الأحد، 1 فبراير 2009

ميتشل وعباس.. وتصفية قضية فلسطين .... بقلم : منير شفيق


ثمة بُعدان رئيسان لتعيين السيناتور جورج ميتشل مسؤولا في الخارجية الأميركية لمتابعة «الملف الفلسطيني- الإسرائيلي»، ويتمثل البعد الأول في تعيينه مسؤولاً عن متابعة التسوية بمرتبة وزيرة الخارجية نفسها، وليس مجرد موظف خبير. فجورج ميتشل ليس دينس روس، وإنما هو أهم من وزير، إن لم يكن على قدم المساواة مع هيلاري كلينتون نفسها وزيرة الخارجية، الأمر الذي يدل على مستوى القوة والدعم اللذين يتمتع بهما المسؤول الأميركي الذي سيتابع موضوع التسوية.
أما البُعد الثاني والمترتب عن الأول فيتجسد في كون هذا التعيين يعني التصميم على الوصول إلى نتيجة يكون عنوانها تحقيق التسوية، فقد عُيّن «ميتشل» لينجز المهمة وليس ليحاول إنجازها أو التقدم فيها، أو كما يقال جاء ميتشل ليعمل «بيزنس».
ويعني كل من هذين البُعدين أن التسوية ستكون خلال الأشهر القليلة القادمة، بمجرد الانتهاء من الانتخابات في الكيان الصهيوني وتشكيل الحكومة الجديدة، على نار حامية، وذلك بغض النظر أكانت رئاسة الحكومة لنتنياهو أو ليفني أو باراك أو لأيّ كان، فهنالك مجموعة عوامل أخذت تتجمع لترتفع باحتمال الوصول إلى تسوية (طبعاً لن تكون إلا تصفوية) إلى أعلى مستوى.
لعل العامل الأول الذي يدفع أوباما إلى إنجاز حل لما نسميه «الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي» هو التعبئة العربية والإسلامية ضد إيران، فكما يبدو من عدة مؤشرات، وأهمها ضغط اللوبي اليهودي الأميركي، فسيجعل أوباما من نزع البرنامج النووي الإيراني على رأس أولوياته للسنتين القادمتين، الأمر الذي يتطلب محاصرة إيران بالضغوط المختلفة، بما في ذلك عدم إسقاط احتمال الحرب في أثناء المفاوضات، فالمطلوب أن يتحول العداء الرسمي العربي إلى إيران، ولكن هذا غير ممكن ما دام الصراع في فلسطين مفتوحاً، الأمر الذي سيلحّ على إدارة أوباما ويضغط على الكيان الصهيوني للتوصل إلى تسوية ما داما يريدان إعطاء الأولوية للمواجهة السياسية أو العسكرية ضد إيران.
إن الدمار الذي لحق بسمعة الكيان الصهيوني عالمياً باعتباره عدوانياً يرتكب جرائم حرب سيجعل من التوصل إلى تسوية وسيلة لاستعادة الصورة التي فقدها في نظر الرأي العام لاسيما الغربي منه، وذلك إلى جانب فشله العسكري في عدوانه على قطاع غزة، وما حل من ضعف وإحراج بكل طرف تواطأ، أو تخاذل، أو سكت في مواجهة العدوان، سواء أكان فلسطينياً أم عربياً أم إسلامياً أم أوروبياً.
من هنا يمكن القول إن تعيين ميتشل كانت له دوافعه ومسوغاته من أجل أن يسعى بجدية إلى إغلاق الملف الفلسطيني، طبعاً إن أول ما سيتبادر إلى الذهن هو مدى إمكان نجاح ميتشل في مهمته في حل أعقد قضية (أكثر بكثير من مشكلة إيرلندا التي بنى جورج ميتشل سمعته التفاوضية على حلها)؟
إن فرص ميتشل في إيجاد اتفاق يكون طرفه الفلسطيني محمود عباس ستكون عالية، لأنه لن يبدأ من نقطة الصفر، ولا من اتفاقات كامب ديفيد، وإنما من النقطة التي وصلتها المفاوضات الثنائية السرية بين عباس وأولمرت و«ليفني». فمن يدقق في تلك المفاوضات «غير العبثية» لا بد له من الاستنتاج أنها أنجزت خطوات واسعة في التوصل إلى حل فيما يتعلق بقضايا حق العودة وتبادل الأراضي والحدود والجدار والمستوطنات والسيادة على المداخل أو المعابر والأجواء، وكذلك فيما يتعلق ﺒ«يهودية الدولة العبرية»، ولم تتعثر وتقف (هذه المفاوضات) إلا بسبب عدم قدرة حكومة أولمرت على التنازل عن جزء من القدس الشرقية ليكون عاصمة للدولة الفلسطينية من جهة، وعدم قدرة محمود عباس بعد ما قدمه من تنازلات في كل القضايا أنفة الذكر أن يعقد اتفاقا لا يعطى فيه جزءاً من القدس الشرقية، ليقول استعدت لكم «القدس» وهي عاصمة «دولة فلسطين» من جهة أخرى.
إذا صح أن ميتشل سيبدأ جولته من حيث انتهت تلك المفاوضات، ومن ثم لم يبق أمامه غير إزالة عقبة القدس، وعلى التحديد أجزاء من القدس الشرقية ومن بينها بعض الأحياء في القدس القديمة، فهذا يعني مع إلحاح العوامل الضاغطة للتوصل إلى تسوية (ما ذكر منها وما لم يذكر) فإن ثمة خطراً حقيقياً في نجاح مهمته حتى لو كان نتنياهو رئيس الحكومة.
ولهذا، فبقاء محمود عباس على رأس السلطة بعد انتهاء ولايته وبعدما قدم من تنازلات يشكل خطراً حقيقياً على القضية الفلسطينية، لأن ما أنجزته المفاوضات الثنائية السرية، ولو تم الحصول على بعض القدس الشرقية، يشكل حلاً «تصفوياً» هو أقرب ما يكون للحل الإسرائيلي، فإنهاء حق العودة وحل قضية اللاجئين بالتعويض والتوطين والوطن البديل، والقبول بتبادل الأراضي في الضفة الغربية، والتنازل النهائي عن الحق الفلسطيني بكل فلسطين وبكل القدس، هو الحل الإسرائيلي والتصفية للقضية، وهو ما جاء ميتشل لإنجازه.
إذا كان على نتنياهو أن يتنازل عن بعض القدس الشرقية فقط مقابل ذلك الحل مقروناً بالاعتراف الدبلوماسي العربي (المبادرة العربية)، إلى جانب التركيز على نزع البرنامج النووي الإيراني، مع إغراءات أخرى، فإن قبوله الصفقة المربحة يكون احتمالاً راجحاً، فمن قبله فعلها كل من بيغن وشامير.
ولهذا، فإن من الضروري الضغط لاستقالة محمود عباس وحل حكومة سلام فياض غير الشرعية وتشكيل وحدة وطنية لا تعترف بنتائج المفاوضات السرية، وتضع أمامها دحر الاحتلال عن الضفة الغربية بلا قيد أو شرط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق