وعندما سألته أكثر من مرة عن تفسيره لتعطل بعض مشروعاته فى مصر، اكتفى بالقول «أنا تحت أمر بلدى»، وتحدث عن مشروعه القادم وهو صناعة جيل مجدد فى كل المجالات، بما فيها الدين، معلنا أنه لا قداسة إلا للقرآن والسنة، والسلف الصالح نأخذ منهم ما يفيد واقعنا.. كما اعتبر عمرو الصراع الحالى بين الشيعة والسنة تسييسا للدين وهو ما يرفضه بحزم.
وإلى نص الحوار:
ما هى رؤيتك لما حدث فى غزة؟
ما حدث فى غزة فرصة لأن يتفق العالم على تعريف الإرهاب، فمنذ 11 سبتمبر هناك خلاف عالمى على تعريفه، والغرب كل فترة يصف بعض المسلمين هنا أو هناك بالإرهاب، إن لم يكن قتل الأطفال العزل والنساء والشيوخ العزل إرهابا، وإذا لم يكن ما حدث فى غزة إرهابا فما هو الإرهاب إذن؟!
ماذا فعلت فى هذا الاتجاه؟
-أرسلت إلى زعماء ورموز العالم، وقلت لهم لو لم تتفقوا على أن ما حدث إرهاب، فهذا تجاوز وخطأ، فإذا اتفقنا واعترفنا أن ما يحدث إرهاب نستطيع بعد هذا أن نتعامل ونوحد المفاهيم.
لكن التعريف المحدد للإرهاب تتداخل فيه موازين قوى وأطراف سياسية؟
«مش شغلتى السياسة» أنا أتحدث إلى الجمهور، فهذا عملى، فالسياسة يمكن أن نختلف فيها، ولكن قتل العزل خطر كبير.
كيف نصل إلى مفهوم عادل للإرهاب؟
الإسلام متهم عالميا بالإرهاب، لكن أبو بكر الصديق رضى الله عنه، قال من 1400 سنة للجيش بالنص: «لا تقتلوا طفلا، لا تقتلوا شيخا، لا تقتلوا امرأة، لا تهدموا بيتا، لا تحرقوا زرعا، ستجدون رهبانا تفرغوا للعبادة فى الكنائس فاتركوهم وما هم فيه»، أى رسالته تقول قاتلوا من يقاتلكم، وهنا أقول للعالم إن رسالة الإسلام حضارية، ثم ماذا يسمون ما حدث فى غزة؟!
لكن على الجانب الآخر الغرب يتحدث عن قتل المدنيين العزل فى إسرائيل؟
أنا ضد قتل المدنيين أيا كانوا، ويجب أن يتفق العالم على ذلك، ولكن يجب أن نعرف أن ما حدث فى غزة ليس ردا على قتل مدنيين فى إسرائيل، فما حدث قتل دموى بغل وتوحش، لقد زرت المستشفيات هنا فى مصر وشاهدت الضحايا حتى من الأطفال، أليس هذا إرهابا، وفرحت جدا عندما رأيت قنوات غربية مؤثرة تعرض صور ما حدث وتؤكد أنه إرهاب، كنا نظن أن عصر المجازر انتهى، لكن أن تشاهد هذه الأجيال بشاعة ما حدث فتكون النتيجة أننا رجعنا 50 سنة للوراء فيها آلم وغضب وكراهية.
إلى أين تتجه هذه الكراهية؟
إسرائيل هى المسئولة عن هذه الكراهية، وأعتقد أن هذا هدف الحرب، هو تصدير اليأس، وهذا ما سمعته من شباب وأمهات.
هل اليأس سببه إسرائيل وحدها، أم الحكام العرب أيضا؟
الكل شارك.
هناك اتهام للإدارة المصرية بالمشاركة؟
لا أستطيع أن أتهم بلدى، وليس من مصلحة أحد تصدير اليأس، لا نحن ولا الغرب، لأنه سينشر الانحرافات بين الشباب.
معنى هذا أنك تتوقع عمليات انتقامية؟
طبعاً، فماذا تتوقع من شاب يائس، ولو نحن خائفون على أولادنا، هنا لابد أن نزرع جميعا الأمل، الدولة والدعاة والإعلام والفن وغيره.
ولكن اليأس كان موجودا قبل العدوان على غزة؟
طبعاً، فلا يوجد مشروع قومى يستثمر طاقات الشباب، بدلاً من البطالة،والشباب لا يطلب منهم أحد أى شىء، كمن ركب أتوبيس لمدة 16 سنة تعليم، ثم يقولون له أنت «ركبت غلط».
وما العمل؟
أعطوهم فرصة و«شوفوا هيعملوا إيه»، فهم أعظم ثروة للعرب، وليس البترول ولا السياحة ولا أى نشاط آخر.
إذا كانت هذه هى النتائج السلبية، فما هى النتائج الإيجابية للعدوان على غزة؟
قيمة الصمود هى أعظم درس أعطاه أهل غزة للعالم.
وكيف ترى مستقبل الصراع مع إسرائيل؟
دعنى أعود إلى الشباب، وهم يمثلون أكثر من 70 % من العالم العربى، هم الأمل والحماية وكل المستقبل.
هناك من يتهمك بأن ما تقوله مجرد كلام نظرى؟
ومن يقول ذلك «قدم إيه»، وبالنسبة لى أنا أقوم بمشروعات تنموية تتيح الفرصة للشباب للتدريب والمشاركة، مثل تجربتنا فى حملة «حماية» لمكافحة المخدرات، فقام الشباب بلصق 6 ملايين إستيكر و50 ألف نشاط توعية فى المدارس والجامعات، نتج عنه أن 5 آلاف مدمن طلبوا العلاج فى المصحات وعالجناهم، ومع ذلك أنا لا أدعى أننى قضيت على الظاهرة، فأنا لست دولة، ولكنى أعطيت النموذج العملى لمن يريد.
لك علاقات جيدة بالغرب، لماذا لا تستثمرها لتكريس مفهومك عن الإرهاب؟
عقدت لقاءات مع مثقفين ورموز هناك، بالإضافة إلى لقاءاتى الصحفية والإعلامية، وبعد أن اختارتنى مجلة نيوزويك ضمن 50 شخصية مؤثرة فى العالم، مطلوب منى خطاب، سأركز فيه على ضرورة تعريف محدد للإرهاب ومواجهة تصدير اليأس للشباب، ولا حل إلا فى التعايش، وأظن أنه بعد ما حدث فى غزة، من الممكن أن يتقبل العالم مفهوما محددا للإرهاب، وخاصة أنه كانت هناك إدانة للمجازر من كل أنحاء الدنيا.
لكنهم فى ذات الوقت يدافعون عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها؟
لأول مرة تنقل وسائل الإعلام الغربية بوضوح المجازر وهناك فارق فى الظلم الواقع على الفسلطينيين.
لماذا لا تحول علاقاتك بالغرب إلى آليات للحوار الدائم؟
هذا ما تقوم به مجموعة من العلماء فى مشروع «كلمة سواء» الموجه لأهل الكتاب «المسيحيين»، على رأسهم عبد الله بن بايع والدكتور على جمعة، يدعون إلى الانطلاق من ثوابت مشتركة وهى عبادة الله، وهذه رؤية القرآن الكريم.
لكن مثل هذا المشروع مبنى على أرضية دينية والغرب ليس كذلك؟
صحيح، لكن هذا أحد التحركات، وثانيا الحوار مع الصحافة الغربية، التى تسعى لما أقوله، وأحيانا أكتب صفحة كاملة عن النبى محمد كإنسان وأختار ما يناسب الثقافة الغربية، أما إن كنت تتكلم عن مشروع أكبر، فهو غير موجود حتى الآن، وسوف أفكر فيه.
قلت فى الحوار، إنك لا تشتغل فى السياسة، فلماذا تتعرض مشروعاتك التنموية لتعنت؟
«مش تعنت قوى»، لأن حملة «حماية» رعاها رئيس الوزراء دكتور نظيف فى آخر أسبوع، وهذا جيد.
لكن مشروع «إنسان» توقف فى مصر، رغم بدئه فى الأردن واليمن والسودان؟
لا، القصة ليست هكذا، هذا المشروع يقوم على فكرة منح الأسرة حوالى 10 آلاف جنيه لشراء نول خياطة، أو كشك، أو توك توك مثلاً بشرط عدم منع أولادهم من التعليم، ناهيك عن تدريب الشباب المتطوع على إدارة هذه المشروعات، حتى يساعدوا هذه الأسر، سيصل عددها مع نهاية 2009 إلى 7 آلاف، وهذا يمنحنا فرصة الاستفادة من هؤلاء الشباب، وصل عددهم إلى 35 ألفا، وحمايتهم من الانحراف، وهذا يزيد الانتماء ويفيد البلد.
وإلى أين وصل المشروع؟
الأسبوع الماضى افتتحته فى الأردن، تحت رعاية محافظ عمان ومؤسسة الأميرة بسمة، ومؤسسات حكومية وتمويلية هناك، وكان كل شىء سلسا، وهو ما حدث أيضا فى السودان، 50 مشروعا، واليمن 80 مشروعا، وذهبت بنفسى للأسر الفقيرة.
وتوقف فى مصر؟!
لا، لكن جمعية «صناع الحياة» المسئولة عن المشروع، توفق أوضاعها مع وزارة التضامن.
هل بدأ فى مصر؟
أرجوك لا تحرجنى، فأنا أعتز جدا بأنى مصرى، فأنا فى النهاية شخصية عربية، واخترت أفتتح المشروع فى الأردن، ومؤكد أنها ليست أكثر فقرا من مصر وساهم هناك رجال أعمال أردنيون ومصريون.
لكن الشباب فى جمعية صناع الحياة غاضبون لأنك تخليت عنهم؟
لم أتخل عنهم، ولكنى تركت للجمعيات توفق أوضاعها، ولم ألغ المشروع، فهو خيرى، وليس حكرا على عمرو خالد، فأى رجل أعمال يتقدم للمشروع، وليس مطلوبا أن تكون إيدى فى المشروع.
ماذا تفعل عندما يتم وقف مشروع لك؟
أنتقل إلى بلد آخر أعمل فيه المشروع، مثلما حدث فى الأردن، واحتفوا به رسميا وإعلاميا وشعبيا.
لكن مكانك فى مصر؟
كلمة واحدة أقولها للجميع: أنا تحت أمر بلدى.
هل هناك حرب ضدك؟
أنا دائماًَ تحت أمر بلدى، وحريص، وأعقل من أن أرتبط بأى تيار دينى أو سياسى فى مصر، لأننى أخاطب كل الشباب، أظن أن هذا كاف.
ما هى فلسفة برنامج مجددون، الذى أعلنت عنه مؤخرا؟
نحن خير أمة أخرجت للناس، وهذا ليس نيشانا، ولكن عن استحقاق طوال 1400 سنة، فكان هناك مجتهدون سايروا واقعهم، مثل ابن خلدون والفارابى وأبىحنيفة والشافعى، فنحن أمة متجددة وتضيف للعالم، لكن لم نقدم شيئا منذ 200 سنة، إلا فى استثناءات نادرة مثل العالم المسلم دكتور زويل.
لماذا توقف الاجتهاد؟
الدولة العثمانية منعته، ومشروعنا يحاول صنع مجددين فى كل المجالات، علوم وفقه وغيرهما، وهدفنا هو كيف نأخذ من القرآن الثابت، ونتعامل مع المتغير، فالأزمة الاقتصادية العالمية على سبيل المثال، الكل قال إن الحل فى الإسلام ولكن لم يقدم أحد اجتهادا محددا.
إذن لا قداسة فى مشروعك لفقهاء مثل البخارى مثلا؟
الأمر يحتاج لشجاعة، فالتجديد ليس معناه تغيير الثوابت، والرسول (صلى الله عليه وسلم) هو من قال «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة أمر دينها»، أى أنه يدعونا للتجديد، ومعناه فى المعجم «إعادة الشىء إلى حالته الأولى الصحيحة، بما يواكب الواقع».
لكنك لم ترد على تقديس السلف؟
لا قداسة إلا للقرآن والسنة، ونحترم تراثنا، ونأخذ منه ما يفيد الواقع الذى أصبح يتغير كل عشر سنوات وربما أقل.
هذا المشروع ترويج لأفكارك؟
غير صحيح، حتى لو كانت أفكارهم ضدى.
ما هى خطوات المشروع؟
من خلال برنامج فضائى يعرض أفكار 16 شابا، أعمارهم ما بين 22 و30 عاما، تختارهم لجان متخصصة من بين 200 ألف من مختلف الدول العربية، ثم نعطيهم كاميرات ليصوروا بها أفكارهم.
أليس غريبا أن يحتضنك فى بداياتك الشيخ صالح كامل، وهو سعودى وهابى، وأفكارك لا تتسق معه؟
أحمل تقديرا شديدا للشيخ صالح كامل، فهو فى مكانة الوالد، وهو ليس محسوبا على جهة معينة، وأكثر انفتاحا وحرية من غيره، وطلب منى أن أتعاقد حصريا مع قنواته، وكان هذا صعبا، فرفضت رغم محبتى الشديدة له.
من هم مستشاروك؟
هناك مشروعات كثيرة لا تصلح إلا بوجود مستشارين كثيرين فى مختلف المجالات، وقد أنعم الله على بأننى «باسمع الكلام»، فمن يرى نفسه كبيرا، هو فى حقيقة الأمر يصغر.
ما رأيك فى الصراع السنى الشيعى؟
أنا أرفض تسييس الدين، فالسنة والشيعة قابلون للتعايش بتسامح، وهذا من مصلحتهم، ولو هتسألنى فى السياسة، فليس لى فيها كلام، و«يبقى دخلت الدين فى منطقة خطر»، هناك من يسيس الموضوع وأنا رافض التسييس، أنا عشت فى لبنان ورأيت كيف تتم صناعة الفتنة، و«خايف على بلدى منها»، وبكل تأكيد هناك من يريد إشعالها.
إذن أنت ترفض استغلال الدين فى السياسة؟
السياسة تدخل فى كل المجالات حتى الرياضة، فالعالم متشابك أكثر من قدرتنا على الفصل بين السياسة وغيرها، فما يحدث فى غزة يجسد ذلك.
هل يعنى ذلك أن يعمل خطيب مسجد بالسياسة؟
طبعا لا، إذا كان أهّل نفسه للسياسة، فهذا شأنه، أما إذا كان خطيبا فقط، فليس من حقه، وأقول لكم كلمة قالها عبدالله جول قال: «أنا أخاف أقول باسم الإسلام كذا وكذا، فأقع فى أخطاء وتحسب على الإسلام».
برنامجك للتعايش مع الآخر يكتفى فقط بالخارج فى حين أننا نعانى من فتن فى الداخل؟
الحل فى مشروع قومى لاستيعاب طاقات الشباب، «الفاضى يعمل فتنة»، المعسكر الذى تصيبه البطالة يجيد الشغب، ولو أنهينا هذا فسوف تنتهى الفتنة، فما يحدث يجسد بيت الشعر الذى يقول «كالبيد فى الصحراء يقتلها الظما، والماء فوق ظهورها محمول»، عندنا قرى فى الصعيد يقتلها الظمأ والشباب يجلس على المقاهى وهو الماء لها، نحتاج لمشروعات تنموية قومية نستوعب فيها الشباب للقضاء على أى فتنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق