بعد ان انهار اختراع "الاحتلال المتنور" فوق رؤوس الآلاف من الادميين من اسرائيليين وفلسطينيين جاءنا الراس اليهودي ليبتدع اختراعا جديدا "اسقاط حماس". السياسيون وعدونا طوال عشرين عاما بان الفلسطينيين سيشغفون باسيادهم ان اعطيناهم قدرا كافيا من الجزر. بعد ان تبين ان الجزرة الاكبر حتى - "العروض السخية" التي وضعت على طاولة المفاوضات السياسية – لم تهدىء الجيران، قام ايهود باراك وتسيبي لفني اشهار هراوتهم.
الفرق بينهما وبين ما يقترحه اليمين في كل ما يتعلق بالسياسة المتبعة في المناطق عموما وغزة على وجه الخصوص هو استخدام اكثر شدة للعصا. لشدة المفاجأة حماس ليست عصية على الانهيار لا بل ان عملية "الرصاص المصهور" قد رسخت مكانتها في الشارع العربي عموما وفي المناطق على وجه الخصوص. وما هذه الا البداية.
رغم سنوات الصراع الطويلة والعدد اللامتناهي من الحروب والعمليات لم نتعلم حقيقة ان معاييرنا "للانتصار" و "الحسم" مغايرة لتلك المتبعة لدى الخصم. رغم نسبة الدمار والضحايا فقد تكرست حرب لبنان في الوعي العربي كما قال موشيه يعلون، كانتصار بطولي على الجيش الاقوى في الشرق الاوسط. وبسبب كثرة الاولاد القتلى في عملية غزة الاخيرة هناك مكانة مشرفة ومحترمة لهذا الحدث في الكفاح السامي الذي يخوضه داوود الفلسطيني المسلح بالقسام البدائي ضد جوليات الاسرائيلي المزود بطائرات الـ اف – 10. وبنفس المقياس، لا توجد للسجان اية امكانية لحسم المعركة عسكريا في الساحة الدولية والاقليمية والفلسطينية.
عندما يسمع قادة حماس القادة الاسرائيليين وهم يتفاخرون باستعادة "الردع" يموتون من الضحك بالتأكيد، وهذا لا يعود فقط الى الصواريخ التي تواصل ردع سكان عسقلان. تهديد القاء المزيد من القنابل على غزة يردعهم مثلما تخيف عقوبة الموت مخربا انتحاريا وهو في طريقه لتنفيد عملية. ان كان كل قتيل في سديروت يضيف مقعدا لليمن فكل طفل يقتل في غزة هو مقعد جديد لحماس.
ووفقا لاولئك الذين يدعون (بدرجة كبيرة من الحق) ان حماس عميلة لايران فالمقعد الجديد الذي تكسبه حماس هو هدية اخرى لايران. الحصار المفروض على غزة والذي الحق ضررا فادحا بمصادر رزق الناس هو تعزيز اخر لقوة حماس. على المحتل الذي يمنع المرضى من التوجه للمستشفيات والطلاب من التوجه لمقاعد دراستهم ان لا يستغرب ان ظهر في نظرهم كعدو للشعب الفلسطيني وليس لحماس. الوعد باسقاط حماس بوسائل عسكرية بشبه وعد عقد "السلام الشامل" مع الشعب الفلسطيني. يبدو ان علينا ان نذكر مرة اخرى اننا امام صراع سياسي وليس اقتصاديا او عسكريا. حماس ليست "تنظيما ارهابيا" وانما حركة جماهيرية فازت في الانتخابات التي جرت بموافقة الاسرة الدولية وحكومة اسرائيل. عندما يكون الخصم حزبا سياسيا – مهما كان عنيفا – لا يكون من الممكن قلب قاعدة المفكر العسكري الشهير كارل فون كلاوزفيتش على رأسها :- "السياسة هي امتداد للحر ب بوسائل اخرى". او كما قالت لفني في الصحيفة هارتس:- "يتوجب النظر الى عملية "الرصاص المصهور" باعتبارها عملية عسكرية ذات اهداف عسكرية".
سواء راق الامر لتسيبي لفني ام لا هناك لعملية "الرصاص المصهور" نتائج سياسية وهي معاكسة للهدف الاستراتيجي الذي تدعي انها تسعى للوصول اليه:_ دولة يهودية وديمقراطية، الطريق الى هناك يمكن ان يقصر لو كان من الممكن ازالة حماس. لشدة الاسف الاحزاب العنصرية هي جزء من المشهد القائم في منطقتنا. ان كان حزب "اسرائيل بيتنا" قد شارك في حكومة الوحدة فبامكان حماس ان تفعل نفس الشي. اتفاق التهدئة طويل المدى المترافق مع سياق سياسي حقيقي هو القادر على انتزاع الدعم الشعبي من حماس واعادتها الى حجمها الطبيعي.
هارتس - 2/2/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق