الأحد، 11 يناير 2009

كيف قرأ صانعو القرار الإسرائيليون خطاب خالد مشعل عبر التلفزيون السوري؟

مصادر إسرائيلية : الخطاب جاء نتيجة وعود من حزب الله وإيران بأنهما لن يسمحا بانهيار " حماس " التي " بدأ عناصرها يفرون من ساحة المعركة "!؟
مصدر سياسي : الحكومة الإسرائيلية قلصت جميع أهداف العملية العسكرية إلى هدف واحد فقط : ترتيبات أمنية في منطقة رفح !
( خاص) : قالت مصادر سياسية إسرائيلية إن خطاب خالد مشعل مساء اليوم ( أمس) عبر التلفزيون السوري شكل " مفاجأة " لصانعي القرار الإسرائيلي ، والمصري أيضا . ففي الوقت الذي كان هؤلاء ينتظرون " خطابا مرنا و ينطوي على غموض بناء " ، جاء الخطاب " متطرفا وحادا وقاطعا وتصعيديا " . وكان مشعل أعلن في خطاب متلفز بثه التلفزيون السوري بشكل حصري ، ونقلته عنه القنوات الأخرى ، أن " حماس " تصر على وقف إطلاق النار من قبل إسرائيل ، وانسحاب قواتها من القطاع ، وفتح المعابر قبل أي تفاوض . كما وترفض رفضا قاطعا وجود أي قوات أجنبية على الحدود بين مصر والقطاع ". وبحسب هذه المصادر فإن الحكومة الإسرائيلية تعتقد :
أولا ـ إن الخطاب نتيجة لوعود تلقاها مشعل من طهران وحزب الله بعدم السماح بانهيار حركة " حماس " و بقية الفصائل في قطاع غزة مهما كلف الأمر ، رغم أن كليهما لن يقدم له أي شيء يذكر .
ثانيا ـ إن الخطاب جاء قبل ساعات من بدء المحادثات بين وفد " حماس " برئاسة عماد العلمي والحكومة المصرية برئاسة مدير المخابرات عمر سليمان من أجل البحث في " المبادرة المصرية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1860 " القاضي بوقف إطلاق النار . وهو ما يعني أن طهران وحزب الله أرادا إفشال هذه المحادثات وإيصالها إلى الجدار المسدود قبل أن تبدأ عمليا .
ثالثا ـ ترى الأوساط الرسمية الإسرائيلية أن قيام الحكومة السورية ببث خطاب خالد مشعل حصريا عبر التلفزيون السوري الرسمي " تبنيا سوريا كاملا لما جاء في الخطاب " . وبحسب هذه المصادر فإنه كان بإمكان خالد مشعل تسجيل الخطاب وتوزيعه على الشبكات الفضائية إذا كان ثمة أي عائق أمني يحول دون إلقائه مباشرة في مؤتمر صحفي كما جرت العادة . لكن دمشق حرصت على إرسال كاميرا التلفزيون السوري إلى حيث إقامة مشعل ، ونقل الخطاب حصريا عبر التلفزيون السوري ، بهدف إيصال رسالة مفادها أن لدمشق " حصة سياسية " في أي ترتيبات سياسية أو أمنية تتعلق بالجبهة الفلسطينية ـ الإسرائيلية ، وأن أي ترتيبات أو اتفاقات تجري دون مشاورتها " لن يكون لها أي أثر على الأرض " . وتضيف هذه الأوساط " إن سوريا تسلم من حيث المبدأ بالدور المصري في أي ترتيبات أو حل ، نتيجة للوضع الذي تفرضه الجغرافيا ، حيث الحدود المشتركة بينها وبين قطاع غزة ، لكنها ستفشل أي حل تكون مصر والسعودية وواشنطن الطباخ الوحيد لمثل تلك الترتيبات أو الحل " .
رابعا ـ من المؤكد أن حماس ، والفصائل الأخرى ، تعرضت لضربات موجعة ، وخسرت كوادر هامة من قياداتها الميدانية كان آخرها مساء اليوم ( أمس) حين استطاعت طائرة أباتشي اغتيال المسؤول عن إطلاق صواريخ " غراد " أمير منسي وإصابة اثنين من مساعديه بجروح. لكن نواتها الأساسية لم تزل متماسكة . وتقدر الأوساط الأمنية الإسرائيلية عدد أفراد هذه النواة ، وهي عالية التدريب ، وجرى تدريبها على أيدي حزب الله وفي لبنان وفي إيران ، بحوالي ثلاثة آلاف مقاتل ، فضلا عن حوالي 18 ـ 20 ألف مسلح آخر في الميليشيا . هذا على الرغم من حملة " الحرب النفسية " التي بدأت تشنها قيادة الجيش ، حيث توزيع تقارير إخبارية على وسائل الإعلام المحلية والخارجية تفيد بأن مقاتلي حماس " بدأوا الفرار من ساحة المعركة ، وأن أكثر من خمسمئة منهم قتلوا ". وفي هذا السياق كشف أحد محرري " ها آرتس " لـ " الحقيقة " عن أن
" ها آرتس " تلقت من قيادة الجيش تقريرا يفيد بأن قتلى حماس حوالي 300 ، لكن "ها أرتس " فوجئت بأن نسخة من التقرير تم إرسالها سرا إلى قناة " العربية " تقول إن قتلى حماس أكثر من 550 . وقد بثته " العربية " مساء أمس حوالي 18 مرة خلال أربع ساعات ، في حدود ما أمكنني متابعته . والملاحظ أن " العربية " انفردت من بين جميع وسائل الإعلام ببث هذا الخبر ! ويفيد هذا المعطى بأن " العربية " تشارك على نحو فعال قيادة الجيش الإسرائيلي في بث الإشاعات المحبطة للفلسطينيين . كما ويفيد بأن بيانات قيادة الجيش تفتقر لأي مصداقية ، فهي لا تتورع عن إرسال تقرير إلى " ها آرتس " يتضمن معلومات معينة ، وترسل نسخة أخرى منه إلى قناة " العربية " بعد تغيير معطياته الأساسية !؟
في سياق متصل ، كشفت مصادر سياسية إسرائيلية عن أن الحكومة الإسرائيلية قلصت ، دون الإعلان عن ذلك رسميا ، أهداف حملتها على قطاع غزة من بضعة أهداف إلى واحد فقط . فبعد أن كانت أهدافها تتراواح ما بين القضاء على حماس وسلطتها في غزة ، و منعها من إطلاق الصواريخ ، أصبح الهدف الرئيسي هو إقامة ما يشبه " منطقة عازلة " في بلدة رفح بعمق يزيد عن خمسمئة متر ، بحيث يصبح من شبه المستحيل حفر أنفاق بين جناحي المدينة ، المصري والفلسطيني . ( البلدة تقع على طرفي الحدود ، ويخترقها الجدار الحدودي في وسطها تقريبا ) . ولهذا فإن الاتصالات بين تل أبيب ومصر باتت تتمحور حصرا حول إقناع " حماس " بقبول تواجد قوات دولية على الحدود بين قطاع غزة والأراضي المصرية من أجل منع تهريب السلاح. وبحسب ما نشرته
ها آرتس صباح اليوم فإن مصر تلعب دورا أساسيا في ذلك من خلال الضغط النفسي والعصبي على حماس عبر تهديدها بأن إسرائيل ستواصل هجومها بعنف على محور فيلاديفيا ( الخط الحدودي بين القطاع ومصر) لتحقيق ذلك .
في هذا السياق بدا من الواضح أن إسرائيل كثفت ، على نحو غير مسبوق في عنفه ، هجماتها الجوية على المساكن الفلسطينية الواقعة على الحدود طيلة عصر ومساء أمس ، من أجل خلق منطقة مدمرة وخالية من السكان ،وبالتالي تكريس " المنطقة العازلة " بقوة الأمر الواقع . ويقوم الجانب المصري ، لاسيما أجهزة المخابرات ، فضلا عن مجموعات من عناصر محمد دحلان ( الذين فروا إلى الجانب المصري من بلدة رفح عقب "انقلاب" حماس العام الماضي) ، ببذل جهود كبيرة في مساعدة الطيران الإسرائيلي والقوات البرية الإسرائيلية من خلال مدها بالمعلومات والإحداثيات الخاصة بالأنفاق . وقال مراقبون إسرائيليون اليوم ( أمس ) إن مصر تلعب دورا غير مسبوق في تاريخ العلاقات العربية ـ الإسرائيلية من حيث تعاونها الأمني مع إسرائيل ، والذي تفوّق حتى على الدور الذي كان يقوم به " جيش لبنان الجنوبي " برئاسة الجنرال أنطوان لحد قبل الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق