الأحد، 22 فبراير 2009

مكالمة ختامية \ بقلم: ناحوم برنيع \ يديعوت

تبين، بعد كل شيء، وبعد المقابلات المبرامج الخاصة، وبعد الثناء المفرط على المراسلين العسكريين والحروب التي تم خوضها حول الرصيد بين باراك ولفني، بان عملية الجيش الاسرائيلي في غزة لم تكن نجاحا كبيرا جدا وربما لم تكن نجاحا بالمرة. الهدف كان منع تهريب السلاح، والتهريبات ما زالت متواصلة. وفقا للمعلومات التي اعطيت للمجلس الوزاري المصغر في هذا الاسبوع، يتبين ان كل انواع السلاح بما فيها صواريخ غراد تصل في هذه الايام الى غزة بتدفق متزايد عبر الانفاق.
الهدف كان وقف اطلاق الصواريخ، ولكن الامر يتواصل – صحيح ان الكمية صغيرة والاضرار معدومة الان. الهدف كان اجبار حماس على تهدئة محسنة، ولكن المحادثات بين مصر وحماس تنتهي بنفس التهدئة، بل واسوء منها. الهدف كان تسريع المفاوضات حول اعادة جلعاد شليت ولكن حماس لم تتزحزح مليمترا واحدا.
استعدنا الردع، قال الجميع والاصح قلنا جميعا، من سكان سديروت وعسقلان حتى كاتب هذه السطور، ولكننا لم نعبر في قولنا هذا الا عن الاماني. حسن نصر الله شاهد الدمار الذي خلفه الجيش الاسرائيلي من وراءه في لبنان وقرر ان من الافضل له ان يتوقف عن اطلاق النار. خالد مشعل شاهد الدمار من دمشق والقتلى والثكالى ولكنه لم يتاثر كثيرا. ربما هو اقل احساسا وابعد مسافة، وربما هو اكثر اعتمادا على ايران. على اية حال نحن لن نردع حماس.
من المحتمل ان نكون قد ردعنا انفسنا فقط. احد قادة اجهزة الدفاع قال لي في هذا الاسبوع ان عملية محدودة على غرار "الرصاص المصهور" ، قد تكون الحد الاقصى الذي يسمح فيه العالم لنا مع غزة الان. ان لم نفتح المعابر لحماس طوعا، فقد يأتي اليوم الذي يجبروننا فيه على فتح هذه المعابر.
شيء ما تشوش على ما يبدو، في حسابات الربح والنجاعة في العمليات العسكرية الاسرائيلية. حكومة اولمرت سجلت امامها عدة نجاحات هامة في العمليات السرية. خلال المرتين اللتين خرجت فيهما في عملية كبيرة علنية كان الثمن اكبر والنتائج كانت غير هامة بل ومريبة.
في الايام الاخيرة اندلع الخصام بين ايهود اولمرت وايهود باراك من جديد. الذريعة كانت مقالة بن كاسبيت في صحيفة معاريف التي هاجم فيها عاموس جلعاد رئيس القسم السياسي – الامني في وزارة الدفاع، الخط الذي تبناه اولمرت بصدد المفاوضات التي يجريها جلعاد مع مصر.
بالامس الاول في يوم الاربعاء اجرى اولمرت وباراك وجلعاد لقاءا غاضبا. اولمرت سمح لجلعاد بالمشاركة في جلسة المجلس الوزراي التي عقدت بعد لقائهما فورا. ان لم يعتذر، فهناك شك ان كان سيدعوه للجلسات القادمة. في هذه الاثناء انتزع اولمرت المفاوضات مع مصر منه وابقاها بيديه.
اولمرت جاء الى جلسة المجلس الوزراي وهو مسلح بالوثائق. هو اراد ان يبرهن للوزراء ان ما يعد المصريون جلعاد به الان، كانوا قد وعدونا به خلال فترة التهدئة الاولى، وبعد ان وافقت اسرائيل، تم التنكر لكل الوعود. في عملية التصويت فاز اولمرت بالضربة القاضية. باراك جادل قليلا واقترح اضافة بند فرفض طلبه، بعد ذلك صوت مع الجميع مؤيدا اقتراح اولمرت. 12 وزيرا صوتوا معه. ولا احد ضد.
العداء الشخصي بين الاثنين هو مسالة متوقعة ومفهومة بعد كل ما حدث بينهما. عدا عن الخصام الشخصي هناك رؤية مختلفة من قبل الشخصين للقضية التي تحولت الى صدمة وطنية: جلعاد شليت.
اولمرت سار بعيدا باتجاه حماس. هو صادق على جزء كبير من قائمة 450 سجينا الذين تضمنتهم قائمة حماس. الشاباك اعد قائمة لعدة مئات يمكن لحماس ان تختار من بينهم. ولكنه مصر على رايه بعدم اطلاق سراح المخربين الخطيرين جدا ومن المحظور ايضا السماح لهم بالعودة للضفة. ان عادوا الى هناك سيقضون على سلطة ابو مازن ويشرعون في انتفاضة ثالثة.
اولمرت يرى الانباء التي تتهمه بعرقلة صفقة شليت فيطير عقله. وعلى قناعة ان ديوانا واحدا وشخصا واحدا هم الذين يقفون من وراء هذه الانباء. هو على قناعة ان الاتفاق مع حماس وفقا لشروطها سيحول عملية الجيش الاسرائيلي الى هزيمة ويهين اسرائيل ممرغا انفها في التراب. هو ليس متأثرا كثيرا من التوتر الناشىء في العلاقات مع مصر: اسرائيل لم تعد المصريين بالموافقة على التهدئة. ومن غير رايه هم المصريون تحديدا: هم ارادوا خلال العملية ان تعيد اسرائيل احتلال محول فيلادلفيا وان تبقى هناك، وارادوا اعطاء السيطرة على المعابر لابو مازن. وها هم الان يخضعون لضغوط حماس.
هو يشعر ان الكلمات التي يجلبها جلعاد من مصر بلا قيمة كبيرة. في الخامس عشر من كانون الثاني قال باسم مصر ان فتح المعابر سيكون مرهونا باطلاق سراح شليت. المجلس الوزاري سمع وصادق على وقف اطلاق النار. والان يقولون العكس، ورغم ذلك يقترح باراك التجاوب معهم. هو تحول الى خادم طيع والعوبة بايديهم.
في التهدئة السابقة، قال اولمرت للوزراء محذرا عاموس جلعاد ان من المحظور باي شكل من الاشكال مطالبة مصر بوعود مكتوبة. عمر سليمان سيشعر بالاهانة. المجلس الوزراي صدق ذلك وقبل. والان عندما طالبت اسرائيل بضغط من اولمرت بتعهد مكتوب، قال سليمان على الرحب والسعة.
اولمرت يطالب برد قاس على كل قسام يطلق في هذه الايام من غزة. باراك يقول انه لا توجد اهداف. اولمرت يجد صعوبة في تصديق ذلك.
باراك على قناعة ان اطلاق سراح شليت يعتمد على اولمرت، واولمرت وحده. وفقا للتجربة المتراكمة في عمليات الاختطاف السابقة، من الممكن المساومة حول الثمن بعد الاختطاف فورا، ولكن بعد ان يكون الطرف العربي قد بلور قراره، لن يكون بامكان اي شيء ان يزحزحه ولا حتى الاختطاف المضاد.
وزراء المجلس الوزاري يعانون من الكبت كما يعتقد باراك. هم يتحدثون عاليا عاليا حول تدمير حماس، ولكن عندما يسألونهم ان كانوا يأيدون احتلال غزة، يقولون لا. لو ان اسرائيل قد احتلت رفح لما توقفت عمليات التهريب ولا اطلاق النار، ولن يكون مفر من الانجرار لاحتلال غزة كلها. هذا ما يقوله المستوى العسكري الاختصاصي، ولكن الوزراء لا يريدون الاصغاء.
العملية ايضا في صورتها الواسعة لم تكن لتجلب جلعاد شليت. الحرب لا تجلب المخطوفين. حكومة اولمرت تعلمت هذا الدرس من لبنان. كما ان اغلاق المعابر لا يعيد المخطوفين. وما يمكن فعله هو استخدام المعابر بصورة محكمة والسيطرة على ما يمر من خلالها. هذا هو الواقع السائد في الشرق الاوسط.
كيف ستتم اعادة شليت بهذه الطريقة؟ قال الوزير بار اون متسائلا. باراك لن يتاثر كثيرا. الوسيلة التي نمتلكها هي مصر. هم ليسوا مثاليين ولكن ليس لدينا غيرهم. من وجهة نظر باراك، كل الجدل في المجلس الوزاري لم يكن الا كلام محامين. قوتنا تكمن في الغموض والابهام.
طالما لم يكن هناك اتفاق سيواصلون اطلاق النار من غزة. سلاح الجو نفذ خلال العملية 3000 طلعة جوية هجومية. والمزيد من هذه الهجمات لن يغير الوضع. في بعض الاحيان يتوجب شن الهجوم لان الجمهور يطلب ذلك. ولكن هناك حدود لكل شيء.
اولمرت وباراك يريدان جدا اعادة شليت قبل نقل المناصب لمن بعدهم. والشخص الذي يريد ذلك اكثر منهما هو بنيامين نتنياهو.
زمن بيبي
في يوم الاثنين مساءا جرى في تل ابيب مؤتمر فوز كاديما. الفجوة بين الخطابات التي القيت من فوق المنصة وبين الواقع البارد في الخارج كانت لا تطاق. المطربة سي هايمن غنت لهم "الحروب لم تعد تجري في الشتاء" وكأن هذا الشتاء لم يشهد حربا في غزة ، وتسيبي لفني بشرتهم بان الشعب قد انتخب كاديما وكأن هذا هو الامر الذي حدث فعلا.
كانت للفني حملة انتخابية جميلة واسبوعا من النشوة. آن الاوان للهبوط من الهواء الى الارض.
هي اخطأت عندما تركت ليبرمان يتجول بينها وبين نتنياهو والفوز ببعض الشرعية خلال ذلك، في منتصف الطريق بين الحملة العنصرية التي خاضها وبين التحقيقات الجنائية الجارية معه. الان حيث اوصى 65 عضو كنيست بنتنياهو لرئاسة الوزراء، اصبحت اللعبة اكثر بساطة. الرئيس معفي من التوهان والحيرة: هو سيسلم مهمة تشكيل الحكومة لنتنياهو وحكومة التناوب لن تكون. هذا لا يعني ان الخيارات التي تمتلكها لفني قد انتهت.
نتنياهو هو الذي سيشعر بوجع الراس وسيضطر لمغازلة كاديما وعرض النقاط البرنامجية والحقائب الوزارية عليه. لفني ستضطر للقيام بامور لم تفعلها منذ زمن: تخفيض مستوى بروزها، والانتظار بصبر وضبط للنفس. نتنياهو يمتلك شهرا حتى يقع في الورطات. وهي ايضا.


المدينة الجديدة
دخلنا لجنين في الساعة 3:15 فجرا. عند تكرار هذه الجملة تبدو دراماتيكا جدا ولكن من الناحية الفعلية لم تتطلب اكثر من نزول جندي واحد من سيارة الجيب العسكرية لفتح السلسلة المربوطة في طرف الحاجز الفولاذي الاصفر على الطريق – حتى هذه النقطة يسمح لليهود بالسفر ومن بعدها للعرب فقط. امامنا طريق فلسطيني عبد من جديد. المرة الاخيرة التي سافرت فيها على هذا الطريق كانت في صيف 2005 عندما اخلت حكومة شارون مستوطنة شانور في ختام خطة فك الارتباط. اللافتة التي تشير نحو اليمين لشانور ما زالت منتصبة عند المفترق بكل روعتها وكأن الاخلاء لم يحدث ابدا، وكأن الفلسطينيين يرفضون استيعاب مكانتهم الجديدة كاسياد للبيت.
باستثناء رام الله ليس هناك في الضفة الان منطقة اكثر فلسطينية من هذه المنطقة. قبل تسعة اشهر في ايار 2008 دخلت الكتيبة الفلسطينية التي دربت على اليد الامريكية في الاردن الى جنين. مهمتها المعلنة كانت الحفاظ على القانون والنظام في المدينة. ولكن مهمتها التي لم يعلن عنها كانت التصدي للتيار الديني والدعوى، البنية التحتية والاجتماعية والسياسية لحماس.
ارسال تلك الكتيبة كان راس الحربة فيما يسمى "نموذج جنين" – محاولة فلسطينية – امريكية – اسرائيلية، لدفع خريطة الطريق على الارض، من الاسفل للاعلى، من طرف الخارطة نحو الوسط. المشاريع الكبيرة التي جرى الحديث عنها – منطقة صناعية كبيرة ومستشفى عالقة، ولكن التحسن الهادىء اليومي لقي نجاحا كبيرا. من وجهة النظر الامنية الضيقة، يمكن تلخيص التغير بما يلي: في 2007 حدثت في هذه المنطقة 105 اعمال اطلاق نار وتم اكتشاف 46 عبوة ناسفة، وفي 2008 ، 36 عملية اطلاق نار و 12 عبوة ناسفة. جنين لم تعد "مدينة معامل المتفجرات".
الجيش الاسرائيلي يتحرك في جنين في الليل فقط، متجنبا بحرص الاحتكاك مع القوة الفلسطينية. الفلسطينيون يتحركون في النهار وهذا الامر يفعل فعله في الوقت الحاضر. هذا الامر كان فعالا ايضا خلال عملية "الرصاص المصهور" سجلت في جنين عدة مظاهرات صغيرة، ولكن الخوف الاكبر مثل قيام شرطي فلسطيني باطلاق الرصاص من سلاحه نحو جندي اسرائيلي لم يتحقق. نموذج جنين اجتاز الاختبار بنجاح.
المطر ينزل ويغسل الغبار عن ارصفة وشوارع المدينة وساحاتها. جنين الجديدة هي مدينة الساحات والميادين. في كل ميدان تجد تمثالا مضاءا: تارة يكون ابريق قهوة فلسطيني برونزي اللون على ارتفاع طابقين وتارة اخرى لوحة صوانية مستديرة في داخل هرم ابيض، وفي مرة اخرى وبجوار مخيم اللاجئين الذي دمر في عملية السور الواقي واعيد اعماره على صورة حصان. وعند المدخل الجنوبي للمدينة يمكنك ان تشاهد تمثالا لعصفور عملاق.
الشوارع نظيفة ومضاءة جدا مثل اثرى مدن اسرائيل، ومثل اضاءة الجدار في المستوطنات، الارصفة مدهونة بوضوح بالأزرق والابيض والاحمر والابيض والجدران مزينة بصورة اكثر من المدن الفلسطينية الاخرى. انا لا ادعي هنا ان جنين قد تحولت فجأة الى باريس مدينة الاضواء او ان مياه الشرب في صنابيرها اكثر نقاءا من المياه المعدنية الاسرائيلية ولكن كل ما اقوله هو انه لو كانت تالي فحيما، السائحة الاكثر شهرة في تاريخ جنين لتزور المكان، لما تعرفت على هذه المدينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق