الأربعاء، 7 يناير 2009

المقاومة بخير يا عباس ...فلا تفرح ؟ .... بقلم د. عبد الستار قاسم

جحيم ينهمر على غزة، وسيستمر. ضحايا كثيرة ستسقط، والتضحيات الفلسطينية الجسام مطلوبة، وهي متوفرة بإرادة واعية وعقيدة صلبة. إسرائيل لا تبحث عن مجرد ليّ ذراع، وإنما تريد تدمير حماس تماما، وكل المقاومة الفلسطينية في القطاع. إسرائيل لا تبحث عن وقف إطلاق الصواريخ، وإنما تهدف إلى قلب الأوضاع في غزة لكي تعود غزة إلى بيت الطاعة المتمثل في المشروع الإسرائيلي الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية. لكن ماذا بيد إسرائيل أن تفعل؟ أرى التالي: أولا: من الناحية العسكرية، لدى إسرائيل الخيارات التالية: 1- استعمال الطيران بكثافة، وهذا ما تقوم به الآن. سينجح الطيران بضرب أهداف كثيرة عسكرية ومدنية، وسيوقع الكثير من الضحايا، وهذا ما حصل حتى الآن. لكن الطيران مقيد بأمرين وهما: ا- المعلومات المتوفرة لدى أجهزة المخابرات حول المواقع ذات الأهمية الأمنية والعسكرية؛ ب- أن الطيران لا يحسم المعركة على الأرض. بالنسبة للنقطة الأولى، واضح أن إسرائيل تعاني من نقص في المعلومات من حيث أن الخسائر في صفوف المقاومين الفلسطينيين قليلة مقارنة بالخسائر التي تكبدتها أجهزة الشرطة والمدنيون. وبالنسبة للنقطة الثانية، يتوضح لإسرائيل الآن أن كثافة القصف الجوي لم تفلح في دفع المقاومة الفلسطينية نحو الاستسلام. 2- تتمثل الخطوة العسكرية الثانية في اجتياحات برية هامشية على أطراف المدن. هذه الاجتياحات أيضا لا تحقق هدف تغيير الوضع القائم في غزة، وسبق لها أن فشلت على الرغم من الخسائر الكبيرة التي أوقعتها في الأرواح والممتلكات. من المحتمل أن تستعمل إسرائيل هذا التكتيك من أجل أن تستكشف قدرة المقاومة القتالية والتسليحية. إسرائيل تتخوف من أسلحة فتاكة قد تكون موجودة بيد المقاومة، وهي لا ترغب في تكرار فشل حرب عام 2006 ضد حزب الله. وفي كل الأحوال، اجتياحات من هذا القبيل لا تجدي نفعا إلا إيقاع خسائر كبيرة في الجانب الفلسطيني. 3- أما الخيار الثالث فيتمثل بالاجتياح البري الشامل. لهذا الخيار محاذيره الكثيرة وهي: أ‌- القدرة العسكرية التكتيكية لأي جيش نظامي في قطاع غزة ضعيفة وذلك بسبب الازدحام السكني والسكاني، بينما القدرة التكتيكية للمقاومة عالية. الازدحام السكاني يعرقل حركة الجيش النظامي، بينما يساعد المقاوم على الكر والفر. هذا يعني أن خسائر الجيش الإسرائيلية ستكون مرتفعة، بينما الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين ستكون عالية. الخسائر في صفوف الجيش ستجلب استياء عاما لدى اليهود في فلسطين المحتلة/48، وستجلب الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين سطوة الإعلام العالمي بسبب التقارير الإعلامية التي ستملأ الشاشات حول أشلاء الأطفال ونحيب النساء. إسرائيل لا تريد هذه النتيجة، ولا تريد تلك. ب‌-إسرائيل لا تأمن ماذا بحوزة المقاومة من أسلحة. ماذا لو تبين أن لدى المقاومة أسلحة تفتك بالدبابات؟ وماذا لو تبين أن المقاومة مخندقة جيدا، ولا تستطيع معها إسرائيل أن تخرج من الفخ؟ إذا كانت المقاومة الفلسطينية مخندقة (وهي مخندقة بالفعل) وتملك أسلحة مضادة للدبابات، فإنه من المتوقع أن تكون خسائر إسرائيل كبيرة، ومن المتوقع أن يقع جنود إسرائيليون أسرى. وقوع أسرى سيقلب الطاولة على رأس إسرائيل ورؤوس أنظمة الإعوجاج العربي. ت‌- اجتياح قطاع غزة لا يضمن لإسرائيل هدوء القطاع على الرغم من أنه من الممكن السيطرة على مسألة إطلاق الصواريخ. بقيت إسرائيل في قطاع غزة حوالي 39 عاما، ولم تستطع القضاء على المقاومة، فهل ستستطيع القضاء عليها خلال عدة أشهر من الاحتلال؟ إسرائيل تعي تماما أن المقاومة الفلسطينية ليست مجرد عدد محدود من الأفراد، وهي مقاومة ممتدة في العمق السكاني. ث‌- وفيما إذا حصل الاجتياح وسقطت غزة، لمن ستسلم إسرائيل القطاع، وهل سيستطيع المستلم الجديد السيطرة على الأوضاع؟ ج‌- إسرائيل تحسب أيضا الأضرار التي يمكن أن تنعكس على أنظمة الإعوجاج العربي والتي تسميها هي بأنظمة الاعتدال. تلقت هذه الأنظمة حتى الآن من الشتائم والسباب على طول الوطن العربي وعرضه ما يكفيها لعدة سنوات، فكيف يمكن أن تتطور المظاهرات العربية والاحتجاجات إذا حصل الاجتياح البري وبدأ سقوط المدنيين بكثافة مرعبة؟ إسرائيل حريصة على هذه الأنظمة العربية، وتعي تماما أن بقاء هذه الأنظمة يخدم مصالحها التكتيكية والاستراتيجية. لا شك بأن هذه الأنظمة تتصل بإسرائيل باستمرار وتطلب منها السرعة في إنجاز المهمة مع ضرورة التقليل من الخسائر في صفوف الفلسطينيين، وتؤكد لها ضرورة تجنب وضعها في المزيد من المواقف غير المشرفة. في النهاية أقول إن الخيار العسكري عبارة عن مغامرة، ولا يوجد ما يجعل إسرائيل متأكدة من الانتصار، وتغيير الأوضاع في القطاع وفق هواها. وواضح الآن أن قادة إسرائيل العسكريين والسياسيين منكبون على تقييم الأوضاع الميدانية، وهم متحسبون جدا من كل خطوة يقومون بها. ثانيا: على المستوى الشعبي تظن إسرائيل ومعها أنظمة عربية عدة أن القصف والقتل سيثوّر الشارع في قطاع غزة ضد حركة حماس، وسيتحرك من أجل إسقاطها. هذا كان هدف الحصار المستمر منذ حوالي ثمانية عشر شهرا. ظنت إسرائيل ومن معها من الأنظمة أن حماس ستسقط خلال فترة تمتد إلى ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، لكن الأشهر مرت وحماس بقيت. ربما تطور الظن الآن إلى أن الناس سيتحركون تحت وطأة الخسائر الهائلة. مما لاحظت في الآونة الأخيرة، أستبعد أن يهب الناس في وجه حماس بسبب قاعدتها الشعبية الواسعة والمرتكزة على بعد "عقائدي". صحيح أن هناك أشخاصا مناهضين لحماس، ويكرهونها بشدة، ومنهم من يشعر بالارتياح للقصف الإسرائيلي، لكنني لا أرى أن لديهم قدرة على تحريك الشارع الغزي ضد حماس، ولا أرى أن لديهم قدرة على مواجهة مؤيدي حماس إن خرجوا إلى الشارع محتجين. الشارع العربي يشكل دعما قويا لحماس ولو بطريقة غير مباشرة. الشارع العربي يتظاهر الآن في دعم أهل غزة ومقاومة غزة، وبما أن حماس هي التي تشرف على القطاع، فإنها بصورة أو بأخرى تحقق الفائدة الكبيرة من الاحتجاجات العربية، وتجعل من إشرافها على القطاع أكثر قوة وأكثر قبولا. حركة الشارع العربي تشكل رادعا لإسرائيل لأنها حركة تهدد الأنظمة العربية، أو على الأقل تضعها في موااقف محرجة، وربما تجد إسرائيل نفسها تحت ضغط هذه الأنظمة للتخفيف من حملتها العسكرية أو لوقفها تماما. من الناحية الأخرى، ماذا عن المقاومة؟ أرى التالي: أولا: واضح أن الناس متماسكون في قطاع غزة على الرغم من الخسائر الهائلة التي يتكبدونها. يبدو الشارع الفلسطيني متكاتفا متضامنا، ومستعدا لامتصاص الصدمات والضربات. يبدو أن الناس في غزة قد تخلوا كثيرا عن الـ"أنا" ، وهم بتعاملون على مستوى "نحن" بحيث تمتد أيدي المساعدة بصورة متبادلة. ثانيا: هناك مؤشرات على أن استعداد المقاومة الفلسطينية في غزة جيد، أذكر منها: أ‌- استطاعت قناة الأقصى الفضائية الاستمرار في البث على الرغم من أن مبناها الرئيسي قد دمر. ب‌- الغالبية الساحقة من الشهداء من أفراد الشرطة والمدنيين، بينما الخسائر في صفوف المقاومين المحترفين قليلة جدا. هذا يدل على الاستعداد الكامن لدى المقاومة. ت‌- لا يلاحظ المراقب ظهورا عسكريا استعراضيا في شوارع غزة، وهذا سلوك جديد في تاريخ المقاومة الفلسطينية. ث‌- الكلام الكبير الاعتباطي حول قدرات المقاومة غير موجود، وهذا يشير إلى عمل صامت قد يخفي مفاجآت كبيرة. ماذا عن السلطة الفلسطينية؟ تقديري أن السلطة الفلسطينية هي أكبر الخاسرين في هذه المعركة. إن تغير الواقع في غزة واستلمت السلطة الفلسطينية المسؤولية فإنها ستبقى في دائرة الاتهام الشديد لأنها اعتمدت على الاحتلال في إعادتها إلى غزة. وهي لن تكون أفضل حالا إن بقيت المقاومة صامدة على اعتبار أن أسهم المقاومة ستنال منها بعد استقرار الأحوال؛ فضلا عن أسهم الناس. إلى ماذا ستؤول الأمور؟ أرى التالي: المقاومة الفلسطينية ستصمد، وستظهر شراسة قتالية منقطعة النظير على الرغم من شحّ السلاح وتفوق العدو العسكري. كلما طال صمود المقاومة يتزايد الدعم لها على المستويات الشعبية، وربما على بعض المستويات الرسمية العربية. لاحظنا في اجتياحات سابقة أن المقاومين الفلسطينيين لا يتركون مواقعهم، وهذا أشد ما يخيف إسرائيل. الروح القتالية لدى المقاومة عالية جدا، وسنجد فلسطينيين يفجرون أنفسهم بالدبابات الصهيونية. تدرك المقاومة الفلسطينية أن هذه المعركة على أرض غزة هي معركة تاريخية فاصلة، والقضية الفلسطينية لا تحتمل هزيمة أو تراجعا، وإلا فإن الفلسطينيين سيفقدون دورهم الريادي في تحرير وطنهم. إسرائيل لا تحتمل حربا طويلة بسبب وضع الأنظمة العربية الهش، وهي تدرك أن أنظمة الإعوجاج العربي عبارة عن عبء كبير على كاهلها الآن، وأنها لا تستطيع الاستمرار في القتال الدامي إن طال أمد الصمود. الأنظمة العربية أشد رغبة في إنهاء المعارك من إسرائيل، لكنها ليست هي التي تقاتل على الأرض. صمود المقاومة الفلسطينية هو النصر بحد ذاته، وإذا تحقق فإن أوضاعا فلسطينية ستتغير، كما أن تعامل دول عربية كثيرة مع المقاومة الفلسطينية سيتغير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق