الاثنين، 16 فبراير 2009

بعد قطاع غزة.. فتح ملف الضفة الغربية .... بقلم : منير شفيق

كثيرون بل أكثر من كثيرين لم يستطيعوا أن يهضموا، أو يتفهموا، ما حدث من انقسام فلسطيني إلى سلطتين، إحداهما في رام الله والأخرى في قطاع غزة.

وقد مثل الأولى الرئيس محمود عباس وحكومة سلام فياض (غير الشرعية)، ومثلت الثانية حماس وحكومة إسماعيل هنية المقالة بعد الرابع عشر من يونيو/حزيران 2007.

وهي حكومة الوحدة الوطنية التي اكتسبت شرعيتها من تكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في حينه، وتصويت المجلس التشريعي بإعطائها الثقة.

منذ نجاح حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي عبر انتخابات لم يشكك أحد في نزاهتها، انقسم الوضع إلى شرعيتين، وعمليا منذ مطلع عام 2006.

والانقسام في جوهره يتعلق بالسياسة وليس صراعا على السلطة، كما حاول البعض أن يصوره، ويخفي بعده السياسي.

فالخلاف السياسي قديم (قبل اتفاق أوسلو وبعده) بين فتح وحماس ثم انتقل إلى صراع حول السلطة بعد انتخابات المجلس التشريعي 2006. وهنا أصبح بالإمكان أن يصوره من يرغب في ذلك عن وعي أو دون وعي، على أنه صراع على السلطة (أو الكراسي).

من يتابع المواقف التي عبر عنها الاتجاه الذي قرر منذ أول يوم إسقاط حماس وإفشال حكومتها، ووصل به الأمر في قطاع غزة إلى استخدام سيطرته على بعض الأجهزة الأمنية (الأمن الوقائي والمخابرات) وبغطاء من محمود عباس، الذي قاتل في صراعه مع الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات من أجل نزع مسؤوليته عن الأجهزة الأمنية لإتباعها للحكومة عبر وزير الداخلية، ولكنه راح يقاتل بعد أن أصبح رئيسا للسلطة من أجل إبقائها بيده وحرمان حكومة هنية ووزير داخليتها من أية صلاحية عليها. وهو ما دفع إلى تشكيل قوة أمنية موازية في قطاع غزة تحت سلطة وزير الداخلية، كما دفع الرئيس محمود عباس إلى عدم الاعتراف بها أو بشرعيتها.

و"بلا طول سيرة"، كما يقول الخطاب الشعبي، انتهى الأمر في قطاع غزة إلى ما سمي بالحسم العسكري من جانب القوات التابعة لحكومة هنية، علما بأن البادئ، بلا شك، كانت قوات الأمن الوقائي.

وقد صدرت قبل ذلك خطابات معلنة تتهدد أو تتوعد بالحسم ضد حكومة هنية علما بأن ذلك الحسم في القطاع، أضر أول ما أضر، بحماس وحكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها إسماعيل هنية. فبعد أن كانت الحكومة الشرعية لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة، أصبحت حكومة مقالة محصورة في قطاع غزة.

من يتابع الخطوات الفورية، والحاسمة التي اتخذها محمود عباس بعد الحسم من قبل الأجهزة الأمنية في قطاع غزة إثر مسلسل من الاقتتال، يلحظ أن ما حدث كان هبة مجانية له، أو فرصة (اهتبلها) ليتخلص من حكومة الوحدة الوطنية بإقالتها، ومن المجلس التشريعي بعدم الالتفات إليه، وإحلال "المجلس المركزي" الفاقد الصلاحية منذ زمن والملفق وغير الشرعي عمليا مكانه، في إعطاء الشرعية لكل الخطوات التي اتخذها أو سيتخذها. فلم يعد النظام الداخلي المعدل المرجعية الدستورية للسلطة.

وبهذا جاء بحكومة سلام فياض، بداية على أنها حكومة طوارئ، ثم حكومة تسيير أعمال، ثم حكومة دائمة تمثل السلطة بلا عود إلى المجلس التشريعي، أو استناد إلى النظام الداخلي المعدل (الدستور).

على أن كل ما تقدم من إجراءات وإعلان قطيعة مع حماس وحكومة هنية، وضع في خدمة السياسة، وهذا هو الأهم والأخطر. فكان فاتحة الانتقال إلى المفاوضات السرية الثنائية التي أطلقها مؤتمر أنابوليس. وهنا أصبح الانقسام سياسيا بامتياز، أو كشف عن حقيقته باعتباره انقساما سياسيا بين اتجاهين رئيسين.

بل إن الخط السياسي الذي عبرت عنه المفاوضات الثنائية السرية حيّد عمليا حركة فتح التي فقدت سلطتها على حكومة رام الله، وأصبحت مجرد غطاء لها من خلال محمود عباس.

وكذلك حول اللجنة التنفيذية الفاقدة النصاب والصلاحية إلى شاهد زور على عملية المفاوضات التي تجري باسم منظمة التحرير الفلسطينية دون أن تكون فصائل المنظمة بما فيها تلك التي استمرت عضويتها في اللجنة التنفيذية، موافقة عليها، ولا سيما الجبهة الشعبية (كما يعلن على الأقل).

ولأن المطلوب هو أن تمضي المفاوضات الثنائية السرية، وبإشراف مباشر ويومي، من قبل وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس من دون أن يكشف ما تم التوصل إليه من تفاهم؛ استخدم الانقسام "قميص عثمان"، وراح "يتعثر" به كل من لا يريد أن يطرح الموضوع في بعده السياسي، فأصبح الانقسام موضوعا في ذاته كأن من الممكن الحديث عن مصالحة أو وحدة وطنية، من دون مناقشة الخط السياسي الذي فرضه محمود عباس وسلام فياض على الساحة الفلسطينية، أي خط المفاوضات الثنائية السرية، وتفكيك خلايا المقاومة في الضفة الغربية، تنفيذا من طرف واحد للبند الأول من خريطة الطريق.

هذا وما كان أسهل أن يصار إلى تجاهل المفاوضات أو عدم الاصطدام السياسي بها تحت حجة أنها "عبثية"، ولن نصل إلى شيء. ومن ثم تحويل النقاش إلى الأشكال والصيغ والأطر حول الوحدة الوطنية. وأصبح إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في آن واحد هو "المخرج" من أزمة الانقسام. وذلك من دون الانتباه إلى أن الضفة الغربية أصبحت محتلة تماما، ومجزأة بحكم سبعمائة حاجز (محسوم) فلم يعد هنالك حتى مناطق (أ)، ومن دون الانتباه إلى أن قوات الأمن التي بنتها حكومة سلام فياض لم تعد تلك التي بناها ياسر عرفات.

والأهم من ذلك أن الانتخابات يمكن ألا تعالج الانقسام، بل إنها ربما تؤدي إلى انقسام أعمق وأشد. والدليل على ذلك أن الانتخابات السابقة نفسها هي الرحم الذي خرج منه الانقسام الحالي، وذلك حين أفرزت شرعيتين متصارعتين.

والخلاصة أن الانقسام الفلسطيني هو انقسام سياسي بين إستراتيجيتين، إحداهما تتجسد في خط المفاوضات، فالمفاوضات، إلى ما لا نهاية، مع استمرار التوسع في الاستيطان والحفريات تحت المسجد الأقصى، وزيادة الحواجز، وصولات الاغتيالات والاعتقالات والدوريات التي تذرع شوارع رام الله أكثر من تغلغلها في أية مدينة أو بلدة أخرى في الضفة الغربية.

وفي المقابل هناك خط مقاومة وممانعة يسقط المفاوضات، أو ما بينهما من خط "مع مبدأ التفاوض، ولكن ليس التفاوض الذي يجريه محمود عباس". وليس مع سياسات حكومة سلام فياض في تفكيك خلايا المقاومة وبناء أجهزة أمنية لا علاقة لها بـ"السياسة"، أو بالشعب الفلسطيني.

شنت حرب العدوان على قطاع غزة، وقد طالت إلى 22 يوما، وذهبت بعيدا في قتل الأطفال والمدنيين، وهدم البيوت والبنى التحتية، وتخللتها محاولات برية للسيطرة على القطاع، ففشلت ميدانيا وكان البعض يظن أنها ستحسم الموضوع.

وجاءت هذه الحرب لتكشف حقيقة المواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية شعبيا ورسميا. فلم يعد من الصعب أن تحدد تخوم سياسات كل طرف ومحتواها بأعلى درجات الدقة.

أما فلسطينيا، فهنالك ما عكسته المواقف داخل القطاع. ولكن الأهم والأوضح كان المواقف في الضفة الغربية من حيث كيفية "التضامن" مع ذلك الجزء من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإلى أي مدى، خصوصا، من جهة المشاركة الفعلية في الصدام مع قوات الاحتلال ليكون الهدف الانخراط في الحرب عمليا.

وبالمناسبة، لو كان هنالك قرار سياسي للدخول في معركة أو إعلان انتفاضة ضد الاحتلال خلال الـ22 يوما لقصرت المدة، ولفتح ملف الاحتلال في الضفة مع ملف وقف إطلاق النار، وجاءت التهدئة والانسحاب بلا قيد أو شرط.

طبعا هذه نقطة أخرى ليس هنا مكان مناقشتها والتوسع فيها، ولكن لا شك في أن فرصة ثمينة ضاعت بسبب المستوى المتدني للمناصرة والمواجهة في الضفة الغربية. طبعا من دون أن نسقط من حسابنا دور حكومة سلام فياض وقواتها الأمنية في القمع "والإنجاز". وقد ساعدها على ذلك تدني مستوى مواقف عدد من الفصائل في مناصرة قطاع غزة، وإلا كان القمع سيكسر حتما، ولا يبقى من مكان لحكومة سلام فياض.

يجب أن يلاحظ هنا قبل مغادرة هذه النقطة أن الانقسام الفلسطيني يتحمل مسؤولية الوضع الذي قام في الضفة الغربية في ظل حكومة سلام فياض وسياسة المفاوضات. وذلك من جهة ما حدث من تنازلات داخل تلك المفاوضات، وهو ما ستكشفه الأيام القريبة القادمة عندما يضع جورج ميتشل التوصل إلى اتفاق على الطاولة، لأنه سيبدأ من حيث انتهت تلك المفاوضات، ويسعى لإنجاز ما توقفت عنده أو تعثرت إزاءه.

والانقسام الفلسطيني كان كارثة على الضفة الغربية أيضا من جهة التوسع الاستيطاني في ظل المفاوضات، وما تم من حفريات وبناء كنيسين أحدهما تحت المسجد الأقصى وثانيهما قربه، وما "أنجزته" حكومة فياض من تفكيك خلايا المقاومة إلى جانب التوسع في بناء الجدار والاستيلاء على الأغوار وبناء الطرق الالتفافية وزيادة الحواجز وخطوات تهويدية إضافية في الخليل والقدس.

ولكن من جهة أخرى لم يمنع هذا الانقسام من تحقيق نصر تاريخي للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان على قطاع غزة سواء على مستوى الصمود والمقاومة أو على مستوى المظاهرات والاعتصامات التي عمت كل عواصم الأقطار العربية ومدنها وكذلك على مستوى الدول الإسلامية بل على مستوى العالم كله.

ويكفي أن نلحظ العلم الفلسطيني الذي يرمز إلى القضية الفلسطينية مرفرفا فوق القارات الخمس، حتى نتأكد أن الانقسام لم يصل إلى حد القضاء على القضية الفلسطينية كما روج له البعض من المعادين للمقاومة أو من المؤيدين لخط محمود عباس.

بل كان أفضل من وحدة في ظل خط محمود عباس، وإن كانت الوحدة الفلسطينية تفضله كثيرا لو قامت على أساس خط المقاومة والممانعة وامتدت المعركة من رفح وإلى جنين.

فها هنا يجب أن ترى سلبيات الانقسام وليس بالمعنى الذي أراده البعض، أو وضع كل البيض الفلسطيني في سلة محمود عباس وسلام فياض.

ولهذا فإن ما ظهر من مؤشرات خلال الأسبوع المنصرم مثل عقد اجتماعين لوفدين من فتح وحماس، ومثل البحث الجدي لفتح معبر رفح، يفترض بعد إنجاز المصالحة وفتح الحوار أن يركز على حل مشكلتين فلسطينيتين: الأولى تتعلق بإيجاد وفاق وطني حول التهدئة في قطاع غزة وإدارة القطاع وتضميد الجراح والتعويض والمساعدات وإعادة البناء.

والثانية فتح ملف الاحتلال في الضفة الغربية لأن المشكلة الحقيقية الآن ومنذ الانقسام في يونيو/حزيران 2007 هي في الضفة الغربية.

فمن جهة ثمة ضرورة لوقف المفاوضات، وعدم السماح للرئيس محمود عباس ومستشاريه وحكومته بالمضي في السياسات التي اتبعوها، ويبدو أنهم يريدون مواصلتها مع ميتشل للوصول إلى تسوية لا بد من أن تكون تصفوية بامتياز؛ لأن الاعتراف بـ"يهودية" الكيان الصهيوني يعني تهجير الفلسطينيين الذين بقوا في فلسطين تحت احتلال "الدولة العبرية" وذلك لأن المقصود، كما أعلن، من "يهودية الدولة" أنها لليهود فقط.

ثم سيطر حق العودة تحت عنوان التعويض وهو الاسم الحركي للتوطين والوطن البديل. ثم سيقبل بمبدأ تبادل الأراضي بحيث تثبت المستوطنات الكبرى ولا سيما حول القدس وفي القدس مقابل أراض في النقب الفلسطيني المغتصب بدوره عامي 1948 و1949.

وذلك فضلا عن الأراضي والمياه من وراء الجدار، كما في مناطق الأغوار. وهكذا لتقوم "الدويلة" على أجزاء من الضفة وعاصمتها القدس (أجزاء من القدس الشرقية).

وأضف "الاعتراف العربي" بكل ذلك وبالدولة العبرية وفقا لـ"مبادرة السلام العربية"، مدعوما بموضوعية نرضى بما يرضى به الفلسطينيون" (والمقصود ما يرضى به محمود عباس وسلام فياض) مع إجراء استفتاء مزور بالتأكيد في الضفة الغربية.

ولكن هذا جانب في فتح ملف الضفة الغربية لأن الجانب الآخر المقابل يتطلب الاتفاق أو الوفاق الوطني من أجل مقاومة الاحتلال بكل أشكال المقاومة لدحره عن الأراضي المحتلة في 1967، بلا قيد أو شرط، واعتبار الجدار والمستوطنات وكل المتغيرات التي استحدثت في القدس أو تحت المسجد الأقصى باطلة ولا يجوز المساومة عليها.

ولهذا يجب أن ترفض نظرية "حل الدولتين" لأنها تتضمن تقديم كل التنازلات الآنفة الذكر ثمنا لإقامة دويلة فلسطينية، علما بأن فتح وكل الفصائل تأسست أصلا على التحرير الكامل ورفض "الدويلة الفلسطينية".

وبالمناسبة، لقد تسللت بدعة تقديم شعار الدولة الفلسطينية ليوضع قبل تحرير الأرض من الاحتلال ولتسقط كل الحقوق الفلسطينية (والعربية والإسلامية) في فلسطين التاريخية، لأن الحديث عن حل الدولتين يعني "العوض بسلامتك" بالنسبة إلى ما اغتصب واحتل عامي 1948 و1949 وقامت عليه دولة الكيان بما في ذلك التهجير والحرمان من حق العودة، والحق في الممتلكات الفردية، ناهيك عن الحق في تقرير المصير الذي هو حق حصري للشعب الفلسطيني وفقا للقانون الدولي وهو ما تؤكده المرجعيات الأخرى الوطنية والعروبية والإسلامية والإنسانية.

إن رفض ما يسمى "حل الدولتين" يجب أن يكون جزءا من الوحدة الوطنية الفلسطينية، كما يجب أن يوضع دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات هدفا للمقاومة. أما بعد تحرير الأرض فلكل حادث حديث سواء كان ما يمكن أن يقوم من سلطة أو دولة أو استمرار الاستمساك بحق العودة ورفض نتائج حرب 1948-1949 أو كلاهما.

طبعا قد يكون بعض ما تقدم فيه الكثير من الخلاف داخل الساحة الفلسطينية، كالموقف العربي الرسمي. ولهذا يمكن أن يحصر الاتفاق في فتح ملف الاحتلال في الضفة الغربية تحت هدف دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وهدم الجدار بلا قيد أو شرط.

فتلكم هي المهمة الرئيسة بعد تسوية الوضع في قطاع غزة المنتصر عبر فتح كل المعابر وفي المقدمة معبر رفح فتحا دائما، وتهدئة لا تختلط بحصار أو اغتيالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق