الخميس، 29 يناير 2009

«قناعة» الرئيس عبَّاس الجديدة ؟! ... بقلم عريب الرنتاوي

29-1


وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى قناعة (جديدة) بأن إسرائيل لا تريد السلام ، و«إنما تريد إضاعة الوقت والاستفادة من الوقت لتعزيز الاستيطان وتعميق الانقسام» ، ولقد صدق فيما ذهب إليه ، وأقصد تحديداً الجانب المتعلق بنوايا إسرائيل وليس بقناعة الرئيس ، فنحن بحاجة إلى ما هو أكثر من التصريحات لنصدق بأن الرئيس (المنتهية ولايته) ، قد وصل إلى هذه القناعة قولاً وفعلاً ، وأن هذه التصريحات ليست مجرد «ردة فعل» أو تعبير عن «الغضب والعتب والضيق الناجم عن تآكل مكانة السلطة وموقع الرئاسة. وأننا سنرى سلوكاً رئاسياً محكوماً بهذه القناعة الجديدة ، فالرئيس ليس «محللاً سياسياً» ولا «خبيراً في الشؤون الإسرائيلية» تستنطقه قناة «الجزيرة» في برنامج «ما وراء الخبر» ، بل هو صاحب السلطة والولاية ، وفي جيبه الكثير من الأوراق الكفيلة بقلب الطاولة على رؤوس كثيرين ، وكم كنا نتمنى أن نستمع إلى «الشطر الثاني» من بيت الشعر الذي يشرح لنا «معالم الطريق» ويجيب على سؤال: «ما العمل؟».
لا نريد للرئاسة والسلطة أن تمتشقا سلاحاً نارياً وتخرجا إلى الشوارع لمطاردة الدوريات الإسرائيلية التي «تتمختر» على مقربة من المقاطعة وتستبيح كل زاوية في الضفة الغربية الهادئة (قسراً ورغم أنفها) ، ولا نريد للرئيس بعد أن هدأت المدافع نسبياً في القطاع الجائع والمحاصر ، أن ينسحب من التزاماته الإقليمية والدولية ولا من استحقاقات عملية السلام ، فهذا ما دعوناه لفعله في «عز المذبحة» ولم يفعل ، ومن العبث تكرار الدعوة الآن ، فيما المراسم الرئاسية منشغلة بترتيب اللقاءات مع بلير وسولانا وميتشيل ، كل ما نريده من الرئيس ، أن يخرج قليلاً عن النص المكتوب في مسائل الحوار والمصالحة والإعمار والمعابر والتهدئة ، وأن لا يبقى على نغمته المعتادة : حكومة وحدة وانتخابات مبكرة ، فالعالم بعد غزة ، تجاوز هذه الأقانيم ، وما كان صحيحاً قبل غزة لم يعد كذلك بعدها ، والأولويات تبدلت واختلفت ، ومن البؤس استمرار ترديد المواقف ذاتها ، وكأن شيئاً لم يكن.
على الرئيس أن يشرع في إعادة بناء النظام السياسي بمجمله ، بدءاً بتطهير بيته الداخلي ، وفتح أبواب المنظمة لرياح التغيير ، وإقالة الحكومة المسؤولة على الاعتقالات السياسية وتفكيك العشرات والمئات من المؤسسات المدنية والمنظمات الأهلية وإطلاق النار على المتظاهرين ، والشروع في اتخاذ خطوات وإجراءات كفيلة فعلاً ببناء الثقة ولملمة شتات الصف المنقسم ، وطمأنة مختلف الأفرقاء حول مائدة حوار وطني ، والأفضل من دون وسيط ، أو بسلة من الوسطاء (على طريقة سلة العملات) حتى لا يكون الإصرار على الوساطة المصرية الحصرية ، وسيلة لإضعاف الفريق الآخر وحشره في الزاوية.
على الرئيس أن يتصرف من موقع ولايته العامة ، كرئيس لكل الفلسطينيين ، وليس «أميناً عاماً» لفصيل أو اتجاه ، وأن يترك أمر السجال والمناكفات مع الفريق الآخر ، لكثرة كاثرة من المستشارين و«الرداحين» و«الشتامين الشامتين» ، وأن يوفر جهده ومواقفه لإعادة اللحمة الفلسطينية على قاعدة الجمع بين خياري المقاومة والتفاوض ، العمل المقاوم والعمل السياسي ، أما أن نلعن المقاومة يومياً ، ونعلن في الوقت ذاته أن إسرائيل تريد الاستيطان والعدوان ولا تريد سلاماً ومفاوضات جادة ، فمعنى ذلك أننا نترك شعبنا مجرداً من كل الخيارات وأوراق القوة التي يمتلكلها.
لا يكفي أن نردد بأننا «أهل المقاومة وأننا من اخترعها» ، فالأهم أن لا ننهي المقاومة قبل إنجاز أهدافها ومراميها ، وكم من حركات المقاومة والتحرر انتهت «حرساً أبيض» أو «ثورة مضادة».
نأمل أن تكون تصريحات الرئيس عباس ، بداية مراجعة جذرية وشاملة للمسار والمسيرة ، مع أننا نخشى الإفراط في التفاؤل والذهاب بعيداً في الرهان ، فمن لم يستفد من تجربة «السور الواقي وحصار عرفات واغتياله» ، من لم يتعظ بهزائمه الانتخابية والعسكرية ، ولم يبدل زلزال غزة ورصاصها المصهور جملة واحدة في خطابه ، يصعب أن يخوض غمار مراجعة شاملة للتجربة ، والأرجح أن تصريحات كهذه سيطويها النسيان عند أول لقاء تفاوضي مع رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبلة ، وربما قبل ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق