الأحد، 8 فبراير 2009

ثنائية الفساد والتخاذل .... بقلم : شاكر الجوهري

أطراف التحالف المعادي للشعب الفلسطيني يواصلون عدوانهم، عبر شتى الوسائل والأساليب، وذلك في إطار توزع الأدوار، وتقاسم المهام.

الدور الإسرائيلي يتمثل في مواصلة العدوان العسكري، وفرض الحصار الإقتصادي والإنساني على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع.

دور محمود عباس، رئيس السلطة المنتهية ولايته، يتمثل في توفير غطاء سياسي للعدوان الإسرائيلي بشقيه العسكري، والحصار الإقتصادي، على القطاع، والعمل على تفكيك ونزع أسلحة أذرع المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربي، بموجب خطة دايتون، تنفيذا لأول مراحل خارطة الطريق.

الدور المصري يتمثل في احكام الحصار الإقتصادي والإنساني المفروض على الشعب الفلسطيني في غزة، عبر مواصلة فرض اغلاق معبر رفح، والحيلولة دون إدخال السيولة النقدية، ومختلف البضائع والسلع، بما فيها الأدوية والعلاجات..بل وكذلك الأطباء والممرضين المتطوعين من بلاد الله الواسعة، الذين اردوا تعويض التقصير المصري.

للتذكير، حرب الحلفاء الثلاثة بدأت على غزة منذ اللحظة الأولى لفوز حركة "بالإنتخابات التشريعية. وتحددت المهة في إسقاط حكومة حركة "حماس" نكاية بالديمقراطية، وإرادة الشعب الذي أراد أن يتخلص من فساد السلطة، فأمعن هذا الفساد في ابتكار أشكال وألوان من الفساد السياسي يضيفه إلى أشكال الفساد الأخرى التي سبق له أن ابتدعها.

الذين انقلبوا على منظمة التحرير الفلسطينية منذ ركبوا صهوتها، وأمعنوا في تخريبها وتفريغها من مضامينها، وشل قدراتها على الفعل والتأثير، هم انفسهم الذين انقلبوا لاحقا على نتائج انتخابات السلطة التشريعية.

ليس في هذا أي قدر من الغرابة، لكن الغرابة، كل الغرابة تكمن في مواقف الذين أنفقوا عمر فصائلهم يعترضون على الإستفراد بالقرار الفلسطيني عبر الهيمنة على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كيف ثارت لديهم النخوة والحمية الآن لينحازوا عمليا إلى جانب هذه القيادة المهيمنة..!

نعني تحديدا هنا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

الجبهة التي قررت رفض الإلتزام بقرار وقف إطلاق النار، وتخطئ في ذات الآن الدعوة لمناقشة تشكيل مرجعية لمن يريد مواصلة المقاومة..!

الأمر يبدو عصيا على الفهم، والإفهام، بعيدا عن تقدير الموازنات والعطايا، التي ظلت تمثل على الدوام مادة لمقايضة المواقف بالمواقع والمنافع..!

بالطبع، الجبهة الشعبية ليست وحدها التي فعلت هذا، لكن خصها بالذكر ناجم عن كونها تظل دائما فرس رهان في الساحة الوطنية، والنقيصة التي قد تقبل من غيرها لا يمكن أن تقبل منها.

على كل، انخرط عباس في اليوم الأول للعدوان لتحميل مسؤوليته لحركة "حماس"، لعل فعلته تثوّر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على سلطة "حماس"، فيعود إلى "السرايا" على صهوة دبابة اسرائيلية مسروجة بنسج من غباء ـ لسوء حظه ـ أنه غير متوفر لدى الشعب الفلسطيني.

إلى ذلك، طلب عباس من مصر عدم فتح معبر رفح، دون وجود حرسه الرئاسي فيه، لعله ينفذ محاولة اغتيال جديدة لاسماعيل هنية..!

ولم تكن قاهرة مبارك في حاجة لمن يوفر لموقفها المطابق أي غطاء، وهي التي تمسكت بتلابيب اتفاقية المعابر التي لم تكن يوما طرفا فيها.

مبارك لم يكتف بـ "شرف" إعلان تسيبي ليفني قرار شن العدوان من داخل قصره الرئاسي، فيما كان وزير خارجيته "أبو الغيط" ممسكا بيدها الكريمة، ولكنه أصر على أن يقوم بواجباته خير قيام:

أولا: حمّل المقاومة الفلسطينية مسؤولية العدوان، تماما كما فعل حليفه عباس.
ثانيا: أصر على عدم فتح معبر رفح، ليخفف عن الشعب المحاصر شيئا من جوع أو مرض..!

ثالثا: رفض أن يدخل إلى غزة طواقم الأطباء والممرضين المتطوعين، إلا في أضيق الحدود، واعتقل بعضهم.

رابعا: عمد قبل وأثناء وبعد العدوان إلى تدمير الأنفاق التي تمثل شريان حياة لأهل القطاع، المقطوعين عن العالم الخارجي بفضل سياسات فخامته.

خامسا: عمل على تفشيل عقد قمة عربية طارئة في الدوحة تناقش العدوان على غزة.

سادسا: قاتل بكل شراسة في قمة الكويت رافضا أن يشاركه أي طرف عربي آخر، أو غير عربي، مهمة فتح نافذة حوار بين حركة "حماس" قائدة المقاومة، وسلطة العدوان الإسرائيلي، أو بين "حماس" والمقاومة من جهة، وسلطة رام الله حليفة اولمرت من الجهة الأخرى.

مبارك لم يكن وسيطا نزيها في الحالتين، بل كان طرفا حليفا يمثل مصالح الحليفين الآخرين (عباس ـ اولمرت)..!

سابعا: منع دخول لجنة التحقيق الدولية المرسلة من المحكمة الجنائية الدولية إلى قطاع غزة، للتحقق من، وتوثيق جرائم جيش الحليف اولمرت..!

"الحرب هي ممارسة السياسة بوسائل عنفية"، كما عرفها أبو الإستراتيجية كلاوتزفيتز.
وعليه، فإن الحرب على غزة هدفت إلى تحقيق ذات الأهداف التي كانت قائمة قبل بدء الحرب على القطاع، ملخصة في إسقاط حكومة "حماس"..!

قبل بدء الحرب العدوانية اعتمد الحلفاء (مبارك ـ عباس ـ اسرائيل ـ اميركا) خطة تقوم على جعل المواطن الفلسطيني يقارن بين مستوى المعيشة الذي يتوفر له في الضفة الغربية، حيث تفكيك الأذرع المقاومة، ونزع اسلحتها، دون محاصرة الشعب اقتصاديا ومعيشيا، وبين مستوى المعيشة الذي يتوفر للشعب في قطاع غزة في ظل الحصار والتجويع.. الشبع مقابل الجوع..!

كان الهدف تثوير أهل غزة على سلطة المقاومة، فلما لم يثوروا، كانت الحرب لتضيف إلى الجوع موتا..!!

ولكنهم لم يثوروا، حين تلمسوا طرفي معادلة من نوع آخر غير التي ارادها حلف الأعداء.. فمقابل معادلة الجوع مقابل الشبع، أبرزت مقاومة العدوان معادلة شديدة الإختلاف: العزة مقابل المذلة، فكانت العودة إلى التجويع من جديد، بعد أن فاقمت الحرب من معاناة الناس..!

ما هي أهداف أطراف هذا التحالف من مواصلة خوض هذه الحرب غير الأخلاقية بأي مقياس..؟

اسرائيل تريد اسقاط "حماس" وتقوية عباس.

هذا ما تم إعلانه بعبرية فصيحة. لكنها ليست القوة الكافية لكي تنسحب اسرائيل من الأراضي المحتلة سنة 1967، وإنما الكافية فقط لمواصلة تفكيك أذرع المقاومة في الضفة اتعاظا من تجربة غزة تحت شعار واعظ من طراز "ألم نقل لكم..؟!".

اميركا تريد القضاء على أي مصدر خطر يتهدد اسرائيل، قاعدتها الإستراتيجية المتقدمة، المفوضة بالحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في الإقليم بدءا بالنفط..

عباس يريد استعادة سلطته في غزة، التي لا يمكن أن يفرط بها، ليس دفاعا عن "مشروعه الوطني"، وإنما دفاعا عن مصالح "الأرطة" الملتفة حول مصالحها، وامتيازاتها التي تتوفر لها عبر بوابات السلطة..!، ولاستحالة تكريس هذه المصالح عبر معاهدة سلام مع اسرائيل دون عودة سلطته إلى غزة.

إنها ثنائية الفساد والتخاذل التي تحكم مسار العملية السياسية لسلطة اوسلو.

ولكن ماذا عن "الرئيس المبارك محمد حسني مبارك"، كما كان يحلو لعرفات أن يسميه..؟!

فلنعدد اسبابه:

أولا: هو لا يستطيع أن ينظر للمقاومة الفلسطينية بعيدا عن أمرين رئيسين:

1. فعل الخيانة القومية الذي ارتكبه نظام أنور السادات، وقد كان مبارك نائبا للرئيس، حين أعلن أن حرب اكتوبر هي آخر الحروب.

أي حرب يخوضها أي طرف عربي مع اسرائيل من شأنها أن تحرج نظام مبارك على صعيدين اولهما تذكير الرأي العام المصري بعدم صحة نظرية نظام السادات..جذر النظام الحالي، بشأن عدم امكانية خوض العرب حربا دون مصر النظام. وثانيهما عدم صحة حكاية عدم قدرة العرب على الإنتصار، وهو المبرر الذي وظف من أجل تسويق التنازل عن السيادة المصرية في شبه جزيرة سيناء.

بالطبع، نظام مبارك لا يريد، ولا يستطيع العودة للحرب من جديد، لأن سوس الفساد ينخره من داخله.

2. أن حركة "حماس" تمثل امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين داخل مصر. وعليه، فإن أي انتصار، أو صمود لحركة "حماس" في مواجهة اسرائيل يعني تحفيز الإخوان المسلمين داخل مصر على التفكير بالقفز إلى السلطة، وهم الذين اثبتوا رغم كل أشكال التزوير في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة قدرتهم على الوصول للسلطة، لو كان النظام يؤمن بتداولها سلميا.

للتذكير، قبل فقط شهرين من فوز حركة "حماس" في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية، أوشكت جماعة الإخوان المسلمين في مصر على الفوز بغالبية مقاعد مجلس الشعب (تشرين ثاني/نوفمبر)، لولا الجهود المباركة لقوى الأمن المركزي التي منعت الناخبين من الإقتراع، والجهود المباركة لوزارة الداخلية التي أصبحت خبيرة في تظهير ارادة الناخبين..!

فما بالك، ليس، فقط بعد فوز "حماس"، وإنما بعد انتصارها أيضا على اسرائيل..؟!!

حين يكون الأمر كذلك، وعلى هذا النحو من الخطورة، يجوز لنظام مبارك تهديم انفاق الحياة التي تمد الشعب الفلسطيني بوسائل البقاء، والتزام الصمت والسكوت عن تواصل حفر الأنفاق الإسرائيلية تحت اساسات المسجد الأقصى، مهددة بانهياره. فأنفاق غزة تخرق السيادة المصرية، أما أنفاق الأقصى فتحرم معاهدة كامب ديفيد التحرش بها..!

ثانيا: اضعاف أطراف محور الممانعة العربية والإقليمية.

وهذا هو الإسم الكودي الجديد لتواصل صراع الأدوار بين دول الإقليم، التي كانت تتصارع على سوريا خلال مرحلة الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم (مصر والعراق والسعودية)، فأصبحت تتصارع مع سوريا على الدور الإقليمي الأول اعتبارا من مطلع السبعينيات..!

للتذكير لم يجد مبارك ما يبرر به للشعب المصري تآمره على العراق سنة 1990 غير القول "الحمار ده عاوز ياخذ دور مصر"..!

نعم..لم يتردد مبارك في وصف الشهيد صدام حسين باللفظ الذي خرج من فمه..!

من أجل الحفاظ على دور مصر، فليهدم العراق أولا ثم يحتل..!

ومن أجل الحفاظ على دور مصر فلتحترق غزة وليستمر احتلالها..!

ولكن ما هو دور مصر..؟

لقد اختزل في عهد السادات، ومن بعده مبارك، في التطوع من (قبيل السخرة) في خدمة المشروع الإمبريالي مقابل 1ر2 مليار دولار سنويا تدفعها اميركا للنظام الحاكم في القاهرة.
دور مصر الرسمية هو ملء الجيوب بالمال السحت..!

ثالثا: الإحتفاظ بالمساعدة الأميركية السنوية المشار إليها. إن التراجع عن انجاز المهمات المحددة اميركيا يوفر ظروفا من شأنها أن توقف هذه المساعدة.

مساعدات تذهب شفطا ونهبا من قبل رجال النظام، دون أن يستفيد الشعب المصري الشقيق منها.

هذا هو دور مصر.. مليارات تدخل جيوب رجال النظام، ضمن التطبيقات العملية لثنائية الفساد والتخاذل، حتى لا نستخدم كلمة أخرى..!

وحين يكون الأمر على هذا المنوال، تصبح رئاسة الدولة في مصر مغنما يستحق أن يورثه الأب للإبن، وأن تزهق من أجله حتى الروح القدس..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق