السبت، 21 فبراير 2009

الوطن القومي اليهودي إنجاز عربي - كتاب كيف ضاعت فلسطين للبروفيسور ايلي بني سيمون

الوطن القومي اليهودي فكرة تبلورت وتناقلتها الاْوساط المسيحية واليهودية على مستوى نظري منذ العهود الأولى للحركة الطهورية البروتستانتية،وهنالك دعوات صدرت لتنفيذ الفكرة عن العالم الشهير إسحق نيوتن ( في كتاب لم يكن معروفاً على نطاق واسع قبل إعادة طبعه في القرن التاسع عشر) وينسب اليه قوله :" إن تحقق نبؤة دانيال سيجبر العالم على القبول بالاْمر الواقع ألا وهو اقامة وطن لليهود في الأراضي المقدسة "مشيراً الى سفر دانيال في الكتاب المقدس.أما العالم الاْخر الذي اهتم بالدعوة الى دولة يهودية رغم أن اهتمامه الاْساسي هو العلم والبحث وليس التنقيب في الكتب المقدسة فهو جوزف بريستلي الذي أصدر كتاباً عام 1799 أعيد طبعه أيضاً في بدايات القرن التاسع عشر، إذ أن طبعته الأولى كانت محدودة العدد وفيه يقول:" الأرض جاهزة وحاضرة لاستقبالكم والعقبة الوحيدة بينكم وبينها هم الأتراك " موجها خطابه الى اليهود حول العالم مضيفا:" على قوتهم أولا أن تتضعضع " (أي الاتراك).و أعيدت طباعة كتاب آخر في العام 1819 كان قد ألفه توماس ويذربي وفيه يقول:" إن قدر إنكلترا أن تكون أداة الله في تحقيق رغباته الواردة في دانيال "وقد حقق الصهاينة المسيحيون نصرهم الأول سياسياً مع دزرائيلي الذي أوصلته انتخابات العام 1868 إلى رئاسة وزراء بريطانيا العظمى متبنياً بالكامل أهداف المسيحية الصهيونية بإقامة إسرائيل كدولة، تلك الفكرة التي تحولت من اعتقاد وتمن ٍ ديني إلى سياسة معلنة لبريطانيا العظمى خصوصاً، العمل الجبار الذي قام به الوعاظ الجدد للكنائس الصهيونية و خطبهم النارية في الساحات و المدن والمزارع بطريقة جديدة كليا، فقد كانوا يذهبون إلى الناس ويخطبون بهم عن الرب القادم الذي يقف على أهبة الاستعداد للعودة، فقط هو ينتظر استكمال بعض الشروط البسيطة كتدمير الاْقصى وبناء الهيكل.وأول نتائج وعظهم ذاك كان التحول في نظرة الرأي العام البريطاني الى اليهود، من موقف الازدراء و البغض، الى العطف و القبول.يقول دزرائيلي:" المسألة اليهودية هي مسألة الشرق الذي عليه أن يتوقع خلال خمسين عاماً من الآن مليوناً على الأقل من اليهود يستوطنون في الأراضي المقدسة ليبنوا أمتهم من جديد تحت الحماية البريطانية " .في العام 1877 نـُشرت رواية ( دانييل ديروندا ) وتتحدث عن البطل إليوت الذي يكافح ليحافظ على هويته اليهودية المستقلة، لتخلص الرواية من خلال استعراض المصاعب التي يواجهها بطل الرواية في حياته بعيداً عن وطنه الام الذي تركه أجداده في العام 70 ميلادية وأن الملايين من أمثال اليوت هذا يعانون ايضاً و الحل الأفضل لهم هو تحقيق النبؤات فيفرح المسيحي بقرب عودة الرب، وأول إشاراتها دولةٌ لليهود، ويأمن اليهود فيها من عودتهم الى عصور الاضطهاد مرة أخرى، وقد أثـّرت هذه الرواية كثيراً في الأوساط البرجوازية القريبة من دوائر القرار الإنكليزية.وقد ترجم هذا الكتاب الى عدة لغات منها الروسية، وقد تأثر بطرحه يهودا برلمن الروسي اليهودي ،و اقتنع بوجوب القيام بعمل ما لصالح شعبه، مدفوعاً بمعايشته للواقع المزري و العنصرية والعدائية التي يرزح تحتها اليهود في روسيا القيصرية.بداية نشاطاته لصالح قضية الشعب اليهودي كانت في تغيير اسمه كنوع من إعلان الهوية المتميزة والتحدي المشهر في وجه المعتدين الروس، الذين درجت حكومتهم على رمي كل مشاكلها الداخلية على الشماعة اليهودية ،وتحميلهم وزر المصاعب و الفقر الذي يعيشه الشعب الروسي، فأطلق يهودا برلمن على نفسه اسم اليعازر بن يهودا وكتب بعد ذلك يقول:" إن أول السيادات هي سيادة اللغة " ونذر نفسه لتحديث اللغة العبرية، ووضع القواعد الحديثة في كتابتها ،و التي تستخدم في وقتنا الراهن .أما تيودور هرتزل، فقد ابتدأ التحضير للمؤتمر الأول للحركة الصهيونية العالمية مستفيداً من دعم مادي هائل قدمته إليه جهتان، الحركة المسيحية الصهيونية والاْثرياء اليهود في بريطانيا و ألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة، إلى درجة إنه عرض سداد ديون السلطنة العثمانية مقابل منح اليهود جزءاً من فلسطين أثناء اجتماعه بالسلطان عبد الحميد في الاْستانة عام (1900 ) محاولات هرتزل مع العثمانيين :سافر هرتزل الى الآستانة في 18 حزيران (يونيو) 1896 في محاولة لإقناع السلطان عبد الحميد الثاني بالهجرة اليهودية وشراء الاراضي مقابل المساعدات والهبات المالية للدولة العثمانية.ولكن السلطان أبلغ وسطاء هرتزل رفضه لهذه المحاولات بقوله وكما أورده هرتزل في مذكراته:" لا أقدر أن أبيع ولو قدماً واحداً من البلاد، لانها ليست لي بل لأمتي ، لقد حصلت أمتي على هذه الامبراطورية بإراقة دمائها، وسوف تحميها بدمائها، قبل أن تسمح لأحد باغتصابها منا، ليحتفظ اليهود بملايينهم، فإذا قسمت الأمبراطورية، فقد يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل، إنما لن تقسم الا على جثثنا، ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان ."وقد حاول هرتزل بعد شهرين معاودة الاتصال بالسلطان وعرض عليه عروضاً مالية مضاعفة ولكن السلطان واجهها بالرفض .بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897 ، وفي 4 شباط / فبراير عام 1898 حاول هرتزل عن طريق وسطاء، الحصول على ما يريد، ولكن جواب السلطان هذه المرة كان في حزيران /يونيو من العام نفسه، بأن أصدر قوانين جديدة ضد الهجرة، وبلغ من تشدد السلطات العثمانية في تنفيذ هذه القوانين أنها منعت نائب القنصل البريطاني في أنطاكية من الدخول إلى فلسطين ما لم يقدم التعهد المطلوب لكونه يهودياً.(ذلك التعهد الذي يقضي بخروجه من البلاد ) .وفي 13 آب /اغسطس 1899 أرسل هرتزل الى السلطان عبد الحميد بمناسبة انعقاد المؤتمر الصهيوني رسالة يطلب فيها السماح لليهود بالهجرة الى فلسطين، ولكن السلطان رفض الرد على الرسالة .وفي 13 آيار / مايو 1900 توجه الى استانبول في زيارة ثالثة للاجتماع بالسلطان العثماني بصفته صحافي،وقد تم له ذلك عن طريق جاسوس ( مستشرق هنغاري ) اسمه فامبري، الذي حذر هرتزل قبل الاجتماع بالسلطان من الانجراف في آراء مضادة لما يفكر فيه السلطان، وقال له :"إياك أن تحدثه عن الصهيونية، القدس مقدسة لهؤلاء الناس مثل مكة " .وفي 18 آيار / مايو 1901 قدم هرتزل للسلطان وكان قد اصطحب معه حاخام تركي ( موسي ليفي ) عرضاً بتصفية الديون العثمانية، وإصلاح الاقتصاد المتدهور، ووقف حملات صحف (تركيا الفتاة) في أوروبا، وذلك مقابل (إيجاد ملجأ) لليهود في الاراضي المقدسة "فلسطين ".فغضب السلطان لما سمع وتوجه بالكلام الى الحاخام ليفي قائلاً : ( إننا نظن بأن قومكم يعيشون بعدالة ورفاه وأمن، وانكم تعاملون نفس المعاملة الحسنة التي يعامل بها كافة تبعتنا دون تفريق أو تمييز، فهل لكم شكاية ؟ او هنالك معاملة غير عادلة ولا نعرفها نحن ؟ )فأجاب الحاخام موسى ليفي :"استغفر الله سيدي بفضل ظل شاهانتكم، نعيش بكمال ورفاه، حاشا لا توجد لنا شكاية ما " .فأجاب السلطان :" إنكم تسفيدون من خيرات بلادنا كمواطنينا الآخرين، بل انتم تنعمون أكثر من سواكم، أفأظنكم نسيتم الاضطرابات والعذاب الذي كنتم ترونه في انحاء الدنيا وانتم في احضان أمتي ". ثم وقف السلطان وأدار نظره الى هرتزلوقال:"إننا لن نفرط بشبر من بلادنا دون ان نبذل أكثر مما بذلناه من دماء في سبيلها"وأضاف السلطان :" اني أحب تطبيق العدالة والمساواة على جميع المواطنين، وأما إقامة دولة يهودية في فلسطين التي فتحناها بدماء أجدادنا المسلمين العظام فلا ".وفي 12 شباط (فبراير) 1902 سافر هرتزل مرة أخرى الى استانبول في زيارة رابعة، ولكن لم يستطع مقابلة السلطان، ما أحبط هرتزل وجعله يفكر في طرح إقامة الدولة الصهيونية في مكانٍ آخر، خاصة أنه لم يكن يتحرك بناء على اقتناع ديني بل لأنه أراد إيجاد حل عملي يريح اليهود من الذل الذي يتعرضون له، ومن القتل والاضطهاد والعنصرية، خصوصاً في شرق اوروبا، حتى إنه بدأ بدراسة إقامة محمية يهودية مستقلة يهرب اليها اليهود المكروهين من الأوروبيين ولو في أوغندا أو الأرجنتين.ولكن إصرار الاْغلبية الداعمة له من المسيحيين الصهاينة واليهود الأثرياء على إقامة الدولة العتيدة في فلسطين جعله يصرف نظره عن الإحتمالات الإخرى بعد ثلاث سنوات من إتخاذ قرار في المؤتمر اليهودي بجعل أوغندا قبلة اليهود المقدسة.ما يعني بأن الأمر لم يكن أكثر من إيجاد حل لمشكلة أوروبية على حساب المظلومين من السكان الأصليين أكان في أوغندا أو في فلسطين.وقد ساعدته الحركات الإنجيلية لجهة فتح أبواب القصورالحاكمة الأوروبية أمامه ومنها أبواب القيصرالالماني ،الذي كانت تربطه علاقة صداقة بويليام هتشلر،وهو من إصطحب هرتزل معه إلى إجتماع حميم مع القيصر في قصره،ذلك الإجتماع الذي أصاب هرتزل بالملل بداية،حيث اضطر للجلوس ساعات مستمعا الى شروحات، و تفاسير هتشلر عن سفر الرؤيا و دانيال و التي كان يحاول بها إقناع العاهل الالماني بفكرة حتمية إعادة خلق مملكة إسرائيل ويهوذا في القدس، وأن للقيصر مصلحة في المساعدة على تنفيذ هذا الأمر، أو على الأقل عدم معارضته.و لشدة دهشة هرتزل إلتفت القيصر اليه مصافحاً وقال:" حسنا سيد هرتزل لقد كسبت حليفا لفكرتك شرط أن أعلنه أنا حين أقرر إعلانه أمام الشعب الاْلماني ".وقد دار هتشلر بهرتزل على الحكومات و الملوك الاْوربيين ليتوفى هرتزل بعد ذلك بوقت قصير، ويخلفه في رئاسة الحركة الصهيونية حاييم وايزمان الأكثر تديناً و القريب مثله من أوساط الصهيونية المسيحية.انطلق وايزمن في قيادة المنظمة العالمية الصهيونية، والأرضية المساعدة له متوفرة ومؤهلة لتحقيق أحلامه.ورغم ذيوع شهرته في الاْوساط العليا البريطانية، كمحاور فذ ٍ ، ومزعج ٍ، لا يمل حتى يحصل على ما يريد من محاوره، إلا إنه لم يكن بحاجة لاستخدام أي من مواهبه تلك في اجتماعه الأول مع الرجل البارز في حزب المحافظين البريطاني أرثر جيمس بلفور عام 1905، إذ أن الأخير كان مستعداً للذهاب أبعد مما يطلبه وايزمن في سبيل دعم قضية إسرائيل، لأنه تربى وعاش وسط اتباع المسيحية الصهيونية البريطانية ، وهو من المؤمنين المتحمسين لها.ورغم العلاقة التي نشأت بين الطرفين، إلا أن المصلحة الأمبراطورية البريطانية هي التي دفعت رئيس الوزراء البريطاني إلى موافقة وزير خارجيته بلفورعلى ذاك التعهد في العام 1917 الذي غير وجه المنطقة العربية وفلسطين وفيه يقول بلفور:"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للأمة اليهودية في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.إن هذا الوعد ومنذ ولادته في تلك الرسالة الموجهة الى السير روتشيلد رئيس الجالية اليهودية شكل أساساً فكرياً للتطهير العرقي ضد الفلسطينيين الذين سماهم بلفور( بالطوائف ) رغم انهم كانوا يشكلون 92% بالمئة من سكان فلسطين في ذلك التاريخ بإعتراف الانتداب البريطاني الذي قدر عدد اليهود ب 8 % فقط ومع ذلك، فقد سمح بلفور لنفسه بوصفهم بالأمة.هذه العقلية العنصرية التي تخفي نظرة إجرامية مستقبلية لما يجب أن تكون عليه الأوضاع الديمغرافية في فلسطين،حققته العصابات الصهيونية بمساعدة البريطانيين فجعلت الأقلية أمة وحولت 98 % من الشعب الى مجموعات بعد تهجير الأغلبية العربية الى الدول المجاورة لتعيش في المخيمات التي ما زالت مأوى الملايين منهم حتى الان.هذا الخداع اللغوي الذي استخدمه المقبور بلفور في عمق المعنى التاريخي لجريمة الأبارتهيد العنصري ضد الفلسطينيين هو المسئول الأول عن الجرائم ضد الإنسانية التي وقعت على إرض فلسطين طوال التسعين عاماً الماضية.موقف الحاخامات اليهود من مخططات الصهيونية :في العام 1885 ورداً على الدفع المسيحي الصهيوني باتجاه تنفيذ مشاريع الدولة اليهودية في فلسطين، تداعت أكبر المنظمات الممثلة لليهود الاْمريكيين the conference of Reform Rabbis الى اجتماع لوقف الانزلاق اليهودي الأوروبي مع التيار الصهيوني وأعلنوا على إثر الاجتماع :" إننا كممثلين عن يهود العالم نعتبر أنفسنا مجرد مجموعة دينية تعتنق الدين الموسوي ولسنا على الإطلاق قومية ، ولا نرغب بإقامة دولة ولا بإقامة شعائر الدولة اليهودية من تقديم التضحيات برعاية نسل هارون "هذا الموقف المنطلق من اعتقاد ديني صرف تجاوزته الحركة الصهيونية، ونسيته المؤسسة الدينية، بفعل التيار الجارف والتتطورات التي حملتها السنوات اللاحقة، حيث لم يعد هناك من أوفياء لهذا الطرح الأصولي والأصيل إلا جماعات صغيرة من رجال الدين اليهودي أشهرها جماعة ناطوري كارتا ( حراس الهيكل ) .

منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق