الخميس، 5 فبراير 2009

احلى شعوب.... و يالله فيعوا :"انتفاضة الخمر" أعطت الفوز للمالكي

يقول الشاعر العراقي الراحل حسين مردان: «إذا أردت إسقاط أي حكومة في العراق، فدعها تمنع المشروبات الكحولية». «حكمة» لا تزال صالحة اليوم لتفسير فوز لوائح نوري المالكي في الانتخابات الأخيرة
بغداد ــ زيد الزبيدي
قد يُدهَش البعض لما لاحظه وطرحه مراقبون كثر في العراق، بأنّ «زجاجة الخمر» هي التي رجّحت كفّة قوائم رئيس الوزراء نوري المالكي «دولة القانون» في انتخابات مجالس المحافظات. إلا أن هذه هي الحقيقة، إلى جانب عوامل أخرى لا يُنكَر تأثيرها.وسواء اعترف المالكي بذلك أو لم يفعل، فإن سماح حكومته «الإسلامية» ببيع الخمور علناً، أكسبه شعبية كبيرة في صفوف مواطنيه، حتى بين فئات مَن لا يتناولون الكحول، أو من يرونها من المحرمات، لأنهم عدّوا ذلك إشارة إلى تخلي السلطات الحاكمة عن مشروع «الدولة الإسلامية». وغنيّ عن التذكير أن موجة استياء عام تسيطر على غالبية العراقيين حيال سلوكيات الأحزاب والجماعات الدينية المتطرفة، أكانت شيعية أم سنية، وصل الأمر ببعضها إلى إنشاء محاكم خاصة، تصدر وتنفّذ أحكاماً «شرعية»، خارج إطار المؤسسات الحكومية، لكن بموافقتها الضمنية.ويرى الكثير من الساسة، ومن ضمنهم قياديون في حزب المالكي، «الدعوة الإسلامية»، أن البعض يتعدّون على الثوابت الشرعية والقانونية، من خلال انتفاضهم على «المحرمات» التي تفنّن الساسة ــ الشيوخ في ابتكار المزيد منها منذ 2003.وترجع أولى بوادر «انتفاضة زجاجة الخمر»، إلى عام 2007، خلال حملة «صولة الفرسان» الأمنية في البصرة، وبعض مناطق بغداد، ثم تلتها محافظات في وسط بلاد الرافدين وجنوبها.وعلى الرغم من أن «صولة الفرسان» استهدفت بالأساس الجناح العسكري للتيار الصدري، «جيش المهدي»، إلا أن الشعار الذي كان مطروحاً آنذاك، هو «محاربة الخارجين عن القانون». شعار يشمل إلغاء محاكم الأحزاب الدينية، إضافة إلى إعطاء فسحة من الحريات الشخصية التي كفلها الدستور، ما أتاح الفرصة إلى العودة العلنية لبيع المشروبات في المدينة الجنوبية، والسماح بفتح محالّ بيع الأسطوانات الموسيقية، وإعادة الحياة للفنون التي اعتاد العراقيون ممارستها.وفي السياق، يشير بعض رواد الحانات التي أعادت فتح أبوابها في البصرة وبغداد ومحافظات أخرى، إلى أنّ العبارة التي تتردد بينهم خلال سهراتهم، هي «نخب أبي إسراء»، وهي كنية المالكي.ووصل التململ من هذا «الانفتاح المبالغ به» إلى صفوف «الدعوة» نفسه، إذ احتجّ عدد من قياديي الحزب الإسلامي على هذا «النهج الجديد»، لأنه يمثّل خروجاً عن الدستور، الذي نص على أن التشريع يجب ألا يتعارض مع الدين الإسلامي. وقد طالب هؤلاء بمعاقبة المروّجين للأغاني والمشروبات، وفق القانون، كذلك أصدر محافظ البصرة قراراً بالمنع وإنزال العقوبات بحق المخالفين.ويبدو أنّ «زجاجة الخمر» كانت أقوى من كل تلك الأصوات التي خفتت أمام واقع جديد، أصبحت فيه التيارات الدينية السياسية هي المتهمة بخرق القانون والدستور من خلال العديد من الممارسات الشاذة، التي حاولت طوال السنوات الستّ الماضية فرضها على المجتمع العراقي.إلا أن ظاهرة «انتفاضة الخمر»، التي أطاحت التيارات الدينية، لم تكن سوى شرارة أولى، أو مؤشر بالغ الأهمية على هشاشة التيارات الدينية والطائفية، التي سرعان ما تنصلت من مشروع الدولة الدينية، واتجهت إلى شعار «دولة القانون»، تماشياً مع اتجاه الرياح.وبحسب المطلعين على الشأن العراقي، فإن العامل الذي ساعد على نجاح «انتفاضة الخمر»، هو أن غالبية أنصار الأحزاب والتيارات الدينية ومؤيديها، يقولون بتحريم المشروبات الكحولية، بينما يتداولونها أو يتناولونها أكثر من غيرهم. وعلى حدّ تعبير بعض «منظّري» هذه التيارات، فإن «حب الأئمة وموالاتهم يضمن لهم الشفاعة، ويمحو كل ذنوبهم وأخطائهم أمام الخالق».كذلك لاحظ مراقبون أن الكثير من أصحاب التوجهات الطائفية، إنما ركبوا الموجة لأسباب مصلحية، وسرعان ما تخلوا عنها، وانحسار موجة الحجاب والتحجب لدى النسوة في الحزب الشيوعي العراقي، ليس سوى دليل بارز.ويدلّ انتشار محالّ المشروبات الكحولية، وحتى الملاهي الليلية، خلال السنتين الأخيرتين، إلى أن المالكي، أبدل «دشداشته» بالملابس الغربية وربطة العنق، وأنهى عملياً، حزب «الدعوة الإسلامية»، الذي أصبح «حزب سلطة»، يحاول الاحتلال إدارة توجهاته العامة، بحسب ما يرغب به من «ديموقراطية شكلية»، قد تقترب من النمط التركي، بهدف ضمان ابتعاده عن إيران.إلا أن «انتفاضة الخمر»، التي أعطت للمالكي أصواتاً ما كان يحلم بالحصول عليها، تحمل في طياتها مدلولات أخرى، في مقدمتها تصفية التيارات الدينية المتطرفة. وبحسب توقعات المراقبين، فإن المرحلة المقبلة، التي ستكون فيها قوة «المجلس الأعلى» قد انحسرت جدياً، سوف تشهد «صولة» أو «صولات» جديدة لتنقية الشرطة العامة وشرطة المحافظات من ميليشيات «المجلس الإسلامي» و«منظمة بدر»، في ترجمة حرفية لما كان قد تعهّد به المالكي، حين تحدّث عن ضرورة تنظيم «صولات جديدة» لمحاربة الفساد الإداري والمفسدين.
تأسّس حزب «الدعوة الإسلامية» عام 1957 على يد عدد من كبار رجال الدين الشيعة، في مقدمتهم محمد صالح الأديب ومرتضى العسكري ومحمد مهدي الحكيم وغيرهم. والهدف من تأسيس الحزب، كان السعي لتأسيس دولة إسلامية في العراق، ومحاربة القيم العلمانية والحركات الشيوعية ذات القوة الكبيرة في تلك الفترة.وبعد انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979، باتت طهران مقرّ الحزب المحظور في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، بينما اختار المالكي (الصورة) المنفى السوري.

المصدر : الأخبار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق