يمثل موسى بن ميمون نموذجاً فذاً للنجاح اليهودي في دولة الخلافة الإسلامية، فالرجل يهودي لم يخف دينه ومع ذلك وصل إلى منصب طبيب الخليفة فوزيره .وهذه الشخصية العربية التي تدين باليهودية هي نفسها التي كتبت التلمود الذي لا زال يكتب صفحاته حتى اليوم حاخامات اليهود(التلمود كتاب الدين والدنيا اليهودي تزاد صفحاته بحسب التقليد اليهودي كل ما مر يوم )لقد كان المسلمون في الأندلس - إسبانيا حملة السلاح والوظائف، وكان اليهود بالاضافة الى المساهمات الفكرية لهم في الأندلس، صناعاً مهرةً في المهن اليدوية كصياغة الذهب والفضة وفي أعمال المعادن والدباغة، كما كانوا الواسطة بين العالم المسيحي والإسلامي في التجارة، لهذا ظهر منهم تجار جابوا أوروبا و الشرق الأوسط بل حتى الشرق الأقصى.في القرن الحادي عشر ابتكر التجار اليهود في اسبانيا صكوكاً (شوفاتاجية – سفتجة ) في التجارة، وربما كانت الأولى في التاريخ في المعاملات التجارية.في القرن الحادي عشر غزى البربر قرطبة فسقطت المملكة الأموية الى الأبد وحل زمن ملوك الطوائف ، وبقي اليهود يعملون كأطباء وتجار ودارسين ، وقد مارس الوزارة منهم (صاموئيل نكريلا) وابنه (جوزيف) ولأول مرة عملا قائدين في الجيش الاسلامي .استمر الحكم العربي الإسلامي من عام 711 ميلادية أي من بداية القرن الثامن حتى نهاية القرن الخامس عشر 1492 وكان (العصر الذهبي اليهودي في الاندلس) هو (العصر الذهبي الأموي) الذي يسمونه ايضا عصر الموريش (Moorish) أي البحريين ، انتهى (العصر الذهبي اليهودي في الاندلس) بسقوط آخر قلاع العرب في غرناطة مع حصارها واستسلام آخر ملوك بني الأحمر، وجاء عصر المسيحيين الإسبان ومحاكم التفتيش التي كانت تحرق المسلمين واليهود جماعيا أو تجبرهم على اعتناق المسيحية.وقد فرّ إلى المغرب العربي الإسلامي ومصر واليمن مئات آلاف اليهود في ذلك الزمن، مات عشرات الآلاف منهم في الطرق التي سلكها اليهود والمسلمون جنباً إلى جنب هرباً من المذابح المسيحية، إلى بر الأمان في الدولة الإسلامية على الضفة الأخرى من البحر.في العصر الذهبي لدولة المسلمين في الأندلس، مارس اليهود درجة عالية من المكانة ليس هبة من الحكم الإسلامي وتسامحاً منه فقط، بل لمكانتهم العالية في ثقافة ذاك الزمان، وعلوهم في الصناعات اليدوية التي كانت قائمة في ذاك الزمن. و تحت حكم المرابطين في 1090 تمتع اليهود بمكانة كبيرة ، فبرز منهم الشاعر (أبو أيوب بن المعلم) و (إبراهام بن كمنيال) و (أبو إسحق بن مهجر) و (سولومون بن فاروسال) .وفي تلك الفترة عاش اليهود والمسلمون في طليطلة ،وهي فترة ترجمة بعض المخطوطات العربية الى اللاتينية، منها أعمال ابن رشد وابن سينا،في هذه المرحلة انضم أربعون ألفاً من اليهود إلى (الفونسوا السادس) لمقاتلة المرابطين، فلما هزم المرابطون المسلمون بطش الفونسو باليهود وقال لهم كلمته المشهورة:" من خان من أكرمه (أي المسلمون) لا يأمن لهم من كفروا بربه "عاد الاسبان الى الأندلس، فصدر قرار طرد اليهود والمسلمين في 1492 من إسبانيا والبرتغال أو القبول بالمسيحية بعد سلسلة من المذابح المسيحية ضد الطرفين.إن الكثير من المخطوطات الطبية العربية قد أحرقت بدوافع دينية مسيحية، و لهذا فقد ترجمت الكثير من المخطوطات الطبية العربية من ترجماتها العبرية.وإثر سقوط غرناطة غادر آخر ملوك العرب أبو عبدالله الصغير على فرسه في العام 1492 باكياً فقالت له أمه (ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال) وبذلك سقطت الأندلس (الفردوس المفقود) لليهود وللمسلمين .يصح القول إن اليهود في الأندلس عاشوا عصراً ذهبياً، لأنهم أتقنوا العربية بالإضافة إلى إتقانهم لغات أخرى لذلك ساهموا في إغناء التراث الثقافي العربي بظهور عباقرة منهم في الثقافة.وكتأكيد على الفكرة التي نطرحها عن ودية التعامل الإسلامي اليهودي عبر التاريخ ما قبل اغتصاب فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، يقول الراباي (الحاخام) اليهودي السوري بيار كنعو الذي عاد من هجرته إلى دمشق لكي يرعى الكنيس وبضع عشرات من يهود سوريا التي يزورها المئات منهم سنوياً، من أميركا وكندا لتفقد أملاكهم ومواطن طفولتهم، يقول الراباي بيار إن " يهود سوريا والعراق ولبنان، هاجروا إليها من الأندلس بعد سقوطها بيد المسيحيين هرباً من المجازر"وفي مقابلة مطولة أجرتها معه الكاتبة الكندية الصديقة ميليسا كوكينيس، أكد الراباي أن يهود إسبانيا بعد هروبهم إلى المغرب استوطن الكثير منهم تلك البلاد ،و آخرون أكملوا الطريق باتجاه السلطنة العثمانية المسلمة، وسكنوا في إسطنبول ودمشق وبغداد وبيروت والموصل و القامشلي وإدلب.وعن هجرتهم إلى الغرب قال: الأسباب إقتصادية كما هي بالنسبة لملايين السوريين الذين هاجروا أيضاً وهم مسلمون ومسيحيون، مؤكداً بأن أملاكهم وأرزاقهم في دمشق لم تمس وأنهم وهم في أميركا والغرب، كان وكلائهم من المسلمين يجمعونها لهم في البنوك .مضيفاً بأن التاريخ اليهودي مليء بالتعاون والسلام مع المسلمين في الشرق.(من فيلم وثائقي بعنوان خلف بولس إلى دمشق 2007 ) .أما في المغرب وفي اليمن وفي العراق وسوريا ولبنان، فقد عاش مئات آلاف اليهود عبر العصور الوسطى والمتأخرة وحتى القرن العشرين بلا أي مشكلة أو حروب بين الطرفين.وكانوا مقبولين ومندمجين في المجتمعات العربية يمارسون أرقى أنواع الأعمال والتجارة والصناعة والبنوك ولكن قيام دولة الكيان الصهيوني وتر العلاقة بين الطرفين وبدأت الأجهزة الصهيونية الأمنية والإعلامية بارتكاب سلسلة من التفجيرات في أماكن وجودهم ، وحروباً نفسية على اليهود لتهجيرهم إلى فلسطين المحتلة.ولا تزال فضيحة الموساد في العراق وفي مصر ماثلة للأذهان، حيث قام هذا الجهاز الإجرامي بتوريط اليهود في أعمال تفجيرية إرهابية ضد السفارات والمصالح الأميركية والبريطانية في القاهرة فيما عرف بفضيحة لافون، وفي بغداد قتل الموساد بالتفجير عشرات اليهود لكي يتهم العرب بذلك .ولكن السلطات العراقية إعتقلت الفاعلين وحاكمتهم وكانوا يهوداً من حملة الجنسية الإسرائيلية.
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق