الجمعة، 9 يناير 2009

إلى حركة حماس في عز الحرب.. بقلم: د. فايز أبو شمالة

لو استطاعت إسرائيل لفعلت، ولو قدرت قواتها العسكرية على حسم المعركة في ضربة واحدة لما توانت، ولو كان في وسعها لما عملت حساباً للرأي العام، ولا خجلت من أصدقائها العرب، ولا خافت من ردة فعل الجماهير، ولا رق لقادتها قلب، ولا رحمت، ولا ذرفت دمعة على دمار كل غزة، ولو تمكنت من أي رأس أو ذراع لحماس لقطعته دون ترددٍ، ولو وقف كل العالم على ساق واحدة كي يردع إسرائيل عن عدوان لما استطاع، إن الذي كسر جناح الدولة العبرية، وهز ثقتها، هو صلابة المقاومة، وحسن أدائها، وثقتها بالنصر، والقدرة الخارقة على صمود أهل غزة، وتحمل القصف والعصف العدواني الظالم المجرم.

لقد فاجأت القدرة الخارقة لرجال المقاومة قادة العدو الإسرائيلي، ولم يدر في حسابهم وجود كل هذه الطاقة القتالية، والقدرة على المواجهة التي ألزمت الجيش الإسرائيلي بالتذرع بالخطة رقم واحد، ثم بالخطة رقم 2، والخطة رقم 3، وهكذا، ضمن حرب نفسيه لتعزيز جبهته الداخلية، ولن تهز قدرتنا، وثقتنا بالنصر، ولاسيما أن صواريخ غزة المحاصرة ما زالت تضرب المدن الإسرائيلية في اليوم الخامس عشر، وتفرض على مليون يهودي العيش في الملاجئ، ومن خلال متابعتي للإعلام الإسرائيلي الذي يبث باللغة العبرية لما ألحقته المقاومة من وجع مادي، ومعنوي لا يقل عن الوجع الذي لحق بنا، وعلى سبيل المثال فإن هنالك من اليهود من يقيم في الملجأ منذ عشرة أيام، ومنذ أسبوع، ومنذ ثلاثة أيام لم يخرجوا أبداً، ويشكون حتى الأمس قلة الأغطية، والفراش، ويشكو بعضهم قلة الطعام، لقد توقفت الحياة في إسرائيل، وتعطلت الدراسة لدى مائتي ألف طالب يهودي في الجنوب، وصار حالهم كحال طلاب غزة، وتعطل العمل في مئات المصانع بحيث لا يسمح بالعمل إلا لذوي الأعمال الحساسة، والهامة، ومن يعملون تحت عدة طوابق، إنها أول حرب فلسطينية إسرائيلية يتألمون فيها كما تعودنا نحن أن نتألم، وهذا في حد ذاته نصر للمقاومة وهزيمة لمقولة: لا حول لنا ولا طاقة بإسرائيل، تلك المقولة التي صارت حديثاً نبوياً في مدرسة الهزيمة، إن الصمود البطل في وجه أعنف جيش في الشرق لهو أكبر نصر يتحقق حتى الآن، وليس المطلوب أن تزحف المقاومة إلى المجدل، وأسدود، وبيت دراس وتحررها، كي يقول بعض المشككين: أنها انتصرت، المطلوب في هذا المرحلة تثبيت ما تحقق صمود، وتعزيز قواعد التعامل العسكرية الجديدة، والمطلوب في هذه الحرب أن يدرك اليهودي أن في فلسطين من يقول: لا، ومن يقدر على التحدي، ومن يرفض الذلة والمهانة، إن نتائج الحروب لا تقاس بعدد الضحايا، ولا بحجم الدمار، وإنما بفرض الإرادة، وإعادة رسم الواقع السياسي وفق هوى المقاومة، وهذا ما لا يريد البعض أن يفهمه، وأن يتلمس المستوى الذي ارتقت إليه القضية الفلسطينية، والانتقال فيها سياسياً من التوسل، والرجاء على طاولة المفاوضات إلى الندية في ميدان المواجهة.

إن معركة غزة تمثل النصر والهزيمة لمجمل القضية الفلسطينية ولاسيما بعد أن صارت غزة محور البقاء والانقراض، والحياة والموت، والحضور السياسي والغياب، وبالتالي صارت غزة تمثل كل فلسطين في هذه المرحلة التي يتحمل فيها المواطن في غزة عبئ القضية، وصار وقود نار حرب اليهود التي تأكل أخضر الشعب، والناشف منه دون أن تنجح في التأثير سلباً على رجال المقاومة الذين يعرفون ما يريدون، ويعلمون ما يعملون، لذلك فإنني أقول لحركة حماس: أن موقف الناس في غزة من المعركة ينقسم إلى ثلاثة:

الأول: الذي هو لكم، ومحسوب عليكم، تأكله النار التي تأكلكم، وترويه قطرة الماء التي تبلل جبين المقاومين، وهؤلاء جاهزون للتضحية بالغالي والنفيس، ولا يهمهم ما قدموا، وما سوف يقدمون من دم وممتلكات، ولن يبخلوا على الوطن.

الثاني: الذي هو ليس لكم، ويقف ضدكم، وترطب جوفه النار التي تحرقكم، وهم قلة في شعبنا، وفي تناقض، وتناقص مستمر، ومن تبقى منهم أناس ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، وتعودوا الحياة السياسية على فضلات الدولة العبرية، وهم غير مقتنعين بقدرة المقاومة، متشككين بطاقة الشعب، ولو قدمت لهم المقاومة رأس إسرائيل على طبق لما صدقوا، ولو طاردت المقاومة فلول الجيش العبري لقالوا: خطة إسرائيلية للانقضاض. هؤلاء لا تلقوا لهم بالاً، ولا تقلقوا لهم.

الثالث: من هم ليسوا لكم، وليسوا محسوبين على غيركم، ولكنهم مع المقاومة، ومع الوطن العزيز المحرر، وهؤلاء الجزء الأكبر من شعبنا في غزة، يتحملون مسئولية العطاء، والتضحية، والفداء، وتحرقهم نار الحقد اليهودي، ومذاق النصر عذب على شفاههم، هؤلاء من يجب الانتباه لهم، والاستماع لصوتهم. وهم ينتظرون ثمرة لصبرهم وعطائهم، لقد تحملوا، وتعذبوا، وهم جاهزون لمزيد من الصبر، والتحمل، والعطاء، ولا ينتظرون مكافأة إلا منديل النصر يمسح عن جبينهم حبات العرق، ومن عيونهم الدمعة، ويرمم جراحهم النازفة، وليس أقل من النصر المبين، وتحقيق الحضور السياسي للقضية الفلسطينية بمستوى التضحية، فمن أعطى ألفاً من الشهداء لقادر على أن يعطي أكثر من ألفين، ومن تحمل كل هذا الدمار لقادر على تحمل أضعافه مرتين، ومن قاتل أسبوعين لقادر على القتال أسبوعين آخرين تلو أسبوعين شريطة ألا تذهب دماؤنا هدراً، وعطاؤنا أدراج تهدئة نعود بعدها إلى حصار المعابر، وحصار طاولة المفاوضات، إن كل يوم قتال إضافي لهو في صالح قضيتنا السياسية ولاسيما بعد أن فرضت المقاومة المسلحة نفسها ممثلاً شرعياً وحيداً لكل الشعب الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق