الخميس، 15 يناير 2009

هللو يا، لقد انتصرت غزة ... بقلم : د.فايز ابو شمالة

15-1

قد يبدو الحكم بانتصار غزة متسرعاً، وقد يراه البعض ساذجاً، وسخيفاً، ووهمياً ولاسيما في ظل هذه الهجمة الفاجرة، وما خلفته من دمار مزلزل، وما سكبته من دم بريء تحت الرصاص، ولكن ما قالته امرأة فلسطينية من غزة: "إن ظل العود، اللحم يجود"، ليؤكد أن الموت الذي صبته الدولة العبرية على غزة لم يمس القلب، ولم يهشم العظم، ولم يكسر الأجنحة، ولم يقيد قدم المقاومة، أو يحطم إرادة الإنسان في غزة بالبقاء على العهد، وهذا ما نبصره بأعيننا على أرض غزة، وما تسمعه آذاننا من تفجيرات، وما تدركه عقولنا من الوقائع الميدانية، والمؤشرات السياسية، والتصرفات الإسرائيلية، وتطور الأحداث بشكل عام لتؤكد على أن غزة قد قرعت الأجراس في كل عواصم العالم باسم فلسطين، وأصداء صرختها قد تجاوزت حدود المكان، وهي تعبر عنق الزجاجة الخانق، لتعبر معها القضية الفلسطينية من حالة الجمود، والاستخفاف السياسي إلى فضاء الحضور الفاعل عربياً، ودولياً، وكي لا يظل الحديث في دائرة التعميم، استحضر الشواهد التالية من واقع الميدان:
أولاً: ما نراه من حالة الاستعداد، والتحفز، والثقة التامة بالنفس التي يتمتع فيها المقاتل الفلسطيني بعد عشرين يوماً من المعارك العنيفة، إن هدوء أعصاب المقاتلين المثير لأعصاب المراقبين، يشير إلى الإدارة الناجحة لحرب تعجز عن إدارتها دول كبيرة.
ثانياً: الفشل المهين للمخابرات الإسرائيلية في معرفة مكان قيادة حماس، أو سلاح حماس، أو رجال حماس، أو خطط حماس بعد عشرين يوماً من تمشيط شوارع غزة بالطائرات.
ثالثاً: الانتقام الإسرائيلي من كل سكان غزة، وقصف المدنيين، وقتل النساء، والأطفال دليل على تخبط الجيش الإسرائيلي في الميدان، والعجز عن إحراز نصر عسكري على الأرض.
رابعاً: عجز الجيش الإسرائيلي عن استعراض إنجازاته التي تعود عليها سواء عرض المعدات، أو الأسلحة التي استولى عليها، أو عرض أسير واحد من حركة حماس، وهو الذي تعود أن يجرف الأسرى بالمئات، وأن يظهرهم بالسراويل الداخلية [الكلاسين].
خامساً: تواصل انطلاق صواريخ التحدي، ليتواصل معها تشوش التعليم، والعمل، والحياة في المدن الإسرائيلية حتى عشرين يوماً من الحرب، مع التسليم الإسرائيلي بالعجز عن وقفها.
سادساً: التسليم الإسرائيلي باستحالة احتلال غزة، وتصفية حركات المقاومة، مع انتهاء مفعول التهديد باستخدام فائض القوة، وانفضاح خطط التهويل، والتخويف بالاجتياح الشامل، بل وظهور رغبة جدية إسرائيلية في الاتفاق على تهدئة.
سابعاًً: تسليم أعداء حماس بوجودها نداً عسكرياً فلسطينياً لأول مرة، وهنا يمكنني الجزم بأن قوة المقاومة الفلسطينية، وحسن تكتيك المواجهة قد كسرت الصلف الإسرائيلي، وجعلت من الدولة التي لا تقهر تحترم إرادة المقابل.
ثامناً: إقرار عام بفشل سياسة الحصار، والعزل التي أطبقت على حماس من كل الجهات، لتظل غزة محتفظة بتألقها السياسي، عنواناً للقضية الفلسطينية رغم العزلة.
تاسعاً: زيادة الالتفاف الشعبي حول المقاومة، وتعزيز الثقة لدى الفلسطينيين بصحة موقف حماس السياسي، وإدراك الجميع لأبعاد مؤامرة الحصار، وما تبعه من حرب.
عاشراً: فشل مشروع التسوية السياسية، وانتهاء مهزلة التفاوض العبثي، وهذا أشرف نصر يحققه صمود غزة للثوابت الفلسطينية التي تآكلت مع طول سني التفاوض.
الحادي عشر: العودة بالقضية الفلسطينية إلى الحضن العربي والإسلامي بعد سنين من الشتات، والضياع، والتمرغ في أحضان إسرائيل، والرباعية، والإدارة الأمريكية دون طائل.
الثاني عشر: ارتفاع الأصوات الفلسطينية المطالبة بالتغيير، والداعية إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسسات السلطة الفلسطينية، والتوافق على برنامج سياسي جديد ينسجم مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني، على اعتبار المقاومة ممثلاً شرعياً وحيداً.
الثالث عشر: عودة الثقة إلى المواطن العربي بنفسه، واسترداده لروحه الوطنية التي ماتت مع الإعلان الرسمي عن العجز في مواجهة إسرائيل عسكرياً.
الرابع عشر: تجرؤ الموقف العربي الرسمي على إسرائيل، والتهديد بالتراجع عن مبادرة السلام العربية، تلك المبادرة التي كانت مرفوضة إسرائيلياً منذ سنة 2002، وحتى الأمس القريب، صارت اليوم مجال تهديد عربي رغم عدم إقرار بعض العرب بذلك.
الخامس عشر: حالة الحراك العربي، والإسلامي، والإنساني المتعاطف مع غزة، والتي تعكس كرهاً، وحقداً، وتوعداً للدولة العبرية التي احتقرت، وأهانت المشاعر الإنسانية، واستخفت بوجدان العرب إلى حد الإذلال المحرك، والدافع للغضب، والتمرد، والثورة.
إن الواقع الجديد الذي أملاه صمود المقاومة ليشير إلى استحالة عودة عقارب الساعة السياسية إلى الوراء، لقد انتهى زمن الانتصارات الإسرائيلية الوهمية الزائفة، زمن التفرد في إملاء إرادة الجلاد على الضحية، لتبدأ ساعة الزمن العربي توقيتها الجديد من غزة هاشم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق