قبل أن يتوجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى نيويورك، كانت علامات الإحباط بادية على محياه. هذا هو انطباع من كانوا يحيطون به في مؤسسة الرئاسة الفلسطينية في رام الله.
كان المعنيون بالأجهزة الأمنية الفلسطينية، وخاصة جهاز الاستخبارات، قد أنهكوا العاملين في مكتبه، بفعل التقارير التي كانوا يرفعونها يومياً، وكلها تلتقي عند تقديرات متفائلة حول مواعيد انهيار سلطة حركة حماس.. ولم يتوان بعض القيمين على تلك الأجهزة في ضرب المواعيد، مثل القول إن حماس في أحسن التقديرات، لن تكون قادرة على الصمود أكثر من أربعة أو خمسة أيام.
وعندما عاد »ابو مازن«، نهاية الأسبوع الماضي، الى رام الله، أسر في آذان من كانوا حوله بأنه محبط كثيراً، فالهجوم العسكري الاسرائيلي الذي كان البعض قد قال له بأنه قد يشكل »فرصة تاريخية« للانتهاء من حماس، ارتد سلباً، وها هي بعض تقديرات مؤسسات الاستطلاع الأوروبية والأميركية تعطي اليوم للحركة أرجحية الفوز بأية انتخابات رئاسية أو نيابية.. ولذلك، لم تعد هناك مصلحة في إجراء هذه الانتخابات، بينما ما يزال الدم حامياً في غزة...
قال محمود عباس لمساعديه »كانت التقارير التي وضعتموها على مكتبي تفيد بأن الحملة العسكرية للجيش الاسرائيلي لن تطول إلا لبضعة أيام وبعدها ينتهي كل شيء.. البعض منكم كان قد بدأ بحزم أمتعته للعودة إلى غزة، بينما الحقيقة، أنه اذا تفاقمت الأمور، فسنجد من بدأ يفكر في حزم أمتعته هنا في الضفة الغربية«.
وسرعان ما كال محمود عباس سيلاً من الانتقادات الحادة الى قادة الاستخبارات العامة الفلسطينية، لأنهم بنوا تقديراتهم استنادا الى تقارير استخباراتية إسرائيلية ومصرية وأميركية كانت تلتقي كلها على أن لحظة اقتياد إسماعيل هنية وقادة حماس صارت قريبة، و»سنجد آلاف المقاتلين يرفعون الراية البيضاء وهم يطلبون الاستسلام«.
النقطة الثانية التي تحدث عنها عباس للمرة الأولى، أنه شعر في خلال اجتماعات نيويورك بأن الأميركيين أعطوا تفويضاً زمنياً محدداً، وأن الإسرائيليين بدأوا يراجعون احتمالات التراجع. حتى أن المصريين، انخفضت نبرتهم، علماَ أنهم كانوا الأكثر تفاؤلاً بسقوط حماس. وعندما قرر الرئيس المصري حسني مبارك إغلاق معبر رفح، كان ينطلق من تقديرات للاستخبارات العامة المصرية، بأن هذا الخطوة ستعجل في انهيار المقاومة عندما ينطلق الهجوم العسكري الإسرائيلي.
وقال محمود عباس ان الإسرائيليين اكتشفوا بعد فوات الأوان أن تقديراتهم حول حماس وفرص صمودها كانت خاطئة، لا بل هم يحملون المسؤولية عن بعض التقديرات السلبية لكل من مصر والسلطة الفلسطينية.
ورسم عباس علامات سوداء على المرحلة التالية لقرار مجلس الأمن، قائلاً إنه غير واهم بأن حماس سترفض هذا القرار، وكذلك الأمر بالنسبة الى الإسرائيليين الذين بدأوا يراجعون الكثير من أهدافهم المتفائلة، ومن بينها قلب الوضع في غزة رأساً على عقب، وإذا تمت عملية المراجعة وأفضت الى التراجع، فان ذلك يعني خروج حماس من المعركة وهي أقوى بكثير. وقال إن الحركة تعتبر أنها قد خسرت الكثير الكثير ولا خيار أمامها سوى الصمود، ولو أدى ذلك الى إبادة كل الشعب الفلسطيني في القطاع..
وإذا كان خوف »ابو مازن« من مآل معركة غزة كبيراً، فإن خوفه الأكبر هو على الضفة، ذلك أنه كان يعد نفسه، برؤية حرس الرئاسة يعيدون الإمساك بمعبر رفح، سواء قبل المصالحة الفلسطينية أم بعدها. أما اليوم، فان »حماس« تفاوض الأتراك على الإمساك بالمعبر، وتناقش صيغاً تلتقي كلها عند رفض حصرية جعل المعبر تحت سيطرة سلطة »ابو مازن« وحده من الجانب الفلسطيني.
لا يقتصر خوف »أبو مازن« على الضفة وما يمكن أن تؤول اليه التطورات في الشارع الفلسطيني. فقد تزامنت عودته من نيويورك مع إرسال الأميركيين، يوم الخميس الماضي، منظومة أمنية دقيقة للكشف عن الأسلحة والمتفجرات، بالإضافة إلى أجهزة للرؤية الليلية، مصدرها جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية، وتم نصبها في مقر الرئاسة وحول منزل محمود عباس، فضلاً عن اتخاذ قرار بتعزيز طاقم حماية الرئيس الفلسطيني، فيما طلب من »ابو مازن« الحد من نطاق تحركاته حتى داخل مدينة رام الله حالياً.
ولوحظ أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وخاصة حرس الرئاسة والاستخبارات العامة في رام الله، قد اتخذت إجراءات غير مسبوقة لحماية عباس، وذلك على خلفية تسريب الاستخبارات المركزية الأميركية والاستخبارات الأردنية معلومات حول ازدياد احتمالات تعرضه لمحاولات اغتيال. وتردد أن الإجراءات شملت حتى بعض العاملين في مؤسسة الرئاسة نفسها منذ زمن طويل، حيث تم منعهم من إدخال الهواتف النقالة، فضلاً عن شمولهم بالتفتيش الالكتروني والجسدي الدائم في المقر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق