الجمعة، 30 يناير 2009

الجواسيس الكبار والجواسيس الصغار ... بقلم : عريب الرنتاوي

30-1


نشرت صحف إسرائيل الصادرة أمس، تقارير عن جواسيس سقطوا بالعشرات في قبضة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة خلال الأسابيع الثلاثة التي استغرقها العدوان الهمجي على القطاع، وأسهبت الصحف في نشر تفاصيل الخلاف بين المستويين الأمني (الاستخباري) والعسكري (العملياتي) في إسرائيل حول هذا المسألة، الأول يدفع باتجاه الحفاظ على "مصادر معلوماته" والثاني يعطي الأولوية لحياة جنوده في الميدان.
من نافل القول، أنه حين يحدث تعارض من هذا النوع، فإن الأولوية تعطى لحياة الجند على حساب حياة العملاء، فهؤلاء أرخص من أن يفكر بهم أحد، أو أن يعاقب أحد لتخليه عنهم أو تركهم لمصائرهم البائسة، أنهم أرخص من أن يصبحوا "مسألة" أو أن يتحولوا إلى فصل أو حتى صفحة في تقرير "فينوغراد - 2" أو أي تقرير على شاكلته.
هم باعوا أنفسهم وشعبهم وقضيتهم ومقاومتهم وأرواح أبناء جلدتهم، نظير دراهم معدودات، فلماذا يحسب لهم أي حساب ومن أي نوع...لا قيمة لهؤلاء بأنفسهم، قيمتهم بوظيفتهم وأدوارهم القذرة التي يؤدونها في إرشاد الطائرات إلى أهدافها والتأشير على مخابئ السلاح والمقاومين...لا قيمة لهؤلاء ولا لحيواتهم وأرواحهم إلا بالقدر الذي تحفظ معلوماتهم حيوات وأرواح "يهود" مدنيين وعسكريين من شعب الله المختار.
لذلك، رأيناهم يسقطون بالعشرات في قبضة حماس والكتائب والمقاومة، لا لفطنة أمنية مفرطة عند الفصائل ولا بسبب امتلاكها أجهزة أمنية واستخبارية متطورة، بل لأن "مشغلي الجواسيس" في تل أبيب حرقوهم بسرعة، ومن دون تردد، وفي كل مرة كانت فيها تطورات الميدان تستوجب ذلك، كأن يفضي (حرقهم) إلى إصابة هدف أو تفادي إصابة في صفوف القوات الغازية للقطاع الباسل.
مصائر الجواسيس الصغار، لا تختلف كثيرا عن مصائر الجواسيس الكبار، الذين ما أن تنتهي أدوارهم حتى يرفع الغطاء عنهم، فيتركون لقبضات جماهيرهم الغاضبة وشعوبهم المحتقنة، ولطالما حفل التاريخ بصور وحكايات مؤثرة ومعبرة عن المآلات البائسة لكثيرين من هؤلاء...من جواسيس الـ "سي آي إيه" الذين احتشدوا في ساحات سفارة واشنطن في سايغون وعلى أسطح بناياتها علّ إحدى الطائرات العامودية تلتقطهم...إلى شاه إيران الذي ضاقت عليه الأرض بما ومن رحبت، ولم يجد قبرا يأوي عظامه الرميم، إلا بمكرمة ساداتية من طراز خاص، مرورا بالطبع بعشرات القصص والحكايات التي تهجو بمجملها العمالة والخيانة وتحط من قيمة العملاء والخونة أيا كانت درجاتهم وطبقاتهم.
بعض الجواسيس من "طراز متوسط الحجم"، يجري تداول سيرته الذاتية هذه الأيام، على المواقع الالكترونية مع خطوط تشديد كثيرة تحت وقائع وأحداث ظلت غامضة في "تاريخ الاغتيالات" التي ذهب ضحيته عدد من قادة منظمة التحرير وفتح وكوادرهما، لكن أغرب ما في الأمر، أن هؤلاء "الجواسيس المفترضين"، يمتلكون من "الوقاحة" ما يمكنهم من الظهور يوميا على شاشات الفضائيات في حفلات ردح وشتم لم تتوقف أبدا، حتى في "عز المذبحة".
أحد الأصدقاء الظرفاء قال لي: ليس كل جاسوس وظيفته جمع المعلومات، بعضهم يبدأ مهنته هكذا، لكنه ينتهي إلى الردح أو الشتم أو السباب، فتلك وظيفة أيضا، ولها تصنيفها (وكادرها) في الحروب النفسية والسياسية والدعائية والإعلامية، ولأن لكل وظيفة خصائصها ومؤهلاتها، فإن "الوقاحة" أو بالأحرى "النذالة" يجب أن تكون مبتدأ العمل في هذا الحقل، أما خبره فلا أقل من استئصال "شرش الحياء" كما تُستأصل الزائدة الدودية عند التهابها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق