الثلاثاء، 3 فبراير 2009

منظمة التحرير والنفخ في جسد ميت ... بقلم : باسم النبريص

منظمة التحرير التي لم تكن منظمة ولا تحريراً، منذ سنوات طوال طوال، يأتي اليوم من يذكّرنا بأنها بيتنا السياسي، وأنها وأنها.. مع أنها صارت اسما بلا مسمى، منذ ما قبل اتفاقية أوسلو وإلى هذه اللحظة. منظمة التحرير حقيقة انتهت. ولم يبق منها إلا أطلالها. أطلالها التي لا تستحق من أي فلسطيني، سوى المستفيدين، البكاء عليها. والحقيقة أنّ من ألغى وقتل هذه المنظمة، هم أقطاب السلطة الفلسطينية وليس حماس أو سواها من فصائل عملنا الوطني. فمنذ تأسيس تلك السلطة، رأينا نحن فلسطينيي الداخل، مسعاهم الحثيث، لتهميشها وتمويتها، وإلغائها حتى. ولقد استغربنا واستنكرنا ذلك في البداية، لكننا فهمنا في الأخير، أنّ مسعاهم ذاك ليس صدفة، بل هو من قبيل التناغم مع التطورات السياسية في المنطقة. إنهم يريدون دفن هذا الإرث، ولقد دفنوه حقاً، عبر ممارساتهم الطويلة المعروفة. والآن، حين قالت حماس ما قالته، قامت الدنيا ولم تقعد. وصرنا نراهم يدافعون عن منظمة التحرير وكأنها جدارهم الأخير. مع أنّ هذا كذب. فالحريص على المنظمة، ما كان له أن يفعل بها ما فعل. والحريص على البيت السياسي والمعنوي للفلسطينيين، ما كان له أن يهمّشه ويلغيه، بعد أن وضعه سنوات طوال في البرّاد. لسنا مع دعوة حماس. بل ونرفضها أيضاً، وبكل حزم. لكننا كذلك لسنا مع إبقاء المنظمة اسماً بلا مسمى وإطاراً لشيء لم نعد نعرف ماهيته وآليات عمله وكينونته.كما لسنا مع إبقاء هذا الجسم، على حاله الراهن البائس.
فالمنظمة الآن، لا تمثل سوى قوى محددة ومصالح أشخاص لا وجود لهم في الشارع ولا يمثلون سوى شخصياتهم، في حين ثمة قوة أخرى كبرى، من حقها التواجد في المنظمة بقدر حجمها في الشارع.لن يجدي فتيلاً، الالتفاف على ذلك.لن يجدي فتيلاً، الرضوخ لإملاءات إسرائيل وأمريكا.لن يجدي فتيلاً دفن الميت، وعندما نحتاجه، نبعثه للحياة.
إذا أردتم صالح الشعب الفلسطيني، فالطريق معروفة، وما من حاجة للفّ والدوران.
لقد أصبحت منظمة التحرير مزرعة خاصة للبعض.لم تعد تمثل كل أطياف الشعب الفلسطيني.تم تهميشها.تم تقزيمها.تم إفراغها من كل المعاني التي أسستها.بل تم تفصيلها على مقاس قلة فقط. قلة نعرفها ونعرف توجهاتها ونعرف مصالحها.ونعرف، قبل وبعد ذلك، أنها لا تمثّل إلا نفسها.لا تمثل 11 مليون فلسطيني في الداخل والشتات.ولا تمثل المصالح العليا لهذا الشعب المنكوب.تمثل قلة من العواجيز لا غير.قلة تجاوزها الزمن، وصارت من كراكيب الماضي.لهذا، أنا شخصياً، لا أشعر بأن هذه المنظمة تمثلني.ولا أشعر بها معنية بي.أقول ذلك حتى لا أتكلم باسم الغالبية من شعبي.
إذا أردتم بقاء هذا الجسم فلتجعلوه جامعاً لكل ألوان قوس القزح.ربما حينها نستطيع بعث أنفاس الحياة فيه. أما بقاء الحال على ما هو عليه، فشيء مسخرة.شيء لا يليق بشعب يتعرض للأهوال.لقد كانت المنظمة مهيمناً عليها من قبل تنظيم فتح.وبعد أوسلو، هيمنت السلطة على فتح التنظيم، وعلى المنظمة معاً.والآن، فإن المنظمة لا تمثل في الحقيقة سوى رموز وقيادات هذه السلطة.ونحن أبدا لن نكون مع أي مهيمن.لن نكون إلا مع إعطاء ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
هل تعرفون أن ثمة من يمثل صدام حسين في قيادة اللجنة التنفيذية لهذه المنظمة إلى هذه اللحظة؟هذا مثال واحد فقط على ما يعانيه هذا الجسم المهلهل من الخراب.
ثم هل تعرفون أن أمين سر اللجنة التنفيذية لهذا الجسم هو رجل لا يمثل حتى فصيله الميكروسكوبي؟ إنه يمثل نفسه فقط. فهل يجوز لرجل بهذه الصفة أن يتقلد أعلى منصب في منظمة التحرير؟
لقد آن أوان خيارين: إما منظمة تحرير تمثل جميع قوى الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. أو جسم بديل، يفعل ما لم تقدر هذه المنظمة على فعله حتى الآن.صدقوني ليس من خيار ثالث. فما عاد التأجيل ولا المناورة ولا المداورة، ولا المراوغة، ما عاد شيء من كل هذا يُجدي.فلا تعطوا الفرصة لغيركم بأن يملأ هو الفراغ.ثمة فراغ، ومن قوانين الدنيا أن يُملأ الفراغ.فلنملأه معاً وجميعاً.فتح واليسار وحماس والجهاد وقوى المجتمع المدني.هذا هو الطريق. وهذا هو العدل. وهذه هي الديمقراطية. وهذا هو الحق. ومن يلتفّ على كل هذا، لن يجد نفسه في نهاية الحكاية إلا معزولاً. حتى لو وقفت معه كل قوى الخارج. فما من شرعية لأحد، إلا من داخل شعبه، ومن داخل مؤسسات هذا الشعب. هذا الشعب بالأخصّ.لقد تجاوزنا مرحلة البكاء على الأطلال.لن نبكي على منظمة لم تعد منذ زمن طويل تمثلنا.لن نبكي على منظمة مرهونة ورهينة في يد الآخرين.لن نبكي على اسم بلا مسمى.إنها الفرصة الأخيرة، فلنهتبلها، قبل أن تصبح لنا عدة أجسام، فنزيد فرقة على فرقة، وضياعاً على ضياع. فلا يفرح بنا صديق ولا حتى عدو!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق