الخميس، 15 يناير 2009

مَن العدو حقاً؟... بقلم :فهمي هويدي

التوجيه الإعلامي غير الذكي يسبب لنا حرجا شديدا، اذ حين تعلن مصر أن المباحثات التي تجري في القاهرة حول المذبحة الجارية في غزة ليست منحازة ضد حماس، في رد مباشر على ما قالته وزيرة الخارجية الاسرائيلية في هذا الصدد، فإن الذين يوجهون منابر الإعلام ينبغي عليهم ان يقنعوا جماعتهم بأن يسكتوا مؤقتا عن سب حماس والتنديد بها. وتلك مسألة احسب انها لا تحتاج إلى ذكاء خاص، ولكنها تتطلب حدا ادنى من الحس السليم، ذلك ان المواطن العادي اذا اراحه التصريح الرسمي الذي ينفي عن مصر تحيزا ضد حماس، لابد ان يصاب بالحيرة والدهشة اذا ما طالع الصحف وتابع الحوارات التلفزيونية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان الموقف المصري يقف في المربع المعادي لحماس، الامر الذي ينطبق عليه المثل القائل: «اسمع كلامك اصدقك، وأشوف أمورك استعجب».ربما لاحظت انني تحدثت عن التوجيه الاعلامي باعتباره حقيقة واقعة، وانني لم استنكره ـ حيث لا جدوى من الاستنكار ـ لكنني فقط طالبت بترشيده، بحيث يتم ذلك التوجيه بقدر اكبر من الذكاء يحقق الغايات والاهداف المراد بلوغها. ولا اعرف ان كان المسؤولون عن وزارة «الحقيقة» ـ اذا استخدمنا تعبير جوج اورويل ـ يدركون، أم لا، مدى التدهور الذي اصاب مستوى أداء أبواقهم الاعلامية، حتى أصبح بعض مندوبيهم في الصحف ينشرون المعلومات المرسلة إليهم من الأجهزة الأمنية كما هي. ويضعون أسماءهم عليها دون اي تدخل من جانبهم، بحيث تظل محتفظة بأخطائها اللغوية وألفاظها السوقية، وليت الامر اقتصر على ذلك، لان التوجيه الاعلامي الراهن الذي يعلن الحرب على حماس اصبح يكذّب بشكل مباشر النفي الرسمي لادعاءات وزيرة الخارجية الاسرائيلية. وليت الأمر اقتصر على ذلك لأن هذه التعبئة الاعلامية المضادة تشكل إدراكا يبرر المذبحة الاسرائيلية ويتعاطف معها.ان أسوأ النتائج التي ترتبت على ذلك الخلل في التوجيه الاعلامي ان الامر اختلط على كثيرين، بحيث لم يعد المواطن العادي يعرف من هو العدو الذي ينبغي ان نعبأ ضده ونحتشد في مواجهته. وقد تلقيت رسالة تعبر عن الدهشة ازاء ما يجري من المستشار سمير حافظ المحامي بالاسكندرية. قال فيها انه إلى وقت قريب جدا لم يكن عدو الأمة مثيراً لاي خلاف. اذ ان ذكر العبارة ظل يعني مفهوما محددا في ذهن كل مصري، بل كل عربي، غير أن الامور تغيرت في وقت قصير بحيث لم يعد الامر بهذا الوضوح الآن، ولا ادل على ذلك من اننا نسمع كل يوم ان كل المتحاورين يتبادلون الاتهام بالعمالة للعدو رغم اختلاف توجهات كل طرف، كما يتبادلون الاتهام بترديد كلام العدو، رغم اختلاف ما يردده كل طرف، حتى تشابه الأمر علينا في مسألة أتصور انه لا يجوز لأمة ان تختلف فيها او عليها. ورغم ذلك فإن الحالة الضبابية الناشئة عن الاتهامات المتبادلة بين المتحاورين من شأنها ان تؤثر بالسلب في معرفة عدو الامة، أهي إيران، أم سورية، أم حزب الله، أم قطر، أم حماس، أم عناصر مقاومة الاحتلال في الدول العربية ايا كانت، ام اسرائيل، ام الولايات المتحدة الاميركية؟سألني المستشار سمير حافظ: ألا ترى معي انه على كل من يتهم غيره بالعمالة للعدو ان يحدد في اتهامه من هو العدو من وجهة نظره، وان على كل من يتهم غيره بترديد اقوال العدو ان يحدد هذه الاقوال والعدو الذي قالها، وان هذا التحديد اللازم من شأنه ان يعمل على ازالة هذه الحالة الضبابية، ومن شأنه ايضا ان يسهل للحس الوطني للبسطاء تحديد عدو الامة؟ وألا ترى معي ان أمة لا تعرف عدوها او تختلف على تحديده، هي أمة تسير بخطى متسارعة إلى هلاكها؟ وهو مصير ـ لا قدر الله ـ يصيبنا بغير تفرقة، فنلقى جميعاً جزاء ما فعله السفهاء منا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق