الأربعاء، 11 فبراير 2009

حماس....حذار من الحسابات الخاطئة ... بقلم : صالح النعامي

لم يكن من المستغرب أن تدلل نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه المركز الفلسطيني لإستطلاع الرأي العام على تعاظم التأييد الشعبي لحركة حماس في أوساط الفلسطينيين وتحديداً في الضفة الغربية، وإرتفاع معدل الثقة برئيس الوزراء إسماعيل هنية مقابل تهاوي الثقة بالرئيس محمود عباس؛ فالصمود العظيم للجماهير الفلسطينية و المقاومة بقيادة حركة حماس كان له بالغ الأثر في تسليط الأضواء على الفروق الواضحة بين المعسكر المؤمن بالمقاومة والذي يقدم التضحيات في سبيلها، والفريق المراهن على التسوية السياسية العبثية ومستلب لأوهامها. ومع ذلك، فمن المحظور على قيادة حركة حماس أن تصل إلى استنتاجات خاطئة في رهاناتها على نتائج هذه الحرب، وأن تسقط ضحية حسابات مضللة، لأن هذه الحسابات من شأنها أن تفقد الحركة كل المكاسب السياسية التي حققتها، أن لم يكن أكثر من ذلك.

الحرب في بدايتها

من الأهمية بمكان أن يوضع توصيف دقيق لنتيجة الحرب على غزة، فعلى الرغم من أن إسرائيل فشلت في تحقيق الكثير من أهدافها في الحرب بفعل صمود المقاومة والشعب، إلا أن نتيجة الحرب لم تؤدي إلى قمع الرغبة الإسرائيلية في مواصلة العدوان، بل على العكس تماماً، فنتيجة الحرب فاقمت من سعار هذه الرغبة. وحتى نكون أكثر دقة، فأن إسرائيل لم تفقد من الخسائر الشرية بشكل يدفع المجتمع الإسرائيلي للضغط على قيادته السياسية لإعادة تقييم موقفه من قطاع غزة ومن حركة حماس تحديداً، بل على العكس، فنظراً لأن الحرب انتهت دون وقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، فإن المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر تحمساً لشن مزيد من الحروب والعدوان على غزة وعلى حماس تحديداً. بكلمات أخرى فأن الحرب على غزة فتحت شهية إسرائيل لشن مزيد من الحروب العدوان على القطاع. ولعل الذي يدلل على دور الحرب في دفع المجتمع الإسرائيلي نحو جنون التطرف، هو التأييد الواسع لحزب " إسرائيل بيتنا " بقيادة أفيغدور ليبرمان الذي دعا إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة. وتكتسب هذه النتيجة أهمية إذا عرفنا أنه من المتوقع أن تشكل حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل بعد الإنتخابات الإسرائيلية بزعامة رئيس الليكود بنيامين نتنياهو الذي أكد أن على رأس أولوياته القضاء على وجود حركة حماس في غزة. وهذا يعني أن الحرب الأخيرة هي جولة في حرب لم تنتهي بعد، وبالتالي ليس من الحكمة الإعلان عن نصر في حرب لم تضع أوزارها بعد.


معضلة إعادة الإعمار
على الرغم من أن الخسائر في المدنيين هو إحدى سمات المواجهات غير المتكافئة بين الإحتلال والمقاومة في كل أرجاء العالم، فأنه من الواضح تماماً أن عدد الخسائر في الجانب الفلسطيني خلال الحرب الأخيرة كان كبيراً بشكل خاص، وأسفر عن تدمير فظيع، ترك عشرات الآلاف بدون مأوى. ففي ظل هذا الواقع، ليس من الحكمة الإستغراق في إجراء الإحتفالات بالنصر، بل يجب إعمال التفكير في كيفية وضع حد لمعاناة المشردين، لأن بقاء هذه المعاناة لوقت طويل سيؤدي إلى خفض سقف توقعات وآمال الناس. كلُ من إسرائيل والكثير من الأطراف العربية والفلسطينية تحاول أن تبتز حركة حماس من خلال عملية إعادة الإعمار ودفعها إلى تقديم تنازلات سياسية.

تقدير الأوضاع الدولية والإقليمية بشكل دقيق

أحد مظاهر الفشل الإسرائيلي في الحرب الأخيرة هو تعزز موقف حركة حماس سياسياً وجماهيرياً سواءً داخل فلسطين وفي الفضائين العربي والإسلامي، في الوقت الذي تكرس إغتراب فريق رام الله، وخير دليل على ذلك المظاهرات التي عمت الكثير من الدول العربية والإسلامية تطالب بعدم السماح لأبو مازن بزيارة هذه الدول. لكن هذا يجب أن يدفع حركة حماس إلى محاولة الإنفتاح ما أمكن على الدول العربية بغض النظر عن توجهاتها، وعدم حصر ذاتها في محور محدد. صحيح أن حماس لم يكن لديها خيار سوى الإرتباط بمحور محدد بعدما أجبرتها على ذلك أنظمة الحكم في دول ما يعرف بـ " محور الإعتدال " التي ناصبت حماس العداء وشاركت في معاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الديموقراطي، اعتقاداً من هذه الأنظمة أنها بذلك تثبت حرصها على تحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية. ومع ذلك على الحركة ألا تيأس من محاولات إقامة الجسور مع هذه الأنظمة، مع العلم أن الحركة قد لا تنجح في محاولاتها هذه، لكن عليها أن تواصل المحاولة وذلك إنطلاقاً من رؤية تقوم على المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني. في نفس الوقت فأن على الحركة محاولة إلتقاط المبادرات الدولية ومحاولة البناء عليها، وعدم التسرع في رفضها. فلم يكن من الحكم ان يسارع أحد المتحدثين بإسم الحركة لمهاجمة مبعوث اللجنة الرباعية توني بلير عندما دعا الى ضرورة إشراك حماس في العملية السياسية وفق " شروط مناسبة "، قاصداً عدم الإشارة إلى شروط اللجنة الرباعية المعروفة. صحيح أنه من المستحيل أن تتوفر الظروف التي تسمح لحماس بالإنخراط في العملية التفاوضية الوهمية في ظل هذه الظروف، لكن كان من الحكمة التعامل إعلامياً بشكل مختلف تماماً، ومحاولة المناورة بقصد توفير الظروف التي تسمح للحركة بالعمل في الساحة الدولية بشكل أفضل.

تحدي إستعادة الوحدة

صحيح أن الرئيس أبو مازن يتحمل مسؤولية كبيرة عن حالة الإنقسام التي تعصف بالشعب الفلسطيني، فضلاً عن أن دوره في الحرب الأخيرة على القطاع يثير الكثير من الشكوك المبررة، لكن ومع ذلك يتوجب عدم اليأس من محاولات استعادة الوحدة الوطنية، وذلك ليس لتحقيق مصالح حماس، أو مصالح أبو مازن وجماعته، بل لأنه بات في حكم المؤكد أن بقاء جرح الإنقسام النازف يعني ضمان بقاء منفذ يتسلل من خلاله أعداء الشعب الفلسطيني لضرب قضيته. ففي ظل الإنقسام يسهل على إسرائيل مواصلة العدوان على حماس وقوى المقاومة من جهة، ومن جهة أخرى يسهل عليها التملص من دفع استحقاقات المفاوضات العبثية. لا يوجد فصيل فلسطيني مهما كان بإمكانه أن يتصدى لمهمة التحرير، فهذه مهمة توجب تجند كل القوى الفلسطينية وحشد أكبر عدد من الأطراف العربية والإسلامية، وهذا يتطلب توفر الإستعداد لبناء قواسم مشتركة مع الجميع، وضمن ذلك الإستعداد لإبداء تنازلات سيما تلك التي ترتبط بالمصالح التنظيمية الضيقة. ومن هذا المنطلق يتوجب العمل بكل قوة لدعم الجهد الذي يقوم به الأستاذ هاني المصري مدير مركز " بدائل " صاحب مشروع " نداء الوحدة "، الهادف الى وضع حد لحالة الإنقسام، ونتمنى أن يشكل المؤتمر الوطني الذي سيتم عقده من قبل المركز أواخر الشهر الجاري نقطة تحول نحو توفر الظروف لإستعادة الوحدة الوطنية.

أن ما قلناه سابقاً يأتي من باب التقدير الكبير لدور حركة حماس الوطني والتاريخي بوصفها الحركة التي تقود النضال الوطني الفلسطنيي، وحرصاً على توفر الشروط اللازمة لنجاح مشروع التحرير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق