الاثنين، 2 فبراير 2009
مشكلة حماس... بقلم : د. فهمي هويدي
أدري أن الحديث عن حماس هذه الأيام، إذا لم يكن مسبة واتهامًا، فإنه قد يصبح في مصر على الأقل وقوعًا في المحظور، واعترافًا بالتخابر مع محور الشر العربي، لكن أما وقد أصبحت أحد عناوين المرحلة، فلا بأس من المغامرة بالخوض في الموضوع لتحرير الالتباس فيه.
(١)
أغلب الظن أن كثيرين لا يذكرون أنني كنت أول من اشتبك مع برنامج حماس حين أعلن في أغسطس/ آب عام 1988، بعد ثمانية أشهر من انطلاق انتفاضة الحجارة.. وقتذاك نشرت لي صحيفة الأهرام القاهرية بتاريخ 1/11/88 مقالًا كان عنوانه "فلسطين المحررة قبل فلسطين الإسلامية". وهو المقال الذي لم يرحب به آنذاك بعض الناشطين الإسلاميين في الأردن الذين نشرت الصحف لهم تعليقات وردوداً على الفكرة التي دعا إليها، ولخصها عنوانه.
ذلك أنني انتقدت الخطاب الدعوي في البرنامج المعلن، الذى اعتبر فلسطين وقفا إسلاميا يتعين الدفاع عنه لاستعادة الهوية الإسلامية للبلد، التي طمسها الاحتلال الإسرائيلي. كنت أعلم أن حماس لها جذورها الإخوانية التي تمتد إلى منتصف الثلاثينيات (في القرن الماضي بطبيعة الحال) وأن البناء التنظيمي للحركة ظهر عام ١٩٤٦، واشتد عوده بعد مشاركة حركة الإخوان في حرب عام ١٩٤٨. وخلال الفترة منذ عام ٤٨ إلى عام ٦٧ الذي تم فيه احتلال إسرائيل لما تبقى من أرض فلسطين، ظل جهد الإخوان محصورا في الدعوة والتربية.
وحين أدى الاحتلال إلى قطع صلاتهم بالإخوان في مصر، فإنهم أسسوا عام ١٩٧٣ ما سمي "المجمع الإسلامي" الذي ظل ملتزماً بنهج التربية والدعوة، الأمر الذي كان محل انتقاد من جانب الرموز الفتحاوية. وانصب النقد وقتذاك على عزوف عناصر المجمع عن المشاركة في مواجهة الاحتلال بدعوى انتظار الوقت المناسب، رغم سعة انتشارهم في القطاع.
ولكن هذا الوضع بدأ في التغير ابتداء من عام ١٩٨٠، الذي خرجت فيه تلك العناصر إلى الشارع، حتى كانت انتفاضة عام ١٩٨٧ التي ألقى الناشطون الإسلاميون بثقلهم فيها. ومن رحمها خرجت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، لتنخرطا بقوة في الحركة الوطنية الفلسطينية.
خلاصة وجهة النظر التي عبر عنها المقال الذي نشر قبل عشرين عاماً أنه في العمل السياسي والنضالي بوجه أخص يتعين الانطلاق من الفريق وليس الفصيل، وأن القوى الوطنية يجب أن تحتشد لتحقيق الأهداف العليا حسب أولوياتها -التحرير في الحالة الفلسطينية- بصرف النظر عن توجهاتها الفكرية.
بالتالى فإن الحديث عن فلسطين الإسلامية فى بلد يرزح تحت الاحتلال يُعد استباقا غير مبرر، فضلا عن أنه قد يثير خلافا يشتت الجهد بما قد يصرف الناس عن هدف المرحلة المتمثل في التحرير حيث المطلب الملح هو حشد الجهود وليس بعثرتها.
(2)
منذ برز دور التيارات الإسلامية بانتفاضة عام ١٩٨٧، بدا أن هناك متغيرا جديدا في الساحة الفلسطينية يمكن أن ينافس حضور حركة فتح وهيمنتها. وثمة إجماع بين المحللين على أن هذا المتغير كان له دوره في الإسراع بإجراء مفاوضات أوسلو التي انتهت بتوقيع الاتفاق الذي تم في البيت الأبيض وحضره كل من ياسر عرفات وإسحق رابين فى سبتمبر/ أيلول ١٩٩٣ ورعاه الرئيس كلينتون. ونقل عن أحد القادة الإسرائيليين آنذاك أنهم حين وجدوا أنفسهم مخيرين بين التعامل مع أبو عمار أو مع حماس فإنهم فضلوا الأول باعتباره "أهون الشرين".
وبمقتضى الاتفاق تم إنشاء السلطة الفلسطينية، وعاد ياسر عرفات إلى غزة عام ١٩٩٤حيث انتخب رئيسا للسلطة، وتمكنت فتح منذ ذلك الحين ليس فقط أن تهيمن على الفضاء السياسي الفلسطيني فقط وإنما على جزء من الأرض الفلسطينية أيضًا.. الذى لا يقل أهمية عن ذلك أن الاتفاق كان بداية لانخراط قيادة فتح في التسوية السياسية في الوقت الذي اختارت فيه حماس والجهاد الإسلامي نهجًا آخر انحاز إلى خط المقاومة.
ولأن الاحتلال كان لا يزال قائما، فإن حماس والجهاد بموقفهما المقاوم بدآ في كسب الشارع الفلسطينى، وتعاظم ذلك الكسب بمضي الوقت بفعل عدة عوامل منها استمرار تحديها للعدو الإسرائيلي بعمليات تمت داخل إسرائيل ذاتها، وشعور الفلسطينيين بالإحباط حين أدركوا أنهم لم يجنوا شيئا من اتفاقيات أوسلو، وفشل المحادثات التي أجراها في كامب ديفد عام 2000 الرئيس الفلسطيني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك بحضور الرئيس كلينتون.وهي الخلفية التي فجرت انتفاضة عام 2000 التي اشترك فيها مختلف الفصائل الفلسطينية، وانتهى المشهد بعيد ذلك بحصار الرئيس عرفات في رام الله، وتسميمه هناك ثم وفاته عام 2004.
بعد التخلص من أبو عمار انتخب محمود عباس رئيسا للسلطة، وهو الذي كان معروفا برفضه للمقاومة حتى قال لصديق أعرفه "إننب ضد المقاومة حتى بالحجارة (كما حدث فب انتفاضة عام 87) ووصف إحدى العمليات الاستشهادية بأنها "حقيرة". وهي خلفية تسلط الضوء سواء على موقف القطيعة والمخاصمة الذي تبناه إزاء حماس والجهاد، كما تسهم في تفسير تراجع شعبية السلطة التي يقودها في أوساط الرأى العام الفلسطيني.
لذلك فإن فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات عام 2006 بدا أمرًا مفهومًا (حصلت على 74 من 132 مقعدًا بالمجلس التشريعي) وهذا الفوز نقل التنافس بين أبو مازن وجماعة السلطة المحيطين به وبين حكومة حماس إلى مستوى الصراع، خصوصًا أن السلطة كانت ماضية في مسلسل التسوية السياسية إلى حد كان مثيرًا لقلق قوى المقاومة وحماس في المقدمة منها.
ولكي تمضي عجلة التسوية كما كان مخططًا ومرسومًا، كان لا مفر من إزالة عقبة حماس وما تمثله، وبات معروفا الآن ما كان للأميركيين من دور في محاولة إقصاء حماس وحكومتها وإخراجها من المسرح السياسي. وهي المحاولة التي أجهضتها حكومة حماس باستعادتها زمام الأمور ومن ثم سيطرتها على القطاع صيف عام 2007، الأمر الذي شكل تحديًا آخر لها هناك.
(3)
حينما استقر الأمر لسلطة حماس في القطاع أصبح لها أربعة أوجه؛ الأول: أنها بحكم الأصل حركة إسلامية تشكل فرعا لجماعة الإخوان المسلمين. الثانى: أنها حركة مقاومة تعد جزءا من النضال الوطني الفلسطيني. الثالث: أنها فصيل يمثل أغلبية في المجلس التشريعي. الوجه الرابع: أنها سلطة مسؤولة عن إدارة القطاع يفترض أن ينضوي تحت مظلتها مختلف شرائح وقوى المجتمع هناك.
الأطراف المعنية بالشأن الفلسطيني تعاملت مع حماس في القطاع من الزاوية التي لاءمت سياساتها ومواقفها. فمصر اعتبرت حماس جزءا من "الجماعة المحظورة" وخاصمتها لهذا السبب. كما رفضت منها فكرة المقاومة انطلاقا من كونها ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل. وأبو مازن وجماعته خاصموها لأنهم ضد المقاومة ولأنهم هزموهم بالانتخابات التشريعية. إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية الذين خاصموها لأنها حركة مقاومة.
أما سوريا فقد أيدت حماس لأنها حركة مقاومة بالدرجة الأولى، إيران ساندتها لأنها مقاومة ولأنها حركة إسلامية. أما تركيا فإنها تعاملت مع حماس باعتبار أنها فصيل حاصل على الأغلبية بالمجلس التشريعي، حتى إن رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان أبدى دهشته أكثر من مرة لمقاطعتها رغم فوزها بالأغلبية في انتخابات حرة. (للعلم: نفس الموقف عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر في حوار أجرته معه مجلة نيوزويك بعدد ٢٧ يناير/ كانون الثاني الماضي).
اللافت للنظر بهذا السياق أن مساندة سوريا وإيران لحماس أصبحت تهمة تجرح بسببها، في حين أن الطرف الآخر المخاصم لها مؤيد من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والرباعية الدولية. وبالمناسبة فإن أبواق حملة التعبئة المضادة على الصعيدين الإعلامي والسياسي درجت على القول إن حماس تنفذ "أجندة" إقليمية (غمزًا في إيران) وهو ما نفاه المقال الافتتاحي لنيوزويك (بتاريخ 14/1 الماضي) حيث قال رئيس تحرير المجلة فريد زكريا إن حماس ليست صنيعة لإيران.والذين يروجون لذلك الادعاء لا يعرفون أن بين حماس وإيران نقاط اتفاق وأخرى للاختلاف، وأنهم شأنهم في ذلك شأن أي حلفاء، على اتفاق في بعض الأهداف المرحلية دون الأهداف النهائية، وللعلم فإن "الأجندة" الأخرى المقابلة التي نرى آثارها على الأرض ليست مما يطمأن إليه. على الأقل فالأجندة الأولى إن وجدت فهي ظنية بالأساس، أما الثانية فهي قطعية ولا مجال للشك فيها، وما حدث في التعامل مع العدوان الإسرائيلي الأخير في غزة خير شاهد على ذلك.
(4)
المشكلة الكبرى التي تواجه حماس في مسيرتها السياسية أنها رغم انها طورت أفكارها وأصبحت أكثر التصاقا بالعمل الوطنى، فلم تتخلص بعد من إطار وثقافة "الفصيل". لذلك فإنها لم تنجح في تحالفاتها مع القوى الوطنية الفلسطينية لتتبنى مشروع الدولة. وهو داء أصاب الكثير من الحركة ذات الأصول الإسلامية. صحيح أن هناك أطرافا يهمها إفشال مثل هذه التحالفات، إلا أن الساحة الفلسطينية أصبحت لا تحتمل استمرار انفراط عقد الصف الوطني، علمًا بأن المجلس الوطني الفلسطيني لم ينعقد منذ عشرين عاما منذ التأم آخر اجتماع له بالجزائر عام ١٩٨٨.
لقد دعا إعلان القاهرة الذي صدر عام ٢٠٠٥ إلى تفعيل وتطوير منظمة التحرير، وقرر تشكيل لجنة خاصة لهذا الغرض. لكن هذه اللجنة لم تجتمع حتى الآن رغم تحديد أعضائها، ومن الواضح أن هناك إصرارًا من جانب رئاسة السلطة على رفض القيام بأي خطوة بهذا الصدد، حتى أصبح "اختطاف" القرار الفلسطيني من جانب جماعة رام الله مصطلحًا شائعًا بأوساط الناشطين المهتمين بلمّ شمل الصف الوطني.
وهو تطور مُهم لا ريب لأن الأمل بات معلقا على استمرار الصمود والمقاومة، في ظل التئام الشمل الفلسطينى تحت أي راية تتبنى الحلم المؤجل، وتتمسك بثوابت القضية دونما عبث أو تفريط.
(١)
أغلب الظن أن كثيرين لا يذكرون أنني كنت أول من اشتبك مع برنامج حماس حين أعلن في أغسطس/ آب عام 1988، بعد ثمانية أشهر من انطلاق انتفاضة الحجارة.. وقتذاك نشرت لي صحيفة الأهرام القاهرية بتاريخ 1/11/88 مقالًا كان عنوانه "فلسطين المحررة قبل فلسطين الإسلامية". وهو المقال الذي لم يرحب به آنذاك بعض الناشطين الإسلاميين في الأردن الذين نشرت الصحف لهم تعليقات وردوداً على الفكرة التي دعا إليها، ولخصها عنوانه.
ذلك أنني انتقدت الخطاب الدعوي في البرنامج المعلن، الذى اعتبر فلسطين وقفا إسلاميا يتعين الدفاع عنه لاستعادة الهوية الإسلامية للبلد، التي طمسها الاحتلال الإسرائيلي. كنت أعلم أن حماس لها جذورها الإخوانية التي تمتد إلى منتصف الثلاثينيات (في القرن الماضي بطبيعة الحال) وأن البناء التنظيمي للحركة ظهر عام ١٩٤٦، واشتد عوده بعد مشاركة حركة الإخوان في حرب عام ١٩٤٨. وخلال الفترة منذ عام ٤٨ إلى عام ٦٧ الذي تم فيه احتلال إسرائيل لما تبقى من أرض فلسطين، ظل جهد الإخوان محصورا في الدعوة والتربية.
وحين أدى الاحتلال إلى قطع صلاتهم بالإخوان في مصر، فإنهم أسسوا عام ١٩٧٣ ما سمي "المجمع الإسلامي" الذي ظل ملتزماً بنهج التربية والدعوة، الأمر الذي كان محل انتقاد من جانب الرموز الفتحاوية. وانصب النقد وقتذاك على عزوف عناصر المجمع عن المشاركة في مواجهة الاحتلال بدعوى انتظار الوقت المناسب، رغم سعة انتشارهم في القطاع.
ولكن هذا الوضع بدأ في التغير ابتداء من عام ١٩٨٠، الذي خرجت فيه تلك العناصر إلى الشارع، حتى كانت انتفاضة عام ١٩٨٧ التي ألقى الناشطون الإسلاميون بثقلهم فيها. ومن رحمها خرجت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، لتنخرطا بقوة في الحركة الوطنية الفلسطينية.
خلاصة وجهة النظر التي عبر عنها المقال الذي نشر قبل عشرين عاماً أنه في العمل السياسي والنضالي بوجه أخص يتعين الانطلاق من الفريق وليس الفصيل، وأن القوى الوطنية يجب أن تحتشد لتحقيق الأهداف العليا حسب أولوياتها -التحرير في الحالة الفلسطينية- بصرف النظر عن توجهاتها الفكرية.
بالتالى فإن الحديث عن فلسطين الإسلامية فى بلد يرزح تحت الاحتلال يُعد استباقا غير مبرر، فضلا عن أنه قد يثير خلافا يشتت الجهد بما قد يصرف الناس عن هدف المرحلة المتمثل في التحرير حيث المطلب الملح هو حشد الجهود وليس بعثرتها.
(2)
منذ برز دور التيارات الإسلامية بانتفاضة عام ١٩٨٧، بدا أن هناك متغيرا جديدا في الساحة الفلسطينية يمكن أن ينافس حضور حركة فتح وهيمنتها. وثمة إجماع بين المحللين على أن هذا المتغير كان له دوره في الإسراع بإجراء مفاوضات أوسلو التي انتهت بتوقيع الاتفاق الذي تم في البيت الأبيض وحضره كل من ياسر عرفات وإسحق رابين فى سبتمبر/ أيلول ١٩٩٣ ورعاه الرئيس كلينتون. ونقل عن أحد القادة الإسرائيليين آنذاك أنهم حين وجدوا أنفسهم مخيرين بين التعامل مع أبو عمار أو مع حماس فإنهم فضلوا الأول باعتباره "أهون الشرين".
وبمقتضى الاتفاق تم إنشاء السلطة الفلسطينية، وعاد ياسر عرفات إلى غزة عام ١٩٩٤حيث انتخب رئيسا للسلطة، وتمكنت فتح منذ ذلك الحين ليس فقط أن تهيمن على الفضاء السياسي الفلسطيني فقط وإنما على جزء من الأرض الفلسطينية أيضًا.. الذى لا يقل أهمية عن ذلك أن الاتفاق كان بداية لانخراط قيادة فتح في التسوية السياسية في الوقت الذي اختارت فيه حماس والجهاد الإسلامي نهجًا آخر انحاز إلى خط المقاومة.
ولأن الاحتلال كان لا يزال قائما، فإن حماس والجهاد بموقفهما المقاوم بدآ في كسب الشارع الفلسطينى، وتعاظم ذلك الكسب بمضي الوقت بفعل عدة عوامل منها استمرار تحديها للعدو الإسرائيلي بعمليات تمت داخل إسرائيل ذاتها، وشعور الفلسطينيين بالإحباط حين أدركوا أنهم لم يجنوا شيئا من اتفاقيات أوسلو، وفشل المحادثات التي أجراها في كامب ديفد عام 2000 الرئيس الفلسطيني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك بحضور الرئيس كلينتون.وهي الخلفية التي فجرت انتفاضة عام 2000 التي اشترك فيها مختلف الفصائل الفلسطينية، وانتهى المشهد بعيد ذلك بحصار الرئيس عرفات في رام الله، وتسميمه هناك ثم وفاته عام 2004.
بعد التخلص من أبو عمار انتخب محمود عباس رئيسا للسلطة، وهو الذي كان معروفا برفضه للمقاومة حتى قال لصديق أعرفه "إننب ضد المقاومة حتى بالحجارة (كما حدث فب انتفاضة عام 87) ووصف إحدى العمليات الاستشهادية بأنها "حقيرة". وهي خلفية تسلط الضوء سواء على موقف القطيعة والمخاصمة الذي تبناه إزاء حماس والجهاد، كما تسهم في تفسير تراجع شعبية السلطة التي يقودها في أوساط الرأى العام الفلسطيني.
لذلك فإن فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات عام 2006 بدا أمرًا مفهومًا (حصلت على 74 من 132 مقعدًا بالمجلس التشريعي) وهذا الفوز نقل التنافس بين أبو مازن وجماعة السلطة المحيطين به وبين حكومة حماس إلى مستوى الصراع، خصوصًا أن السلطة كانت ماضية في مسلسل التسوية السياسية إلى حد كان مثيرًا لقلق قوى المقاومة وحماس في المقدمة منها.
ولكي تمضي عجلة التسوية كما كان مخططًا ومرسومًا، كان لا مفر من إزالة عقبة حماس وما تمثله، وبات معروفا الآن ما كان للأميركيين من دور في محاولة إقصاء حماس وحكومتها وإخراجها من المسرح السياسي. وهي المحاولة التي أجهضتها حكومة حماس باستعادتها زمام الأمور ومن ثم سيطرتها على القطاع صيف عام 2007، الأمر الذي شكل تحديًا آخر لها هناك.
(3)
حينما استقر الأمر لسلطة حماس في القطاع أصبح لها أربعة أوجه؛ الأول: أنها بحكم الأصل حركة إسلامية تشكل فرعا لجماعة الإخوان المسلمين. الثانى: أنها حركة مقاومة تعد جزءا من النضال الوطني الفلسطيني. الثالث: أنها فصيل يمثل أغلبية في المجلس التشريعي. الوجه الرابع: أنها سلطة مسؤولة عن إدارة القطاع يفترض أن ينضوي تحت مظلتها مختلف شرائح وقوى المجتمع هناك.
الأطراف المعنية بالشأن الفلسطيني تعاملت مع حماس في القطاع من الزاوية التي لاءمت سياساتها ومواقفها. فمصر اعتبرت حماس جزءا من "الجماعة المحظورة" وخاصمتها لهذا السبب. كما رفضت منها فكرة المقاومة انطلاقا من كونها ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل. وأبو مازن وجماعته خاصموها لأنهم ضد المقاومة ولأنهم هزموهم بالانتخابات التشريعية. إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية الذين خاصموها لأنها حركة مقاومة.
أما سوريا فقد أيدت حماس لأنها حركة مقاومة بالدرجة الأولى، إيران ساندتها لأنها مقاومة ولأنها حركة إسلامية. أما تركيا فإنها تعاملت مع حماس باعتبار أنها فصيل حاصل على الأغلبية بالمجلس التشريعي، حتى إن رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان أبدى دهشته أكثر من مرة لمقاطعتها رغم فوزها بالأغلبية في انتخابات حرة. (للعلم: نفس الموقف عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر في حوار أجرته معه مجلة نيوزويك بعدد ٢٧ يناير/ كانون الثاني الماضي).
اللافت للنظر بهذا السياق أن مساندة سوريا وإيران لحماس أصبحت تهمة تجرح بسببها، في حين أن الطرف الآخر المخاصم لها مؤيد من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والرباعية الدولية. وبالمناسبة فإن أبواق حملة التعبئة المضادة على الصعيدين الإعلامي والسياسي درجت على القول إن حماس تنفذ "أجندة" إقليمية (غمزًا في إيران) وهو ما نفاه المقال الافتتاحي لنيوزويك (بتاريخ 14/1 الماضي) حيث قال رئيس تحرير المجلة فريد زكريا إن حماس ليست صنيعة لإيران.والذين يروجون لذلك الادعاء لا يعرفون أن بين حماس وإيران نقاط اتفاق وأخرى للاختلاف، وأنهم شأنهم في ذلك شأن أي حلفاء، على اتفاق في بعض الأهداف المرحلية دون الأهداف النهائية، وللعلم فإن "الأجندة" الأخرى المقابلة التي نرى آثارها على الأرض ليست مما يطمأن إليه. على الأقل فالأجندة الأولى إن وجدت فهي ظنية بالأساس، أما الثانية فهي قطعية ولا مجال للشك فيها، وما حدث في التعامل مع العدوان الإسرائيلي الأخير في غزة خير شاهد على ذلك.
(4)
المشكلة الكبرى التي تواجه حماس في مسيرتها السياسية أنها رغم انها طورت أفكارها وأصبحت أكثر التصاقا بالعمل الوطنى، فلم تتخلص بعد من إطار وثقافة "الفصيل". لذلك فإنها لم تنجح في تحالفاتها مع القوى الوطنية الفلسطينية لتتبنى مشروع الدولة. وهو داء أصاب الكثير من الحركة ذات الأصول الإسلامية. صحيح أن هناك أطرافا يهمها إفشال مثل هذه التحالفات، إلا أن الساحة الفلسطينية أصبحت لا تحتمل استمرار انفراط عقد الصف الوطني، علمًا بأن المجلس الوطني الفلسطيني لم ينعقد منذ عشرين عاما منذ التأم آخر اجتماع له بالجزائر عام ١٩٨٨.
لقد دعا إعلان القاهرة الذي صدر عام ٢٠٠٥ إلى تفعيل وتطوير منظمة التحرير، وقرر تشكيل لجنة خاصة لهذا الغرض. لكن هذه اللجنة لم تجتمع حتى الآن رغم تحديد أعضائها، ومن الواضح أن هناك إصرارًا من جانب رئاسة السلطة على رفض القيام بأي خطوة بهذا الصدد، حتى أصبح "اختطاف" القرار الفلسطيني من جانب جماعة رام الله مصطلحًا شائعًا بأوساط الناشطين المهتمين بلمّ شمل الصف الوطني.
وهو تطور مُهم لا ريب لأن الأمل بات معلقا على استمرار الصمود والمقاومة، في ظل التئام الشمل الفلسطينى تحت أي راية تتبنى الحلم المؤجل، وتتمسك بثوابت القضية دونما عبث أو تفريط.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق