الاثنين، 5 يناير 2009
حماس، أبو الغيط، وأشياء أخرى بقلم : خالد صاغية
رغم كلّ شيء، ما زالت مجازر غزّة تثير اتّهامات ضدّ حركة «حماس»، محمّلة إيّاها المسؤوليّة الضمنيّة أو العلنيّة عمّا جرى ويجري. كان الأمر نفسه قد حدث مع حزب اللّه في عام 2006. لكنّ تجربة «حماس» أكثر مرارة. فقد فازت حركة المقاومة الفلسطينية في الانتخابات التشريعيّة، واختارها الشعب الفلسطيني لتؤلّف حكومته. إلا أنّ وصول حماس الديموقراطي إلى السلطة جابهته بالرفض إسرائيل، و«المجتمع الدولي»، فتعرّضت الحركة للعزل ومحاولات الانقلاب عليها واغتيال عدد من قادتها، قبل أن يُفرض الحصار الكامل على قطاع غزّة. ليست المرّة الأولى التي يُتنكّر فيها لنتائج تفرضها الديموقراطيّة. سبق أن حدث ذلك في الجزائر مثلاًَ. ارتفعت وقتها أصوات شارك فيها مثقّفون علمانيّون بارزون حرّمت وصول الإسلاميّين إلى السلطة، بحجّة أنّهم يستخدمون الديموقراطيّة للوصول، لكنّهم ما إن يصلون حتّى يفتوا بتعطيلها أو إلغائها. ولم ينتبه هؤلاء العلمانيّون الأشاوس إلى أنّهم بهذه الفتوى إنّما يتّبعون السلوك نفسه، إذ يحرّمون الديموقراطيّة حين تخدم تنظيماً خارجاً عن التقليد الليبرالي. فإذا كان الإسلاميّون متّهمين بعدم قبول الآخر، فإنّ لـ«التسامح» الليبرالي حدوده: يمكنك أن تكون حرّاً ما دمتُ أحدّد لك ملعب حريّتك. في مثال «حماس»، كان الخبث مضاعفاً. فقد عاقب الحركةَ المنتصرة ديموقراطيّاً، منافسُها السياسي، والاحتلالُ في الآن نفسه. فقد ظنّ محمود عبّاس لوهلة أنّ بإمكانه جرّ «فتح» إلى حيث يريد، وبإمكان «فتح» أن تجرّ الشعب الفلسطيني كلّه إلى حيث تريد. لم ترضَ الكبرياء الفتحاوية بالهزيمة، فتواطأت «فتح» مع الاحتلال على تصوير الخلاف مع «حماس» كما لو أنّه مشكلة مع أيديولوجيّتها، لا مع برنامجها السياسي. كأنّما «حماس» قد عوقِبت بسبب تنكّرها لبعض قيم الليبراليّة الغربيّة، لا بسبب تبنّيها للمقاومة. وقد جرى تسويق جيّد للمشروع، فتبنّاه وبرّره فكرياً عددٌ من الكتّاب الذين نسوا فجأة تهليلهم للغزو الديموقراطي الآتي على متن الطائرات الأميركيّة، لينقلبوا على الديموقراطيّة بحجّة الدفاع عن القيم الليبراليّة. والواقع أنّ الديموقراطيّة، على عكس الشائع، كثيراً ما يُضحّى بها في سبيل الليبراليّة. لا يقتصر الأمر على دول العالم الثالث، بل ربّما كانت الدول الصناعيّة أكثر من يلجأ إلى تعطيل الديموقراطيّة دفاعاً عن قيم الليبرالية الغربية. لنأخذ مسألة الحجاب مثلاً. فقد فُصلت فجأة عن حيّز الحرية الشخصية، لتدخل حيّز قيم الجمهوريّة في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر. أمّا في تركيا، حيث الرفض الشعبي عارم لكثير من المبالغات «العلمانيّة»، فإنّ الديموقراطيّة تقف عند حدود قيم الليبراليّة. في زمن سابق، جرى الخلط بين الديموقراطية وبين السوق الحرّة وبين الغرب أو قيم الليبرالية الغربية. وإذا كان هذا الجمع بين الديموقراطية والسوق الحرّة مستغرباً في ظلّ وجود الاحتكارات التي لا تخفى على أحد، فإنّ الهيمنة الغربية تمكّنت من إغراء حكومات العالم الثالث أو إجبارها على فتح أسواقها، كمن يفتح بلاده للعصر الحديث والتقدّم وقِيَم التنوير، فإنّ الأزمة المالية العالمية نزعت ورقة التوت عن هذا الربط غير المنطقي بين غياب الرقابة على الأسواق والديموقراطية. فالأسواق الماليّة والحفنة المتحكّمة بها كانت أبعد ما تكون عن الديموقراطية. وفي السياق نفسه، لم يكن الربط بين الغرب ونشر الديموقراطية صحيحاً في يوم من الأيّام. فالأنظمة التوتاليتارية نصّبت معظمها الولايات المتحدة الأميركية. لكن، مرّة أخرى، تمكّن المشروع الإمبريالي وأبواقه من خداعنا. فأمام مشهد انهيار تمثال صدّام حسين، «سخسخ» الليبراليّون الذين بدأوا بالتهليل لرؤية بوش وللديموقراطية الآتية على متن حاملات الطائرات. هكذا يُصَوَّر محمود عباس (وقبله فؤاد عبد الباسط السنيورة) حارساً للقيم الغربيّة في مواجهة الأصوليّة الإسلاميّة أكثر منه مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني الذي يُفترَض أنّه يمثّله. هذا على الأقلّ ما أوحت به تصريحاته الباردة حين كان شعبه يُذبَح. وهذا ما يجعل أولمرت يكرّر بوقاحة أنّ «إسرائيل لا تحارب الشعب الفلسطيني في غزّة، فهم ليسوا أعداءنا، وهم أيضاً ضحايا القمع العنيف والدموي الذي تمارسه المنظّمات الإرهابيّة». لا احتلال إسرائيليّاً إذاً. لا خلاف سياسياً إذاً. إنّه الوحش الإرهابي (اقرأ الإسلامي) الذي ينبغي أن نتوحّد ضدّه! هكذا يكفّ الشهيد نزار ريّان عن كونه مناضلاً ضدّ الاحتلال ليصبح رجلاً ذا لحية طويلة، ومناصراً لتعدّد الزوجات. ويكفّ القصف الإسرائيلي الجوّي عن كونه اعتداءً، ويكفّ قتلاه عن كونهم ضحايا أو شهداء، فيصبحون قرباناً لمعركة التقدّم الذي «يصنع الحقائب من جلد البشر». لكن، طبعاً، أحمد أبو الغيط لديه تحليل آخر. فقد أعلن في مقابلة تلفزيونية أنّ الرئيس حسني مبارك حين سمع أنّ إسرائيل تفكّر في عمليّة عسكريّة ضدّ غزّة، قال: «اندهولي الستّ دي». وفي اليوم التالي، حضرت تسيبي ليفني إلى القاهرة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق