الأربعاء، 7 يناير 2009

ملامح الصفقة المنتظرة وعناصرها ... بقلم عريب الرنتاوي

تتناثر عناصر "الصفقة المنتظرة" للخروج من "محرقة غزة" على عدد من المبادرات والطروحات التي ينقلها الموفدون والمبعوثون ، وكل مبادرة تميل بهذا القدر أو ذاك ، لهذه الجهة أو تلك ، ولم تنضج بعد ملامح "الصفقة المتوازنة" التي يمكن أن توفر مخرجا سياسيا للحرب المجنونة على القطاع المحاصر.إسرائيل تريد حلا ، لا تكون حماس طرفا فيه ، وتُجبر على قبوله وهي جاثية على ركبتيها ، حل يضمن لها تحقيق جملة أهداف أهمها: (1) تجريد حماس وحلفائها من القدرة على إطلاق الصواريخ ، وليس مجرد وقف إطلاقها فحسب.(2) تسخير الوحدات الأمنية والعسكرية المصرية المرابطة على طول الحدود مع قطاع غزة ، وبمشاركة أمريكية كاملة ، ورقابة إسرائيلية حثيثة ، لإغلاق الأنفاق ومنع التهريب وإحكام السيطرة على "ممر فيلادلفي".(3) حمل السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة ولو من بوابة "معبر رفح" ، توطئة لإنهاء حكم حماس وسيطرتها على هذه المنطقة.(4) احتفاظ إسرائيل بيد طليقة في غزة أمنيا وعسكريا ، اقتصاديا وماليا ، وتفادي تقييد حركتها بذريعة إحباط عمل إرهابي أو بحجة تفكيك قنبلة "متكتكة" أو كرد على أي اختراق أمني.أي باختصار ، إسرائيل لا تريد "تفاهمات نيسان فلسطينية" على غرار تفاهمات نيسان مع حزب الله التي أبرمتها برعاية فرنسية 1996 لتنظيم قواعد الاشتباك بين حزب الله وإسرائيل وأخرجت المدنيين من بنوك الأهداف التي يحتفظ بها كل طرف ، وهي - إسرائيل - لا تريد إعادة انتاج الهدنة مع حماس ، ومن باب أولى لا تريد هدنة شاملة ، متزامنة ومتبادلة ، إنها تريد طبعة فلسطينية أكثر تنفيحا للقرار الدولي 1701 ، ولكن من دون قوات أو مراقبين دوليين.في المقابل ، حماس تريد وقفاً غير مشروط للعدوان ، يتبعه رفع الحصار وفتح المعابر ، وهي مستعدة على ما يبدو للقبول بتهدئة طويلة نسبيا ، أو غير منصوص على وقت محدد لها ، كما أنها مستعدة للقبول بترتيب معين لإدارة معبر رفح ، لا يستبعدها ولا يستنثي الرئاسة الفلسطينية كذلك ، هي ترفض أن يكون لإسرائيل إشراف الكتروني على معبر رفح ، بخلاف ما تطالب به أطراف عدة ، بمن فيها مصر.بين هذين الموقفين ، ثمة مروحة واسعة من المواقف والأطروحات: طوني بلير على سبيل المثال ، اكتشف فجأة أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية ، وحدة غزة والضفة ، ولكنها وحدة تفرضها الدبابات الإسرائيلية بالطبع وينعقد لواءها لحكومة سلام فيّاض ، وهو ما حدا بالرئيس الفلسطيني للقول بأن الوحدة الوطنية لن تتحقق بقوة العملية العسكرية بل بالحوار ، وأنه لن يمد سلطته إلى غزة على ظهر دبابة إسرائيلية ، وأنه لن يخرج حماس من أي تسوية ، ونأمل أن يظل على مواقفه هذه ، وأن لا يخضع لضغوط غربان السوء أو يصغي لنعيق كثيرين ممن يحيطون به في المقاطعة. ساركوزي الأقرب في طروحاته إلى إسرائيل ، يعمل على توظيف الحرب لإخراج حماس من معادلة المنطقة. أما رجب طيب أردوغان فيحمل أكثر المواقف الدولية توازنا ، واستحق لذلك غضب إسرائيل وغضبة إعلامها الحربي. فيما العرب منقسمون بين من يريد لغزة أن تغرق في بحر من دماء كوادر حماس وقادتها ، وآخرون يكبل العجز وقلة الحيلة أيديهم وأرجلهم."الصفقة المنتظرة" لم تنضج بعد ، وما يجري في غزة هذه الساعات من قتال مرير وقصف مجنون وصمود باسل ، هو محاولة لإنضاجها بشروط يسعى كل طرف لكي تكون تكون الأقرب لمطالباته و"شروطه الخاصة". لهذا السبب تدير إسرائيل ظهرها لنداءات وقف إطلاق النار ، حتى لأسباب إنسانية ، ولهذا السبب تصر الولايات المتحدة على منح إسرائيل الوقت الذي تريد لتحقيق مكاسب على الأرض ، تماما مثلما فعلت في حرب تموز ,2006الفلسطينيون في غزة ، لن يرفعوا الرايات البيضاء حتى وإن أدماهم العدوان ، وحماس لن تجثو على ركبتيها ، والمقاومة والصمود سيستمران أياما وربما أسابيع ، وهي فترة ستكون كافية بلا شك ، لإنضاج تسوية أكثر توازنا ، قد ترد على شكل قرار يصدر عن مجلس الأمن ، وتشتمل من ضمن ما ستشتمل عليه ، النقاط التالية:أولا: وقف الأعمال العسكرية بكافة أشكالها ، الإسرائيلية والفلسطينية ، بما فيها إطلاق الصواريخ ، وتحديد مهلة زمنية لانسحاب القوات الإسرائيلية إلى المواقع التي كانت فيها قبل العدوان البري.ثانيا: وقف عمليات التهريب بكل أشكالها ، وتحديدا تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة ، وذلك وفق آلية ملزمة لمصر ، تشترك فيها الولايات المتحدة ، وتراقبها إسرائيل بطريقة أو بأخرى.ثالثا: رفع الحصار عن قطاع غزة ، وفتح معبر رفح وفق آلية شبيهة بما تضمنه اتفاق 2005 ، على أن يترك للفلسطينيين لاحقا ، مسألة تنظيم العلاقة بين حماس والسلطة (الرئاسة) في هذا الصدد.رابعا: سيكون تنفيذ هذا القرار ملزما ، وربما بموجب الفصل السابع ، ولن يكون مقيدا بمدد زمنية.خامسا: سينص على ضرورة توفير مساعدات إنسانية عاجلة لقطاع غزة ودعوة المجتمع الدولي إلى الشروع في إعادة إعمار ما خلفته الحرب من أضرار ودمار.سادسا: سيصار إلى التأكيد على عملية السلام ومرجعياتها ومساراتها وضرورة الالتزام بمقتضياتها وتسريع وتائرها إلى غير ما هناك من "أكاذيب" حول الالتزام بخيار الدولتين والدولة القابلة للحياة والسلام كخيار استراتيجي وغير ذلك.هذه النقاط ، ليست منصفة للجانب الفلسطيني أبدا ، ولا تليق بصمود أهل غزة ومقاومة مناضليه ، بيد أنها في ظل الشرط العربي الخانع ، والانحياز الدولي الذي لم يكن يوما بمثل هذا "الوقاحة" ، ربما ينطبق عليها القول: "ليس بالإمكان أبدع مما كان" ، وسوف يسجل التاريخ بعد سنوات أو عقود ، أن النظام العربي الرسمي أضاع فرصتين لتسجيل انتصار واضح على إسرائيل ، حتى وإن كان بالنقاط وليس بالضربة القاضية الفنية كما يقال في "لغة" الملاكمة ، الأولى في تموز 2006 والثانية في "كوانين" ,2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق