في شمال الدائرة العربية لمصلحة الدولة الصهيونية في المقام الأول‏,‏ ثم السيطرة علي ثاني أكبر دائرة لإنتاج البترول حاليا وحجبها عن آسيا الطالعة‏,‏ وفي مقدمتها الصين الدولة العظمي الصاعدة‏.‏
‏2‏ ـ ثم بدأ التحرك الذي عرضنا له في الجزء الاول اعلاه ووجهته محاصرة مصر من الشمال والجنوب بعد تقليص مكانة قناة السويس في الملاحة والتجارة العالمية‏,‏ وفي هذا‏,‏ حسب تصور واضع استراتيجية تغيير المعادلة في المنطقة القضاء علي مكانة مصر الاستراتيجية والسياسية والمعنوية في دائرة الشرق الأوسط الكبير من المحيط الأطلنطي إلي قلب آسيا بحيث يصبح من الممكن آنذاك تفتيت معظم الدول العربية وكذا عزل سوريا الشقيقة رفيقة السلاح تاريخيا‏.‏
‏3‏ ـ هذا بينما تتحرك كماشات الغزو والحصار حول جنوب الوادي لتقسيمه في المقام الأول بهدف تملك أكبر مساحة من الأراضي الزراعية الموجودة في حدود السودان كما نعرفه اليوم‏,‏ وهي التي حددت المراكز الاستراتيجية صانعة القرار منذ‏1965,‏ انها تستطيع توفير الغذاء لسكان المعمورة كلها ـ وهي الحقيقة العلمية الثابتة والمعروفة لدي المختصين وصناع القرار والمغيبة في ديارنا بفضل تردي المعرفة والاعلام‏,‏ في مرحلة الركود التي نحياها‏,‏ هذا بالإضافة إلي السيطرة علي منابع النيل‏,‏ وبالتالي السيطرة علي مصائر حياة الشعب المصري باكمله‏.‏
‏4‏ ـ ثم يأتي الاعداد للقضاء علي القوي الصاعدة الأخري في الشرق الأوسط الكبير أي إيران وكذا تركيا والمخطط هو استغلال إقليم كردستان العراق حيث تعمل موجات الخبراء الإسرائيليين لبناء ترسانة في قلب بلد سوف يتحول إلي قاعدة ملاصقة علي حدود إيران مباشرة تستطيع ان تهدد البنية الاستراتيجية والاقتصادية الإيرانية بالتواكب مع تحرك الدولة الصهيونية المرتقب المحتمل ضد إيران‏.‏
وفي هذه الاجواء يمكن ان يدرك الرأي العام لماذا بدأت تركيا تتحرك بشكل ملفت‏:‏ ادانة الهجوم الإسرائيلي‏,‏ التقارب مع سوريا ومصر‏,‏ ورفض أي تحرك في كردستان من شأنه أن يحاصر تركيا جنوبا في الوقت الذين يمعن فيه الاتحاد الأوروبي في استبعاد تركيا من عضويته هل يدرك الرأي العام والطلائع السياسية والفكرية في ديارنا أهداف عملية غزة الوحشية بكامل ابعادها؟ أم ان استراتيجية تغيير المعادلة في المنطقة‏,‏ مازالت غامضة أو مغيبة؟
قال صاحبي‏..‏‏:‏ مهلا‏,‏ مهلا ياأخي تصورنا ان نهاية عصر بوش الأسود معناها بداية عصر من السلام‏,‏ ولا أقول الورود‏,‏ وأين العالم من المخطط الذي نتكشفه اليوم؟ كيف تكون صياغة العالم الجديد التي تحدثنا عنها المرة تلو المرة؟‏.‏ وهل تري علينا ان نواجه حروبا من نوع جديد؟‏..‏ عجبي‏....‏
المصدر : الأهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق