الثلاثاء، 10 فبراير 2009

تحليل سياسي عن دور الوساطة المصرية مع حماس : خارطة طريق مصالح القاهرة في غزة

تدور حالياً معركة دبلوماسية شديدة الأهمية لجهة تأثيراتها الفائقة الحساسية على مسرح الصراع العربي – الإسرائيلي وبكلمات أكثر وضوحاً فإن تأثيرات هذه المعركة الدبلوماسية سيترتب عليها تحديد شكل واتجاه كافة سيناريوهات الصراع العربي – الإسرائيلي الرئيسية والفرعية.

* بين المسرح العسكري والمسرح الدبلوماسي: تكامل السيناريوهات:برغم انفراد المسرح العسكري بخصائص وسمات ومكونات تختلف عن تلك الموجودة في المسرح الدبلوماسي، إلا أن كليهما، كما أكدت التجارب، يختلفان على أساس اعتبارات الوضع الجزئي للصراع ويتفقان على أساس اعتبارات الوضع الكلي للصراع، وبإسقاط ذلك على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتحديداً المواجهة العسكرية بين القوات الإسرائيلية وقوات حركة حماس مؤخراً في مسرح قطاع غزة، يمكن القول أن ما يجري حالياً في المسرح الدبلوماسي ليس سوى المكمل لما سبق أن تم في المواجهة العسكرية.

• البعد الهيكلي – البنائي: القوات الإسرائيلية ومقاتلو حركة حماس كانا يمثلان طرفي المواجهة في المسرح العسكري والآن فإن المفاوضين الإسرائيليين والمفاوضين من حماس يمثلان طرفي المواجهة في المسرح الدبلوماسي.

• البعد الإدراكي – القيمي: تنظر حركة حماس إلى إسرائيل باعتبارها العدو الرئيسي وترفض الاعتراف بها وبالاتفاقيات التي وعتها مع السلطة الفلسطينية، وعلى الجانب الإسرائيلي ترفض إسرائيل الاعتراف بحماس كما ترفض التعامل معها.

• البعد التفاعلي – السلوكي: تحاول تل أبيب الحصول بالوسائل الدبلوماسية على ما لم تستطع الحصول عليه بالوسائل العسكرية وذلك في مواجهة حماس التي تحاول على العكس، الحصول بالوسائل الدبلوماسية على ما لم تستطع الحصول عليه بالوسائل العسكرية.تأسيساً على النقاط المشار إليها فإن من الواضح أن ما هو جديد في السيناريوهات يتمثل في طبيعة واتجاهات "القوة المضافة" وتحديداً القوة المصرية، التي أصبحت تميل إلى مساندة الطرف الإسرائيلي بما يساعد تل أبيب في تحقيق أهدافها من جهة ومن الجهة الأخرى عرقلة حركة حماس من تحقيق أهدافها.أدى التدخل المصري بهذه الطريقة إلى حدوث تغيير نوعي وكمي في ميزان القوى وطبيعة معطيات توازن القوى وبكلمات أخرى فقد أصبحت معادلة صراع حماس – إسرائيل أكثر تعقيداً لجهة تعدد اللاعبين وعلى وجه الخصوص القاهرة التي أصبحت تمثل طرفاً في المعادلة عن طريق استخدام المعايير المزدوجة فالقاهرة:

• على الصعيد المعلن تقول أنها تسعى إلى حل الصراع وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.

• على الصعيد غير المعلن تسعى إلى إضعاف حركة حماس من جهة وتقوية حركة فتح من الجهة الأخرى، بما يعيد سلطة فتح إلى القطاع، كما تسعى كذلك إلى إرغام حركة فتح على العودة القسرية إلى دائرة السلطة الفلسطينية وفقاً لشروط وإملاءات حركة فتح.برغم أن أطراف المواجهة الدبلوماسية الحالية هما تل أبيب وحركة فتح، فإن الأطراف غير المباشرة مثل القاهرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي تقومل حالياً بلعب دور كبير لجهة استخدام القاهرة كسلاح سري في فرض الشروط الإسرائيلية – الأمريكية على حركة حماس.

* ماذا تقول آخر التسريبات حول "صفقة القاهرة"؟

تشير التحليلات والتسريبات أن المواجهة الدبلوماسية بين تل أبيب وحركة حماس قد اتسع نطاقها وأصبحت تضم بعض المواجهات الفرعية الإضافية وعلى هذه الخلفية نشير إلى أن محاور المواجهة تتمثل حالياً في الملفات الآتية:

• ملفات يدور حولها الاشتباك الدبلوماسي الساخن بين حركة حماس وحركة فتح كملف فتح المعابر ورفع الحصار وإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط وملف الهدنة.

• ملفات يدور حولها الاشتباك الدبلوماسي البارد بين حركة حماس وحركة فتح كملف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركة حماس في السلطة الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة.

وتجدر الإشارة إلى أن القاهرة تقوم حالياً بدور الوسيط المزدوج فير هذه الملفات إضافة إلى أنها تلعب دور القوة المضافة لصالح الجانب الإسرائيلي في اشتباك حماس – تل أبيب الدبلوماسي وأيضاً دور القوة المضافة في اشتباك حماس – فتح الدبلوماسي. إضافة لذلك تقوم القاهرة باستخدام تكتيك الدمج بين هذه الملفات بحيث تتقاطع وتتشابك بما يقيد قدرة حماس بحيث إذا وافقت على بند معين فإنها ستجد نفسها مضطرة بالضرورة للموافقة على بند آخر، وهكذا على سبيل المثال، فإن القاهرة تلعب لعبة دبلوماسية نقل الصدمات على طريقة لعبة الدومينو بحيث أن تحريك أي قطعة يترتب عليه تحريك القطع الأخرى، وبهذا الخصوص نشير إلى الآتي:

• فتح المعابر سيترتب عليه فتح معبر رفح الذي تشترط القاهرة بأن يتم فتحه في حالة عودة سيادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وهذا معناه عودة نفوذ حركة فتح إلى القطاع.

• تشترط حماس ليتم إطلاق سراح جيلعاد شاليط أن يتم ضمن صفقة إطلاق للأسرى الفلسطينيين ولكن إسرائيل ومن ورائها القاهرة وحركة فتح ترفض إطلاق البرغوثي زعيم فتح الذي يمثل البديل لعباس، وأحمد سعدات زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي يتمتع بوزن كبير داخل المجتمع الفلسطيني إضافة إلى تأثيره الكبير على الفصائل الفلسطينية وبالتالي إذا وافقت حماس على إطلاق سراح شاليط دون إطلاق سراح البرغوثي وسعدات ضمن قوائم الأسرى فإن ذلك يعني خلو حركة فتح من أي منافس حقيقي لمحمود عباس وهو ما سيسهل لعباس الاحتفاظ بزعامة فتح. إضافة لذلك فإن غياب أحمد سعدات سيضعف جهود إصلاح المنظمة.

* خارطة طريق مصالح القاهرة؟

تشير التحليلات إلى أن جهود القاهرة إزاء إدارة قطاع غزة تهدف إلى الآتي:

• السيطرة على مشروع إعادة إعمار القطاع واستخدامها ضمن برامج تدفقات رأس المال المباشر وغير المباشر بما يتيح للاقتصاد المصري تحقيق قدر أكبر من الانتعاش وعلى وجه الخصوص دعم قدرة الشركات الخاصة التي تسيطر عليها نخبة الحزب الوطني الحاكم، هذا وتجدر الإشارة إلى أن القاهرة سبق أن استحوذت على أموال عراقية تقدر بمليار دولار ولم تقم حتى الآن بتنفيذ التزاماتها إزاء هذه الأموال.

• تعزيز التحالف على خط رام الله – القاهرة سيتيح للقاهرة بناء مشروعها الدبلوماسي الذي يتيح لها القيام بدور الشريك الرئيس القابض على مفاعيل الملف الفلسطيني.على خلفية ملفات المواجهة الدبلوماسية وتحديداً بين فتح وحماس وبين حماس وإسرائيل، فإن التداعيات المؤجلة تتمثل في الآتي:

• إطلاق سراح جيلعاد شاليط سيعزز احتمالات الإطاحة بسيطرة محمود عباس إضافة إلى تعزيز احتمالات مصالحة فتح وحماس.

• إطلاق أحمد سعدات سيعزز احتمالات الإطاحة بسيطرة محمود عباس على منظمة التحرير الفلسطينية إضافة إلى احتمالات انضمام حركة حماس إلى المنظمة.

• سيطرة القاهرة على إعادة الإعمار سيتيح للقاهرة الحصول على الفوائد المالية وتعزيز قدرتها على ابتزاز حماس والتواطؤ مع فتح لابتزاز سكان القطاع.حتى الآن لم تتضح سوى الخطوط العامة المحددة لملامح الصفقة التي تسعى القاهرة إرغام حماس على قبولها ولكن من الواضح أن الحركة لن تكون صيداً سهلاً للقاهرة وتشير التسريبات والتقارير إلى أن حركة حماس ما زالت تطرح شروطها بقوة على طاولة المفاوضات وهو أمر أكدته ليس التقارير العربية وإنما التقارير الإسرائيلية نفسها!

منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق