الأربعاء، 4 فبراير 2009

هذا ما سكتبه التاريخ عن حركة حماس حين تدق ساعة الحقيقة ..... سعد محيو

غداً حين يحين موعد كتابة تاريخ تجربة حماس، سيقال على الأرجح إن هذه الحركة الإسلامية المسلحة رافقها "سوء الطالع" على الصعد كافة.
فهي تسلمت السلطة السياسية في منطقة(غزة) الأفقر والأكثر اكتظاظاً في العالم، حيث هموم المأكل والمشرب والطبابة لا تقل خطورة وإلحاحاً عن مهمة المقاومة والتحرير والاستقلال.
ثم إن هذه السلطة نفسها، التي كانت وليدة اتفاقات أوسلو، كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة إقليمياً حين وقعت في أحضان حماس، الأمر الذي خلق ازدواجية لا مثيل لها في حركات التحرر الوطني حيث تتعايش التناقضات من غير جانب تحت سقف مزعج واحد وفي كنف خانق واحد.
كما أن حماس، أخيراً، وصلت إلى الحكم فيما العالم يرزح تحت سلطة أحادية القطبية لا متنفس ممكناً فيه لأي حركة تحرر، إلا بالقدر الذي يقرره "وحيد القرن" الدولي.
هل كان بالإمكان في مثل هذه الظروف أن يتكلل بالنجاح شعار "الإسلام هو الحل" الذي أرادت هذه الحركة الأممية الإسلامية تطبيقه في جزء من بلد واحد، لم يقم بعد؟
حتماً لا، حتى ولو كانت حماس بالغة الحساسية والحيوية لكل ما يتعلق بمسألة بناء الدولة أو الأمة أو حتى مجرد السلطة. فالأمر هنا شبيه إلى حد بعيد بالثورة البلشفية التي حاولت هي الأخرى في مطالع القرن العشرين بناء الاشتراكية في بلد واحد، بدل أن تقام هذه الأخيرة في أكثر الدول الأوروبية الرأسمالية تقدماً. والحصيلة كانت تحوّل اشتراكية المساواة الاجتماعية إلى اشتراكية توزيع الفقر (بسبب الإدقاع الشديد لروسيا)، وانقلاب المثل العليا الديمقراطية التي تتضمنها الفكرة الاشتراكية إلى ديكتاتورية ستالينية مرعبة ذهب ضحية إيديولوجيتها المغلقة أكثر من 20 مليون إنسان.
حماس شاء حظها العاثر أيضاً أن تكون غزة الفقيرة والمعدمة والمحاصرة هي المكان الذي يجب أن يولد فيها زمان الفكرة المثالية الإسلامية القائمة على العدل والمساواة والتضامن والتكافل الاجتماعيين. لكن أنّى لها أن تحقق ذلك فيما يفتقد القطاع كل أو معظم مقومات الحياة الاقتصادية، ناهيك عن وقوعه بين براثن حصار "إسرائيلي" لا يرحم؟ ألم يكن طبيعياً، والحال هذه، أن تسير تجربة حماس على خطى التجربة البلشفية حين باتت "حماية الثورة" أهم من طبيعة الثورة نفسها، وحين انحسرت فكرة الشورى والحوار (وفي النهاية الديمقراطية) لتصبح شكلاً آخر من أشكال السلطوية أو حتى الاستبداد؟
منذ بداية العام ،2007 حين وصلت حماس إلى السلطة، كان واضحاً أن هذه الحركة الثورية الإسلامية ستواجه صعوبات جمة في تحديد أولوياتها: هل ستختار إقامة مجتمع إسلامي يقوم على الجماعة وحدها (أي الإخوان المسلمين)، أم تطوّر حركة تحرر وطني جديدة قادرة على استيعاب كل ألوان الطيف الاجتماعي- السياسي الفلسطيني؟ هل سيتمحور نضالها على الأمة الإسلامية أم على الشعب الفلسطيني؟ ثم: هل سيتركز عملها على التحرك لتدمير "إسرائيل" أم على بناء غزة؟
الآن، يبدو أن حماس تقترب من لحظة الحقيقة إزاء كل هذه الأولويات المتضاربة، وبات عليها إما حسم الأمور أو التعرّض إلى مخاطر الانشقاقات. فماذا قد تختار؟
" الخليج"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق