وضعت الصهيونيّة قرارات مبكرة من أجل كسب صداقة غير اليهود. بدأت بالغرب: استعانت هناك بالنزعات اللاساميّة. والصهيونيّة يمكن أن تتعايش مع اللاسامية (آن الأوان ليتوقف العرب عن رد تهمة اللاسامية عن أنفسهم عبر القول إنهم هم ساميّون، لأن في هذا تغييراً للموضوع، فمصطلح اللاسامية عنى منذ نحتِه في أواخر القرن التاسع عشر اليهود دون سواهم من الساميّين) كما أن معاداة الصهيونيّة يمكن أن تتناقض مع اللاسامية (هذا لا يعني أنه ليس كل الصهاينة معادين للسامية كما أنه لا يعني أنه ليس بين معادي الصهيونية بعض اللاساميّين من أمثال النازيّين وبعض الكهنة من مختلف الأديان، ولا سيما فقهاء آل سعود المتحالفين مع ليبراليّي النفط). استغلّت الصهيونيّة معاداة اليهود في الغرب لتبشّر بالهجرة التي تخلّص الغرب فيها من يهوده. حاولت الصهيونيّة باكراً أن تكسب السلطة العثمانيّة، وقدّم ثيودور هرتزل بنفسه رشوة للإمبراطوريّة في لقائه مع السلطان عبد الحميد، وبقيّة القصّة باتت معروفة وكتب عنها المؤرّخ الذي أشرف على أطروحة الدكتوراه التي نالها رستم غزالة وبجدارة استحقت إعجاب اللجنة الفاحصة في قريطم. وبدأت الصهيونيّة باستمالة بعض النخبة السياسيّة العربيّة.
ينسى البعض أن قادة الصهاينة الأوائل (مثل حاييم وايزمان وديفيد بن غوريون) أقاموا علاقات وطيدة مع معظم الزعماء العرب. يظن بعضهم أن الهاشميّين كانوا الصهاينة الأوائل، ولكن كان هناك غيرهم حتى في الوسط الفلسطيني من أمثال راغب النشاشيبي وغيره. كانت المواقف بالدولار يومها، إلى درجة أن الرحالة فيلبي جال بين الصهاينة في أوروبا عارضاً موافقة الملك عبد العزيز على المشروع الصهيوني مقابل أكثر من حفنة من الدولارات. ويروي المؤرخ آفي شلايم في كتابه عن الملك عبد الله أن القادة العرب كانوا يتسابقون لتسريب تفاصيل اجتماعاتهم السريّة للصهاينة. والتدخل العربي في الشأن الفلسطيني بالنيابة عن الصهيونيّة بدأ باكراً. لقد كان العرب وراء إجهاض الثورة العربية في 1936 (وضع عنها غسان كنفاني دراسة قيّمة). وهم الذين ضغطوا على ثوّار فلسطين لوقف إطلاق النار وتجميد الثورة عام 1937. كانت تلك ضربة قاصمة من نتاج التدخّلات العربيّة التي توالت، سنةً بعد سنة. صدّق ثوار فلسطين وعود الحكام العرب. قالوا لهم إن «الراعي البريطاني» (الذي سبق «الراعي الأميركي») سيعمل للقضاء على الخطر الصهيوني، وحذّروهم من إعطاء الاستعمار البريطاني «الذريعة». حديث الذريعة لم يتأخّر ولم يتوقّف. توقف إطلاق النار، فيما عمد الصهاينة إلى تسريع التسليح والتهريب والتدريب برعاية بريطانيّة وبدون رعاية. اكتشف الثوار الفلسطينيّون متأخّرين أن حكام العرب خذلوهم، وعندما عادوا إلى المرحلة الثانية من الثورة أغرقهم الصهاينة في صراعات داخليّة قاتلة، ما لبثت أن أنهكتهم.
تكرّر الأمر عام 1948. لم يدعوا الشعب الفلسطيني يتدبّر أمر حماية نفسه والدفاع عن أرضه. استولوا على قضيّته بالقوّة ووضعوا الملك عبد الله المرتشي من الصهاينة والمتعاون معهم منذ البداية (ومشى على خطاه خلفاؤه من بعده) على رأس خطة معركة استقلال فلسطين. التاريخ الحزين معروف، لكن منطق «عدم إعطاء الذريعة» استعمله الصهاينة بطريقتيْن متعاكستيْن. الطريقة الأولى كانت في حرب 1967، وكانت خدعة صهيونيّة، والحرب خدعة. والطريقة الثانية كانت في لوم العربي عندما يبادر إلى المقاومة.
الخطأ القاتل عام 1967 لم يكن في الاستعداد للحرب: في الحقيقة لم يكن هناك استعداد يُذكر. النظام البعثي في سوريا زايد على عبد الناصر من اليسار، فيما عمل النظام الأردني للمزايدة من اليمين متهماً عبد الناصر بالاختباء وراء القبّعات الزرق. هنا وقع عبد الناصر في المحظور. صدّق تحذيرات الإدارة الأميركيّة التي شدّدت على مسؤوليّة مُطلق النار في الحرب. ظن النظام المصري في غباء لا يُغتفر أن أميركا و«المجتمع الدولي» (وكان المصطلح أقلّ إيلاماً آنذاك في ظل الحرب الباردة) سيُحمّل البادئ المسؤوليّة. صدّق النظام أن عليه «ألا يعطي الذريعة». وقع في الفخ وأتت الهزيمة المنكرة. ولكن ماذا لو أن النظام المصري باغت العدو ببدء الحرب؟ كان كل شيء سيختلف في صراعنا مع إسرائيل. كان عبد الحكيم عامر سيلغي جلسة الكيف في الأمسية التي سبقت العدوان، وكان العدو سيفقد عنصر المباغتة التي قصمت ظهر العرب، وأكسبت إسرائيل ليس فقط باقي أرض فلسطين وما شاء من أرض العرب، بل الرصيد السيكولوجي الذي أدّى إلى التيئيس والإحباط اللذين قادا إلى كامب ديفيد وأوسلو وما بينهما.
والصهيونيّة العربيّة المتمثّلة بأنظمة التحالف الذيلي مع الحلف الأميركي ـــــ الإسرائيلي الأكبر تلعب الدور المرسوم بإتقان مفضوح. خطاب نايلة معوّض إبان عدوان تموز لم يختلف عن خطاب ياسر عبد ربّه (الذي كان صادحاً وهستيريّاً في الإعلام السعودي أثناء العدوان على غزة، ربّما لأن إسرائيل لم تقضِ على حماس كما كان مرسوماً أو متوقعاً، ومن المضحك أن يتحدّث عبد ربّه بصيغة الجماعة وكأنه يقود تنظيماً جماهيريّاً عرمريّاً في الضفة وفي الشتات، وهو ـــــ هذا اليساري السابق ـــــ لا يتوقّف عن تعظيم «خادم الحرميْن»). الدعاية هي نفسها، والكلام ذاته. موقع إيلاف الإباحي ـــــ السوقي عاجل إلى رسم ما كان مُبيّتاً قبل أشهر عندما نشر «تقريراً» (ممهوراً كالعادة بأسماء تبدو مستعارة) عن خطر صورايخ حماس على أمن إسرائيل الطري. وكالعادة، يستعملون دعاية «عدم إعطاء الذريعة لإسرائيل».
هذا كان منطق الصهاينة العرب من الهاشميّين وبعض النشاشيبي في عام 1937، وهذا كان منطقهم عام 1948. هذا الخطاب يفضي إلى ضمان تفوّق إسرائيل العسكري على أرض المعركة، وهذا هو المبتغى. لا يسأل أحدٌ هؤلاء إذا كانت المداولات الصهيونيّة تحتاج إلى ذرائع أو تعتمد عليها، وكأن الدولة العبريّة متمسكة بأهداب القانون الدولي والاتفاقات الأمميّة، ولا تحيد عنها إلا عندما يدفعها المغامرون العرب. إسرائيل في نظرهم تتمسّك بحذافير القانون والسلم العالمي، لكن مقامري العرب يتحمّلون مسؤوليّة استفزاز إسرائيل الوادعة. هذا هو منطقهم. ينسون تفاصيل اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي عشيّة اجتياح لبنان عام 1982 (الذي تسرّب في كتاب زئيف شيف وإيهود يعاري عن الاجتياح): كيف أن مسؤول الاستخبارات أكّد لمناحيم بيغن أن منظمة التحرير (التي كانت تحت قيادة عرفات تؤمن بـ«عدم إعطاء الذريعة») ليست مسؤولة عن اغتيال شلومو أرغوف. أجابهم بيغن أن الأمر لا ياسر عبد ربّه يعنيه. الإرهابيّون سواء بالنسبة لدولة الإرهاب الصهيونيّة. وإذا تمسّكنا بمبدأ عدم إعطاء الذريعة، ألا يعني هذا الاستسلام الكامل مقابل اللاشيء؟ ألا يعني هذا الاستكانة المطلقة وانتظار قذائف العدو وصواريخه على أحرّ من الجمر؟
لكن سياق مدرسة الصهيونيّة العربيّة كان واضحاً في الإعلام. فارس خشان لام حماس على قتل المدنيّين في غزة (وعندما شعر بالحرج عاد واختلق لنفسه سيناريو حوار لم يدرْ بينه وبين محطة القوات لكننا لاحظنا أنه لم ينفِ هتافه «كلنا إسرائيليّون»)، فيما كان متدرّبه في نشرة آل الحريري يعلن نهاية الصراع مع إسرائيل، ويدعو العرب إلى استقبال نعال جيش العدو بوجوههم. والطريف هو محاولة أبواق آل سعود (وخصوصاً في منبر خالد بن سلطان) ادعاء التنويريّة في نقد حماس. أي إن حلفاء هيئة كبار العلماء يدّعون نقد حماس من منظار تنويري، أي مثل نقد بوش من منطلق جون بولتون (أو حازم صاغيّة).
ويخدش الآذان تعبير خوف بطريرك أنطاكية من انعكاس «ما يجري في المنطقة» سلباً «علينا». المقياس هو لبنان، دائماً، مع أننا نذكر أن البطريرك أقام قدّاساً خاصاً بضحايا 11 أيلول، ولكنه لم يقم قداساً لضحايا غزة. لعلّ ثمن الرجل الأبيض في بلد مثقل بالتراتبية العنصرية أغلى من غيره. ومحمد شطح، شَطَحَ كعادته في السياسة الدولية على برنامج «نهاركم كئيب». فقد اختلف حتى مع معسكر آل سعود، وأضاف أن العلّة «فينا» وقال إن العرب فشلوا في الترويج والتسويق والرجاء الحار في ما يتعلق بمبادرة توماس فريدمان. وشطح طمأن الإسرائيليّين بالنسبة لأمنهم العزيز على قلب وزير مالية حكومة الوحدة الوطنيّة، والسنيورة دعا العرب من الكويت في خطبة له عصماء إلى «الوقوف عالياً» (مستشهداً بمثل إنكليزي) كي نحصل على ما نريد. لم يوضّح السنيورة ما عناه. هل يشير إلى قبلاته على وجنة كوندوليزا رايس عندما هلّلت للقصف الإسرائيلي على لبنان؟ أم يشير إلى كلمته الوجدانيّة في مديح ملك السعودية المُثبتة في العدد الخاص بالملك السعودي من «تاريخ العرب والعالم»، التي اختزلت العرب والعالم بشخص خادم الحرميْن؟ أم إن السنيورة يدعونا للإيغال في النضال الحضاري الذي أجاده أيما إيجاد أثناء حرب تموز؟
والذين لاكوا خطاب «عدم إعطاء الذريعة» في حرب تموز هم أنفسهم الذين لاكوا الخطاب نفسه أثناء العدوان على غزة. تقرأ في الصحافة الإسرائيليّة أن هذه الحروب وسلاسل العدوان تُعدّ قبل سنوات من شنّها، لكن هؤلاء ـــــ أي حلفاء الصهيونيّة بين ظهرانينا ـــــ يرون أن حروب إسرائيل هي بنت ساعتها. لو شنّ عبد الناصر حربه استباقيّاً ـــــ آه كم كان جنّبنا من ويلات لو فعل ذلك حتى تحت قيادة المشير ـــــ لكانوا قالوا إن عبد الناصر أعطى الذريعة وإن إسرائيل ما كانت تنوي شن حرب عام 1967. هم أنفسهم في الحالتيْن. الذين لاموا عبد الناصر بعد الهزيمة، كانوا لاموه لو لم يُهزم. وخلفاء هؤلاء في الطاعة الوهابيّة يلومون مقاومات إسرائيل، لو انتصرت ولو انهزمت. وهم (بهدف وأد أية مقاومة ضد إسرائيل في أي زمان ومكان، كما صرّح بذلك محمد شطح الذي دعا إلى نبذ العنف في التعاطي مع إسرائيل) يضعون شروطاً تعجيزيّة للمقاومة: فعليها أن تنتصر من دون تسجيل خسائر في الناس والعتاد والبناء. أي إن المقاومة يمكن أن تكون مقبولة عندهم في حالة واحدة فقط: تجنّب أية خسائر في الدولة التي تنطلق منها المقاومة. ولو خضعت المقاومة الجزائريّة لشروطهم التعجيزيّة، لكانت فرنسا ما زالت تنعم بخمر الجزائر، ولكان شعب فيتنام يقطن في مستعمرة أميركيّة.
والمؤامرة المُعتمدة على الصهيونيّة العربيّة تجلّت معالمها في الاتفاق الأميركي ـــــ الإسرائيلي في واشنطن. اتفق الطرفان على إجراءات في أرض مصر، فيما كان الحريص على سيادة مصر كما يزعم ـــــ الرئيس المُحنّط ـــــ غائباً. لكن البند الرابع كان لافتاً: تحدّث عن تدريب لقوى أمنيّة محليّة لم يُسمّها. يحاولون إرجاع الدحلان بأية طريقة كي تطمئنّ إسرائيل. والقمة العربيّة أصرّت على أن يمرّ التمويل، لا عبر مجلس اشتراعي مُنتخب، بل عبر رئيس منتهي الولاية، وإن أطالتها الإدارة الأميركيّة. يريدون الاستفادة من عدوان لم يحقّق أهدافة، فاستدعى لهم الرئيس المُحنّط الرجل الأبيض وقادة إسرائيل مع أبو مازن، لعلّ وعسى. وأبواق معسكر آل سعود (كيف يجتمع الاعتدال مع قطع الرؤوس في الساحات العامة ومع رجم العشّاق؟) يتحدّثون عن «أمن إسرائيل» بالحماسة الصهيونية ذاتها. ينسون (أو لا يلاحظون) أن المفهوم عنصري في أساسه، إذ إنه يفترض أن شعباً واحداً فقط يستحق الأمن لأنه متفوّق جينيّاً. هم لا يكترثون لما يلحقهم من مهانة في تشرّب عقيدة نمت على احتقارهم. وهناك استعارة في خطاب 14 آذار من تراث الصهيونيّة: عندما يقول أيمن جزيني إن الشعب الفلسطيني هو وحده الذي يعاني. ماذا يعنون بهذا الكلام؟ هل أن حركة حماس (وغيرها من التنظيمات المُقاومة في غزة بما فيها تنظيمات يساريّة) هم من كوكب آخر؟ هل رجالها ونساؤها أرجنتيّنيّون؟ هذا ما كانت إذاعة إسرائيل تقوله عند انطلاق المقاومة بهدف التفريق (الوهمي) بين الثورة والشعب الفلسطيني. أو ريمون جبارة (الذي كان قد نفى أثناء نشوته بتدمير مخيم نهر البارد أن يكون هناك فرق بين مدني فلسطيني ومُقاتل) الذي حمّل مسؤوليّة قتل المدنيّين في غزة لإسماعيل هنيّة لأنه لم يبنِ ملاجئ (هل سمع جبارة بمجزرة قانا الأولى والثانية، أم أن أخبارها فاتت ملحق ثقافة 14 آذار؟ لم يسمع حضرته بقصف إسرائيل للملاجئ والمشافي).
وتتخذ تبرئة إسرائيل أشكالاً مختلفة. بعض مثقفي الليبيراليّة يختلق عنوةً معارضة أو «معسكر سلام إسرائيلياً» لا وجود له. وعباس بيضون سجّل عتباً (والعتب على قدر المحبّة، يقولون) على آموس عوز لأنه أيّد المجازر في غزة، وكأن كتابات الرجل منذ السبعينيات خلت من عنصريّة ضد الفلسطينيّين، وكان عوز سبّاقاً في تشبيه الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة (قبل ولادة حماس، قبل أن يسارع التنويريّون إلى لومها) بالنازيّة. وآموس عوز، بمناسبة وبغير مناسبة، يعبّر عن فخره لمساهماته في قتال العرب خلال حروب إسرائيل. لا أحد يبالغ في ليبيراليّة مثقفي الصهيونيّة وفي نواياهم السلميّة المزعومة، مثل ليبيراليّي الوهابيّة عندنا. واستطلاعات الرأي بين يهود إسرائيل أكدت أن نحو 95% من السكّان أيّدوا قصف غزة وتجويعها، لكن جهاد الزين لا يزال يحيّي شجاعة «كتّاب إسرائيليّين» ـــــ لعلّه يعني واحداً أو اثنيْن. يمتعض الليبيراليّون عندما نعبّر عن عدائنا لدولة إسرائيل ومجتمعِها. يظن بعض الذين يعانون ضعفاً في الثقة بالذات أن جلسة مع إسرائيلي تسبغ على جليسها العربي قبساً من الحضارة والرقيّ. كيف يمكننا أن ننسى ـــــ لا، لن ننسى، ولن نغفر ـــــ مشهداً لعائلات وشباب من إسرائيل يجلسون على هضبة مشرفة على غزة وهم يهلّلون ويقرعون كؤوس الشامبانيا لمَشاهد حرق غزة من بعيد؟ واحد من مراسلي إحدى المحطات التلفزيونيّة الأميركيّة أرسل لي أنه أطلق صفة «هضبة العار» على تلك التلّة (لو أفصحت عن اسم المراسل لتعرّض فوراً للطرد).
لن ننتظر هذه المرّة مرور ثلاثين عاماً حتى تصدر الوثائق المعنيّة بهذه المرحلة. العناوين وبعض التفاصيل لم تكن مستورة. انتظر حسني مبارك اثنيْن وعشرين يوماً قبل أن يُطالب إسرائيل، بتهذيب شديد، بوقف العدوان على غزة. وأبو مازن (الفاقد للشرعيّة غير الأميركيّة التي نصّبته رئيساً مدى الحياة) لم يجد من المناسب أن يحضر قمة عن غزة مع بعض العرب، لكنه هرع للالتقاء مع أولمرت عندما استدعاه الرئيس المُحنّط. والملك الأردني يحاول أن يخفي تآمره على شعب فلسطين عبر التحذير من مؤامرة ضد شعب فلسطين. والإعلام السعودي والمصري استعان بمحمد دحلان في أول أيام العدوان عندما ظن أن الأمر لن يطول وأن أنطوان لحد فلسطين سيعود إلى غزة على رأس قواته بسراويلهم الداخليّة. لكن الإعلام السعودي والمصري لم يلبث أن أخفى دحلان الذي عاد لمونتينيغرو حيث يسهل «البزنس». لكن فريق الممانعة لم يجد أكثر من «تعليق» مبادرة توماس فريدمان و«تجميد» العلاقات مع إسرائيل. أي إن نهج هذا الفريق لا يرفض الصهيونيّة في المبدأ بل يتعايش معها، وفق شروط معيّنة. (طبعاً، سيطلع محلّل التذاكي البعثي، عماد فوزي الشعيبي ـــــ الذي طمأن قيادة النظام في سوريا إثر صدور القرار 1559 بأنه لا يعني سوريا أبداً بل يعني القوات الأميركيّة في اليابان ـــــ بتحليل مفاده أن فلسطين بانت في أفق «التعليق» و«التجميد»). لكن الرأي العام العربي في موقع مختلف تماماً. ليس هو في وارد التطبيع أو التعليق. هو، مثله مثل شعب غزة، يعلم أن الخيار هو «الخيار الصعب» الذي تحدّث عنه أمل دنقل.
والمصالحة بين قادة العرب المُنصَّبين تمّت، فوتوغرافياً على الأقل، وفي هذا تذكير بعنوان كتاب جان بول سارتر: «الغثيان»، الذي جاء فيه: «لم يتغيّر شيء، لكن كل شيء تغيّر».
* أستاذ العلوم السياسيّة
في جامعة كاليفورنيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق