الاثنين، 2 فبراير 2009

هل يطيح الجيش التركي بأردوغان ؟! بقلم : احمد الغريب

في أعقاب تواتر الحديث داخل الأوساط البحثية الصهيونية والغربية عن تأثر العلاقات التركية – الصهيونية بالسلب كنتيجة مباشرة للحرب التي خاضتها "إسرائيل" ضد غزة وذهاب العديد من الخبراء للحديث عن أن التوجه التركي نحو انتقاد الكيان بشكل علني بشكل لم يسبق له مثيل، ليس سوى محاولة من قبل قادة حزب العدالة والتنمية التركي لترسيخ أقدامه في الداخل وتثبيتها استعدادًا للانتخابات القادمة؛ أملاً في الاحتفاظ بالحكومة، ذهب آخرون يتحدثون عن أن هناك تحولاً حقيقيًا في الموقف التركي، وأن أردوغان ورفاقه باتوا يفضلون التوجه نحو طهران وروسيا على البقاء كأصدقاء وحلفاء لواشنطن وتل أبيب، الأمر الذي شجع هؤلاء للحديث عن أهمية خطوة جريئة يقوم بها الجيش التركي حامي حمى العلمانية لإبعاد شبح أسلمة تركيا من جديد.
وفي هذا السياق أعد ميكي سيجال خبير شئون الشرق الأوسط والباحث في الشئون الإيرانية بمركز أوميديا الصهيوني للدراسات السياسية والإستراتيجية ورقة بحثية تحدث فيها عما أسماه بتراجع سطوة ونفوذ الجيش التركي مقابل تنامي مد الإسلاميين في هذا البلد، الذي ظل على مدار الفترة الماضية يتغنى بالعلمانية الحديثة.
وتطرق الباحث في سياق تقريره للحديث عن التحول الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية، مشيرًا إلى أن الباحث التركي المعروف سونار كجبتي والذي يشغل منصب رئيس شعبة الأبحاث التركية في معهد واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، أعد بدوره دراسة حول سياسات تركيا الخارجية في فترة عهد حزب العدالة والتنمية الإسلاميAKP توصل فيها إلى نتيجة مفادها أن هذا الحزب نجح في عزل تركيا عن شركائها التقليديين.
وأشار إلى أنه وعلى مدار سنوات عدة كانت السياسة الخارجية التركية تتحرك اعتمادًا على المبادئ والقيم الغربية وعلى رأسها الديمقراطية، وكذلك اعتمادًا على كونها عضوًا في حلف شمال الأطلنطي الناتو، فضلاً عن الإحساس المترسخ لديها بأن لديها شراكة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لكن ومنذ صعود الأحزاب الإسلامية للسلطة في عام 2002، تأثرت السياسة الخارجية التركية بمبادئ أخرى على رأسها الدين والمال.


وتحدث الكاتب التركي الذي يشغل في الوقت الراهن منصب رئيس برنامج الدراسات التركية المتقدمة بوزارة الخارجية الأمريكية، عن أن العام الأخير شهد قيام تركيا باستقبال عدة قادة من المعروف عنهم عداؤهم الشديد للغرب وعلى رأسهم الرئيس السوداني عمر البشير، ووصفه الكاتب بأنه "جزار دارفور"، وتابع حديثه بالقول"كذلك فإن إيران هي الأخرى طورت من علاقاتها مع تركيا وأكدت أكثر من مرة على الحاجة لدعم التعاون مع الجانب التركي من خلال وحدة وشراكة المصير، وكذلك اعتمادًا على الشراكة الدينية بين أنقرة وطهران.
وأشار إلى أنه وعلى الرغم من أن تركيا الرسمية تعارض البرنامج النووي الإيراني، إلا أنها لم تتوانَ عن استقبال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، بل إنه وحينما توجه إلى زيارة تركيا تم إغلاق الطرق الرئيسة في البلاد من أجله، ومكنته من زيارة المسجد الأزرق أحد أهم المساجد التركية وقام من داخله بشن هجوم حاد على "إسرائيل" والولايات المتحدة، وغادر نجاد إسطنبول وهو يبتسم بعد أن قام بالتوقيع على اتفاق للتعاون الأمني ومسودة اتفاق لزيادة الاستثمارات التركية خاصة في مجال حقول الغاز في إيران، واعتبر الكاتب أن ما أقدمت عليه تركيا يعد بمثابة خرق واضح للعقوبات المفروضة على إيران.
ثم أشار الكاتب التركي سونار كجبتي إلى أن الجانب الإيراني وكما هو واضح نجح في اللعب على وتر المخاوف الأمنية التركية، وسط عدم رضا الجانب التركي مما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من مساعدات لأنقرة، بهدف التعامل مع حزب العمال الكردي الذي ينشط من داخل الأراضي العراقية، وكذلك في منطقة جنوب تركيا، ويوضح أن إيران من جانبها قامت مرارًا بقصف المناطق الكردية، كما تقوم بتزويد الاستخبارات التركية بكل ما يتيسر لها من معلومات استخباراتية عن المقاتلين الأكراد، وقال إن الكثير من استطلاعات الرأي التي أجرتها وسائل الإعلام التركية أكدت أن الإعجاب والتأييد لإيران ازداد بين الجماهير التركية.
كما تطرق للحديث عن التعاون بين أنقرة وطهران في مجال الطاقة، مشيرًا إلى أن هذا التعاون أثمر عن المزيد من الاقتراب بين الجانبين، بالإضافة إلى اقتراب روسيا منهما، منوهًا إلى أنه حينما دعت الولايات المتحدة الأمريكية لعزل روسيا في أعقاب قيامها بغزو الأراضي الجورجية ، تم توجيه الدعوة إلى وزير الخارجية الروسي لزيارة أنقرة، مشيرًا إلى أن روسيا اليوم تزود تركيا بنحو الثلثين من احتياجاتها النفطية، وبذلك نجحت في أن تفرض عليها ما ترغب من إملاءات.
ثم تطرق الكاتب التركي للحديث عن رؤيته للعلاقة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان و"إسرائيل"، مشيرًا إلى أن أردوغان جعل من الكيان الصهيوني الملاذ الوحيد للتنفيس عما يجيش في صدره خلال الحرب التي خاضتها مؤخرًا على قطاع غزة، مشيرًا إلى أن العلاقات التركية – الصهيونية تميزت دومًا بأنها لا تتأثر بتدخل الأوساط العقائدية أو الدينية، وظلت تسير نحو الأفضل، حتى صعد حزب العدالة والتنمية الإسلامي للحكم، وهو الأمر الذي أثر كثيرًا على العلاقات مع "إسرائيل"، ثم جاءت حرب غزة لتؤثر كثيرًا عليها لدرجة غير مسبوقة، وقال إن التصريحات التي وردت على لسان أردوغان تدل على مدى ما وصلت إليه العلاقة مع إسرائيل، ومنها أن الله سيعاقب "إسرائيل"، وما تقوم به إسرائيل سيؤدي حتمًا إلى خرابها، وأن الصواريخ التي تطلقها حماس على "إسرائيل" لا يسفر عنها أي ضحايا، مشيرًا إلى أن تلك التصريحات وغيرها حظيت بدعم وتأييد كبير من قبل الجماهير التركية التي راحت تردد: الموت "لإسرائيل" خلال المظاهرات الحاشدة التي جرت لرفض الحرب على غزة، ودعوا فيها لإعادة النظر في العلاقات العسكرية مع "إسرائيل".
ثم تحدث الكاتب سونار كجبتي والذي يشار إلى أنه يعد ضمن الكتاب القلائل الذين تخصصوا في تناول العلاقات التركية – الأمريكية عن الطائفة اليهودية في تركيا في الوقت الراهن، مشيرًا إلى أنها تمر الآن بتهديدات لم تمر بها منذ عام 1492 ميلادية، حينما تعرضوا لاضطهاد ودعوات لمقاطعة بضائعهم وتم نشر تلك الدعوات في سائر أنحاء الأراضي التركية.
واختتم كجبتي حديثه بالقول"إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكذلك الاتحاد الأوروبي يواجهان الآن تحديًا صعبًا في كل ما يتعلق بالتعامل مع الشأن التركي. وقال"إن السياسة الخارجية التركية الآن وفي ظل استمرار سيطرة الحزب الإسلامي التركي تبقى حائرة بين جيرانها الراديكاليين المعادين للغرب وبين دول الغرب.
من جانبه تطرق الخبير ميكي سيجال للحديث عن أن تصريحات أردوغان المعادية "لإسرائيل" وجدت لها آذانًا مصغية في الأوساط الإسلامية التركية، وقال: إن هذا الإصغاء تجسد على أرض الواقع في المظاهرات الحاشدة التي تكررت خلالها عبارة: الموت "لإسرائيل"، وهو الأمر الذي أشاع حالة من الخوف بين أبناء الجالية اليهودية في تركيا وأقلقهم كثيرًا على مستقبل وجودهم هناك، مشيرًا إلى أن تلك المخاوف ترجمت في خطاب للمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وعلى رأسها منظمة مناهضة التميز ومنظمة أبناء العهد وكذلك المنظمة اليهودية الأمريكية (AJC) بعثت به لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وطالبته بوقف تنامي العداء للسامية والمظاهرات التي اندلعت على خلفية الحرب التي خاضتها "إسرائيل" ضد غزة.
مشيرًا إلى أن الخطاب تضمن كذلك التأكيد على أن تركيا ظلت تتفاخر على مدار عقود عدة بالتعايش بين أبناء الديانات، لكن ما يحدث الآن يثير مخاوف اليهود والمسيحيين... وتطرق الخطاب للحديث عن تدمير معبد يهودي في مدينة أزمير التركية، وإغلاق عدد آخر بسبب الخوف من أن تواجه المصير ذاته، كما كتبت عبارات مسيئة لليهود على العديد من المتاجر التي يمتلكها تجار يهود، وأعرب تجار يهود عن توجسهم خيفة من المظاهرات الحاشدة ضد "إسرائيل" وتصريحات أردوغان المؤيدة لحماس وهو ما اعتبرته المنظمات اليهودية أمرًا من شأنه أن يزيد من العداء للسامية في تركيا.
وتابع سيجال حديثه بالقول: إن انتقادات سمعت من أوساط أخرى في تركيا حذرت فيها أردوغان من مغبة أن تؤثر تصريحاته على العلاقات بين تركيا واللوبي اليهودي في أمريكا، والذي يعد من أقوى المؤيدين لتركيا داخل أمريكا، محذرين من أن يتوقف هذا الدعم، وقال إنه وفي حقيقة الأمر فإن اللوبي اليهودي في أمريكا يعد بمثابة جسر لتركيا نحو أمريكا وكذلك نحو علاقاتها "بإسرائيل"، لكن وعلى ما يبدو فإن حزب العدالة والتنمية التركي بات لديه أوليات أخرى غير أمريكا و"إسرائيل"، ولهذا الأمر تداعيات بعيدة المدى على "إسرائيل" وعلاقاتها الأمنية المتشعبة مع تركيا، وكذلك على مجال السياحة الصهيونية في تركيا، وقبل هذا أو ذاك على أبناء الطائفة اليهودية هناك.
ونوه الكاتب إلى أن الجيش التركي العلماني اعتاد أن يتدخل في الكثير من الحالات التي بات واضحًا له أن المصالح القومية والعلمانية التركية والتي وضعها أبو العلمانية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، تتعرض للخطر، مشيرًا إلى أنه وعلى ضوء التوجه الخطير لتركيا نحو ما أسماه بالإسلام المتطرف واختيار حكومة أردوغان أن تذهب لأحضان إيران وباقي التنظيمات الإسلامية الراديكالية في منطقة الشرق الأوسط، يبقى سؤال هام يطرح ذاته الآن وبقوة، وهو: لأي مدى سيظل الجيش التركي بعيدًا دون أن يتدخل في تنامي العلاقات بين حكومة أردوغان وتلك الجهات، وهل الجيش في حالة رفضه لهذا التنامي سيقوم بخطوة يصلح فيها ما قام به أردوغان، ويعيد تركيا لعهد العلمانية الحديثة التي أعلنها أتاتورك؟
وأشار ميكي سيجال في نهاية تقريره إلى أن الجيش التركي خشي في الماضي القيام بمثل هذا التدخل على خلفية أن يؤثر ذلك على الخطوات التي خطتها تركيا نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أنه لو بقي الأمر كما هو عليه الآن فإن علمانية أتاتورك تكون بذلك تلفظ أنفساها الأخيرة، وفي المقابل فإن تركيا وبدلاً من العلمانية تكون قد اختارت أن تتوجه نحو الإسلام المتطرف وإيران.
إجمالاً وبعيدًا عن الآراء الصهيونية أو الأمريكية أو التركية العلمانية فإن أردوغان ومن خلفه قيادات حزب العدالة والتنمية لن يذهبوا وراء محاولات البعض للوقيعة بينهم وبين الجيش، ومن المؤكد أن الموقف التركي ليس كما يصوره هؤلاء يفضل السير نحو الراديكالية والابتعاد عن الغرب، خاصة وأنه نجح طيلة فترة حكم الإسلاميين في الموازنة بين الطرفين والاستفادة بقدر الإمكان بعلاقاته مع الجميع، والحديث عن تدخل الجيش لإنقاذ تركيا من المد الإسلامي ما هو إلا محاولة من قبل الكيان للتأثير بقدر الإمكان على أردوغان، وذلك كعقوبة له على ما بدر منه تجاه "إسرائيل" مؤخرًا.
منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق