الأربعاء، 14 يناير 2009
لست عربيا "معتدلا"/ علاء محاجنه
لعل من اخطر مخلفات الرئيس الأمريكي جورج بوش من حيث مدى تأثيراتها وإسقاطاتها على منطقه الشرق الأوسط عامه, وعلى القضية الفلسطينية، خاصة هي إتباع وتنفيذ سياسة المحاور. اعتمدت مثل هذه السياسة وبشكل علني بعد أحداث 11 أيلول على يد الإدارة الأمريكية الحالية ومن يقف ورائها ممن يسمون بالمحافظين الجدد. باشرت سياسة المحاور بشكل منهجي بتقسيم العالم إلى محاور بشكل فظ. ولا يخفى على احد أن إتباع مثل هذه السياسة ما هو إلا وسيله من اجل تمكين و تنفيذ مخططات تحقق أهداف ومصالح من يقف وراء هذه السياسة. في بادئ الأمر, و بعد أحداث 11 أيلول مباشره, اقتصرت سياسة المحاور, بشكل علني على اقل تقدير, على تقسيم العالم إلى قسمين: من هو مع ومن هو ضد "الحرب على الإرهاب". واعتبرت حكومة بوش أن كل من هو ليس مع أمريكا في حربها ضد الإرهاب فهو بالضرورة في المعسكر الآخر أي مؤيد للإرهاب. هكذا هي سياسة المحاور لا تقبل الحياد أبدا, فكل من ليس مع أمريكا في هذه الحرب فهو بالضرورة ضدها وجرى التعامل معه وفقا لذلك. ناهيك عن أن مسالة تعريف مصطلح الإرهاب هو موضوع غير قابل للنقاش, ومهمة تعريفه أسندت بشكل حصري لحكومة بوش. فلم يكن هذا التعريف مقتصرا" على دوله معيته, او على مساحه جغرافيه, او على شعب او اي مجموعه واضحه. فكان وما زال مصطلح اجوف فارغ! وبموجب هذا السياسة, شنت أمريكا حربها ضد أفغانستان, فقامت بتدميره واحتلاله. من بعد ذالك واصلت حربها ضد العراق فقامت بتدميره واحتلاله أيضا. وليس الهدف هنا الخوض في شرعيه الحرب على العراق, حيث انه يوجد إجماع حتى داخل أمريكا نفسها بان هذه الحرب كانت خارج التعريف الذي وضعته أمريكا ذاتها لحربها ضد الإرهاب. لكن تجدر الإشارة هنا أن الحرب على العراق تبرز سياسة المحاور الهادفة لتحقيق مخططات أخرى غير تلك المعلنه رسميا". لم يردع الفشل الذريع حكومة بوش في حربها ضد العراق عن المضي قدما" بسياسة المحاور, إنما واصلت العمل بها بل وبحدة أكثر وخصوصا في منطقه الشرق الأوسط. وصارت تهدف إلى تحقيق المصالح الأمريكية-الإسرائيلية في المنطقة. وكما هو في عالم المحاور, كان لا بد من إعادة صياغته لكي يتلائم مع أهدافه في هذه المرحلة. من هنا أنجبت سياسة المحاور الأمريكية محورين جدد وهما محور "الشر" ومحور "الاعتدال". ووفقا لنفس المنطق, فكل من لم يعد على محور الاعتدال وجد نفسه بشكل مباشر في محور الشر. وكما اعتبرت الحكومة الأمريكية نفسها الوحيدة المخولة بتعريف الإرهاب، احتفظت لنفسها بالحق بتعريف الاعتدال أيضا. فكان هذا الاعتدال وفقا" لاداره بوش الموافقه على التصور الامريكي او بالاحرى الاسرائيلي في المنطقه. فضم محور الاعتدال بالإضافة لأمريكا وإسرائيل كل من الدول العربية التي توافق وتؤيد الرؤية الإسرائيلية للتسوية في المنطقة. إذا فهو محور ضم دولا" لا لالتقاء مصالحها فحسب, بل لأنها تحمل نفس التصور والرؤيا وتعمل لتحقيقها كل حسب دوره ووظيفته. يضم هذا المحور دولا" وأنظمة عربيه مثل السعودية, مصر، الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية. ولا يختلف اثنان أن اقل ما يمكن وصف هذه الدول أو الجهات به هو في عدة جوانب. وهذا طبيعي ولا يجب أن يثير الاستغراب أو الدهشة, فالاعتدال المقصود هنا هو اعتدال يعنى فقط بتحقيق سياسة المحور والمتمثلة بقبول التسوية وفق الإملاءات الإسرائيلية. في المقابل, كان من الطبيعي أن نجد في محور الشر كل من يعارض المخطط الإسرائيلي, حيث شمل هذا المحور دول مثل إيران, سوريا بالإضافة لحزب الله وحماس, والتي شكلت حجر عثرة أمام هذا المخطط ومن هنا كان العمل على إزالته. فحرب تموز 2006 التي شنتها إسرائيل ضد لبنان ما هي إلا ناتج طبيعي لسياسة المحاور والتي اعتبرت في حينه "مخاض الولادة" لشرق أوسط جديد يسوده الاعتدال في ظل عصر المحاور. وحسب المنطق ذاته, فان الحرب ألوحشيه ضد غزه وشعبها الأعزل هي ناتج طبيعي لنفس السياسة التي تهدف إلى خلق شرق أوسط جديد معتدل خالي من المقاومة. وكما ذكرنا, فلكل عضو في محور الاعتدال دوره. فإسرائيل هي المسؤولة عن تنفيذ المشروع بدعم سياسي, اقتصادي وعسكري أمريكي منقطع النظير. أما باقي الأعضاء فدورهم الأساسي هو إضفاء الشرعية على الخطوات الإسرائيلية التي تطورت مرات عديدة إلى حروب اقل ما يمكن وصفها بالجبانة (بالإشارة لدور اكبر تلعبه مصر عن طريق إغلاقها لمعبر رفح وما يترتب عليها من مسؤولية وفق القانون الدولي). ووفق هذا الدور المتميز, فالمطلوب من هذه الدول هو الدفاع ن الحلف ومصالحه وإلقاء اللوم على الضحية وتحميلها مسؤولية ما يحدث من قتل وتدمير وعمليات إبادة جماعية. ووفقا لهذا الدور, قامت السعودية بتحميل حزب الله مسؤولية حرب تموز وما نتج عنها من دمار في لبنان وقتل أبنائه وتشريدهم بخوضه "مغامرة غير محسوبة". وهو نفس الدور الذي تلعبه "الدول المعتدلة" عندما تحمل حماس مسؤولية الحرب والمجازر التي ترتكب ضد أبناء شعبنا وذالك بإدعاء أنها خرقت اتفاقيه وقف إطلاق النار مع إسرائيل ورفضها لتجديد اتفاقية وقف اطلاق النار, وكأن غزه كانت تنعم بسلام وامن ورخاء قبل الاجتياح الإسرائيلي لغزه ولم تكن تقبع تحت حصار تجويعي. وبناء عليه, فان هذا الدور لا يقل خطورة عن دور المنفذ الفعلي. فجميع الدول والجهات التي تشرعن الحرب وتلقي باللوم على الضحية تتحمل بنفس القدر من المسؤولية الأخلاقية والإنسانية لجرائم الحرب وللجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب بحق شعبنا في غزه. لذلك, إن كانت هذه صفه المعتدل ووظيفته في عصر المحاور, فالأفضل أن لا أكون معتدلا".
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق