الخميس، 15 يناير 2009
برافوو أيها النظام العربي....بقلم : ناصر السهلي
كل هذا السجال الممتد منذ اللحظة الاولى للحرب العدوانية على غزة حول انعقاد او عدم انعقاد "قمة عربية عربية" أخافني جدا جدا.. لا لأنها لم تُعقد من اليوم الأول، بل للظلم الذي وقع على النظام الرسمي العربي المتهم بأنه متآمر على الشعب الفلسطيني.. فهو يرسل "المساعدات بالقوافل".. وهو يعد بإعادة بناء ما دمره وسيدمره المعتدي.. وقصة المؤامرة التي تتهمه بالتواطؤ ليست سهلة.. فمن جعل المقاومة الفلسطينية بكل أذرعها صامدة هي هذه النظم التي سلحت غزة بما يجهله الجهلة أمثالي.. وبفضلهم وبفضل تحذيراتهم الشديدة والقوية سمعنا أولمرت وهو يرتجف منهم معترفا بالقرار 1860 وقبل أن يُطلب "أخويا" وبدون ضغوط أن ترفع المقاومة رايات "النصر البيضاء".. ويا دار ما دخلك شر..فواحد مثلي، يؤمن بنظرية المؤامرة، يستغرب حقا كل هذا السجال والصراخ حول تقصير النظام العربي الرسمي الذي يمكن ان نستثني منه كمشة تعد على اصابع اليد الواحدة، وتحديدا لجهة عقد تلك القمة.. إنني حقا أشفق على حالة النظام الرسمي الذي تطالبه جماهير "غوغائية" بايجاد وقت من أجندتهم للاجتماع حين كان الرقم في التدمير والضحايا في غزة ما زال في بداياته.. فهؤلاء الذين يصدح صوتهم دعما لشعب فلسطين.. لا بل تبرع بعضهم بالدم لا يستحقون كل العناء المطلوب منهم..النظام الرسمي العربي مشغول جدا بقضايا استراتيجية أكثر من مجرد "بضعة آلاف" من الشهداء والجرحى.. وآلاف أخرى مشردة.. مشغول هذا النظام الرسمي بقضايا رفع قيمة الأسهم وتداعي الأزمة الاقتصادية العالمية على المواطن العربي الذي من المحيط الى الخليج شعب منشغل بربح وخسارة استثماراته.. بمعنى آخر.. هذا النظام يعرف أن لا فقرا ولا تشريدا ولا أمية ولا بنى تحتية مهلهلة ولا سجون ومعتقلات ولا استراتيجيات صحية وتعليمية غائبة عن كل حواري وأزقة بلداننا التي صارت تنافس في ناتجها القومي شركة مايكروسوفت.. فكيف تطالبونهم بإشغال وإهدار وقتهم بقضية مثل القضية الفلسطينة..حقا أستغرب أن يقارن البعض بين القمم الأوربية والأفريقية حين يتداعى قادة القارتين "لأمور تافهة" بنظر الرسمي العربي بسبب إنقلاب في بلد ما أو حصول كارثة إنسانية تؤثر على الجميع.. إستغرابي أُصر عليه رغم أن جدتي رحمها الله كانت دوما تلتصق بالمذياع لسماع كل نشرات الأخبار وكل تحركات "القادة العرب".. من وزراء الصحة إلى وزراء التجارة والمخابرات.. كانت تأمل وماتت وهي تأمل أن تعود إلى حيفا.. جدتي لم تترك مناسبة مرور زائر أجنبي من نيكسون حتى ميتيران بمنطقتنا إلا وتقول لي " قرب الحل يا ستي!".. ماتت حاملة معها تمسكها بالأمل ولم أراها.. لكنني أعترف بأن جدتي كانت تفقه مثل كل جداتنا الفلسطينيات ألف باء الاستراتيجيات السياسية كبقية الجماهير "الغوغائية"... لم أكن أجادلها كثيرا وهي تروي ما تروي عن حيفا وبلد الشيخ.. تركتها تروي وبذاكرة طفولية كنت أبحث عن تضاريس ومعالم السياسة والجغرافيا..مرات ومرات كانت تصيبني حالة من الحزن على النظام العربي الذي يعرف أكثر من تشافيز وموراليس أن الاسترايجيات واتخاذ المواقف لا تتم على طريقة أحد إلا على طريقتهم.. يعني لماذا الاستعجال ونحن نعرف أن "العجلة من الشيطان" والعكس من الإيمان.. وكل من هؤلاء مؤمنون ورعون يعرفون كيف ومتى يمكن لهم أن يجتمعوا بعيدا عن التوتر العصبي الذي يصيب الجماهير بعد 20 يوما من الدمار واستخدام كل المحرمات في غزة..أعترف أيضا بأنني كنت مخطئا حين كنت أقول بأن الإنقسام الفلسطيني يحمل كارثة على مستقبل القضية والشعب.. فلا أحد من النظم الرسمية العربية يستخدم هذا الانقسام حجة كلما أطل علينا مسؤول أو موظف عند مسؤول ليلقي علينا الحكم والمواعظ عن ضرورة "التحضير الجيد" و " ضرورة توحد الموقف" وأن المواقف العربية غير متباينة ولا انقسامات ولا هم يحزنون.. كلها من إختراعات عقولنا "الغوغائية"..فهم حضروا جيدا لـ" قمتهم الاقتصادية" وأجنداتهم مليئة بمواعيد كثيرة ومهمة جدا جدا.. ولا يستحق أكثر من 6000 فلسطيني بين شهيد وجريح واحتلال أجزاء من قطاع غزة واستخدام الفوسفور الابيض كل هذا "الهرج والمرج" الذي يتناوله المحللون والخبراء... وببساطة شديدة أحسدهم على ما هم فيه من نعمة برودة الأعصاب والتخطيط المحكم... بل إنني أستغرب من الشجاعة التي تصدر عنهم وهم يتحدون أولمرت وليفني وباراك وبوش من وراءهم وإصرارهم على عدم عقد قمة عربية نكاية بهؤلاء ولإفهامنا أنهم أصحاب استراتيجيات عظيمة لا تقع في الفخ المنصوب لهم..ثم كيف يسمح الانسان العربي لنفسه أن يتهم هؤلاء بالصبيانية والمراهقة السياسية في الموافقة تارة على عقد القمة وسحب الموافقة تارة أخرى.. إنهم بلا شك يعرفون كيف يردون على اتصالات رايس وبوش واولمرت.. هم أكثر دراية منا نحن "الغوغائيين" بكيفية التعاطي بدم بارد بعيدا عن نظرية المؤامرة وسخونة الدم العربي الذي يجري في عروقنا..يستحق النظام الرسمي العربي أن نفهمه قليلا.. فهو أبدا ليس ضد المقاومة.. بل وعلى الجزيرة قال حيدر البغدادي من الحزب الحاكم في مصر بانفعال شديد لفيروز زياني " يجب تقديم قادة اسرائيل الى محكمة جرائم الحرب ، باراك وأولمرت وشارون" شكرته فيروز بكل أدب وتواضع.. ألا تجدون كم هم متابعون لكل شاردة وواردة.. فقط لو سمح لي الدكتور حيدر البغدادي أن أصحح له بأن شارون في غيبوبة.. وأن الانفعال والمزايدة على دم الضحايا لا يتم بالطريقة التي قام بها لأنه بذلك يضر "الاستراتيجية".. ثم من قال لكم أن الرسميون العرب ضد المقاومة؟؟إنهم معها لكنهم يتوسطون لكي تكون المقاومة على طريقتهم.. وهم بالتأكيد لا يريدون سوى رفع الحصار لمدها بذخيرة رسمية أكثر تطورا.. صناديق كبيرة وضخمة تهطل على غزة.. مليئة بالمدامع ورذاذ الخطابات وحناجر مدربة.. إنهم يعدون العدة باستقبال ليفني بالاحضان لخنقها..أشفقوا على حالتهم ولتخرجوا شاكرين أولياء النعمة على ذكائهم المفرط وعلى مواقفهم الجريئة من العدوان على غزة وربما غدا بيروت ودمشق.. ومن يدري، ربما القاهرة... علينا أن نقول وبصوت واحد: برافوو أيها الزعماء العرب لقد أثبتم أنكم قادة لا يشبهكم أي قائد في هذا الكون في الحرص على مستقبل أمتكم.. ولا حتى تشافيز وموراليس.. ولا حتى موينز ليكوتوفت الدانماركي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يطالب بطرد السفير الاسرائيلي من كوبنهاغن...إنكم حالة خاصة لم ولن يشهد التاريخ لها مثيلا في الذكاء والبصيرة... فتابعوا وواصلوا طريقكم لأنه الأقصر ليفهم "الغوغاء" كم أنتم في المكان والزمان الخطأ.. أقصد أنكم سابقون لعصركم " بالوطنية" و" الانسانية".. أكثر بكثير من حفيد العثمانيين... برافوو يا عرب..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق