ترجمة/ شيماء نعمان
ولا يمكن مع ذكر جرائم الحرب الصهيونية في غزة- من قتل وجرح آلاف المدنيين الفلسطينيين واستخدام أسلحة محرمة دوليًا، وتدمير المنازل والمدارس والمساجد- ألا نشير إلى عبارة الاعتذار التي تضمنتها كلمة رئيس الوزراء الصهيوني، "إيهود أولمرت"، خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في تل أبيب حين أعلن وقفًا أحادي الجانب لإطلاق النار في قطاع غزة. حيث قدم أولمرت اعتذاره للمدنيين الفلسطينيين عما حل بهم من قتل وخراب، قائلاً: إنهم لم يكونوا هم المستهدفين في الأصل. وهذا ليس صحيحًا أيضًا، فقد أظهرت تقارير ميدانية وأقوال شهود عيان أن القوات الصهيونية استهدفت المدنيين وقتلت الأطفال بدم بارد دون أن يطرف لها جفن.
ونعرض في السطور التالية تقريرًا للكاتب والصحفي المستقل "بن وايت" الذي حاول من خلاله تحليل الأسباب التي جعلت من استهداف المدنيين هدفًا في حد ذاته أمام الجيش الصهيوني؛ ملقيًا بالضوء في الوقت نفسه على الفرق بين الأهداف المعلنة للحرب الصهيونية على غزة والأهداف الحقيقية الكامنة في العمق.
وتحت عنوان ""إسرائيل" أرادت أزمة إنسانية" نشرت صحيفة الجارديان البريطانية يوم الثلاثاء 20 يناير تقرير وايت وجاء فيه:
إن حجم الهجوم الذي شنته "إسرائيل" على قطاع غزة، والتقارير شبه اليومية عن جرائم الحرب التي ارتكبتها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، قد أثارت الانتقادات ضدها حتى من قبل الأصدقاء والمتعاطفين معها منذ أمد طويل.
وبالرغم من حملة العلاقات العامة الشاملة التي خططت لها طويلاً الحكومة "الإسرائيلية"، فإن قتل مئات الأطفال حصيلة من العسير إيجاد تبرير لها. وكما وصفها مستشار إعلامي سابق بالحكومة في توضيح رائع وبتهكم غير متعمد، قائلاً: "عندما يكون لديك طفل فلسطيني في مواجهة دبابة "إسرائيلية"، كيف يمكنك أن تفسر الدبابة على أنها هي داود والطفل هو جالوت؟"
وبالرغم من عدد كبير من القرائن التي تضمنت أهداف "إسرائيل" من عملية "الرصاص المصبوب"، والتصريحات العلنية التي كان يطلقها الزعماء "الإسرائيليون" بين الحين والآخر، ومناورة وقف إطلاق النار في نهاية هذا الأسبوع، فإن الكثير من التحليلات التي قدمها السياسيون أو المعلقون جاءت محدودة لدرجة مخيبة للآمال، كما اتسمت أيضًا بافتراضات خاطئة أو تأكيدات لا محل لها بشأن دوافع "إسرائيل" من وراء العملية.
الدوافع الصهيونية والتملص من الجريمة
أولاً، بالنسبة لما لم تكن هذه الحرب على غزة بشأنه؛ فإنها لم تكن بشأن الصواريخ. فأثناء فترة الهدنة العام الماضي، انخفض معدل إطلاق الصواريخ من غزة بنسبة 97%، إلى جانب القذائف القليلة التي كانت تطلقها جماعات غير تابعة لحركة حماس ومعارضة للهدنة. إلا أنه بالرغم من هذا النجاح في تحقيق تحسن كبير في أمن "الإسرائيليين" في الجنوب، فقد قامت "إسرائيل" بعمل كل ما في استطاعتها لتقويض ذلك الهدوء، واستفزاز حماس إلى معركة.
ونقضت "إسرائيل" اتفاق وقف إطلاق النار في الرابع من نوفمبر بهجوم على قطاع غزة قُتل فيه ستة من عناصر حماس، كما شددت من حصارها للمنطقة بصرامة في اليوم التالي. وقد تقلصت الواردات إلى 16 شاحنة في اليوم، بعد أن كانت 123 شاحنة يوميًا في الشهر الذي سبقه مباشرة (و475 شاحنة في مايو 2007). وبعد التصاعد غير المستغرب في الهجمات الفلسطينية، أعلن المسئولون "الإسرائيليون" أن شن حرب شاملة صار أمرًا لا مفر منه؛ دون ذكر أن هناك عملية كان يتم التخطيط لها فعليًا منذ عدة شهور.
ثانيًا، العملية الراهنة تعلقت على مستوى محدود فقط بكلٍ من الانتخابات "الإسرائيلية" القادمة وباستعادة ما يسمى بقوة ردع جيش الدفاع "الإسرائيلي". ولكن بينما قد تبين أن النهج الصارم في التعاطي مع ما يسمى بـ "الإرهاب" الفلسطيني يمكن أن يؤثر إيجابيًا على الرأي العام "الإسرائيلي"، فإن الحروب ليست بالضرورة تكتيكًا مفضلاً لدى السياسيين "الإسرائيليين" -- وكانت حرب لبنان قد اندلعت بعد بضع شهور من الانتخابات آنذاك.
وقد كان من المفترض أن تسترد "إسرائيل" أيضًا سمعة قواتها المسلحة "وعنصر ردعها" بعد أن تعرضا للإهانة في لبنان عام 2006. ولكن يكفي القول إنه وحتى قرار وقف إطلاق النار أحادي الجانب في نهاية الأسبوع- في قطاع يعتمد على الإعانات ويدافع عنه ميليشيا تكاد تكون في عزلة- فقد استغرقت العملية "الإسرائيلية" وقتًا أطول ثلاث مرات من حرب عام 1967 عندما هزمت "إسرائيل" جيرانها من العرب واحتلت بقية فلسطين المنتدبة.
وهذه الدوافع الثلاثة المذكورة وصلت في بعض الأحيان إلى مستوى المعرفة الافتراضية، مقدمة الأساس لمزيد من التعليقات والتقارير. إلا أنه إذا تم الاستناد على ذلك النوع من التحليل، إذن ستوضع الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين في إطار أنها فقط "غير متناسبة" أو "قمعية"، ولكن مبررة كقضية دفاع عن النفس بصورة أساسية؛ حيث من المعروف أن أية دولة ديموقراطية من شأنها أن ترد على نيران صواريخ "الإرهاب"، وأن "إسرائيل" قد ذهبت بعيدًا "بعض الشيء".
تعمد استهداف المدنيين في غزة
ومع ذلك، فليس هناك أي نقص في الأدلة التي تشير إلى وجود أهداف "إسرائيلية" أخرى مختلفة تمامًا عن تلك المعلنة. فتقديرات نسبة الوفيات في صفوف المدنيين- من بين 1360 قتيلاً فلسطينيًا - تتراوح بين النصف والثلثين.
وعادة ما يتنصل السياسيون والدبلوماسيون والصحفيون مما هو واضح للعيان، وتحديدًا أن "إسرائيل" قد استهدفت عن عمد المدنيين الفلسطينيين، والبنية التحتية لأية حياة طبيعية؛ وذلك من أجل تلقين الأهالي المحليين درسًا بأفضل أسلوب استعماري.
وبالنظر إلى فداحة حجم ما وصفه الفلسطينيون بأنه "حرب إبادة"- كما يبدو أن نحو 15% من أبنية قطاع غزة قد دمرت تمامًا أو انهارت، وأن حجم الدمار في البنية التحتية المدنية يقدر بنحو 1.4 بليون دولار- فإنه من المستحيل حصر جميع الفظائع. فقد استهدفت"إسرائيل" على نحو متكرر سيارات الإسعاف، والطواقم الطبية، والعيادات، والمستشفيات، كما تعرض الأسبوع الماضي مجموعة من عاملي الإغاثة كانوا يقومون بمحاولة لإخماد حريق بمخزن تابع للهلال الأحمر (هاجمته "إسرائيل") لإطلاق النار على أيدي القوات "الإسرائيلية".
وقد هوجمت كذلك منشآت تابعة لمنظمة "الأونروا" شملت العديد من المدارس التي تأوي المدنيين، ففي نهاية هذا الأسبوع تعرض ملجأ للمدنيين للقصف أكثر من مرة. كما تعرض الأسبوع الماضي مقر الأمم المتحدة لقصف استهدف مركزًا مهنيًا، وورشة، ومخزنًا للأغذية، ومستودعًا للوقود. ومثلما حدث مع مذبحة السادس من يناير، فقد بدأ المسئولون "الإسرائيليون" على نحو سريع في إصدار تشويشات مربكة من الإنكارات، والاعتذارات، والتعهد بتحقيقات.
وتلك ليست إلا بعض الأمثلة لنماذج أكثر ترويعًا جراء العملية العسكرية التي استهدفت كل شيء بدءًا من المدارس، والصيارفة، ومزارع الطيور إلى مبانٍ سكنية بأكملها، وموانئ، وأسواق. لقد قُتل فلسطينيون عندما أطلقت الدبابات "الإسرائيلية" القذائف على الأحياء السكنية. إن كل يوم كان يجلب معه فظائع جديدة؛ ففي يوم الأربعاء الماضي، على سبيل المثال، قُتل 70 مدنيًا عزل بينهم 18 طفلاً على يد الجيش "الإسرائيلي". وقد أوردت صحيفة "الأوبزيرفر" هذا الأسبوع تقريرًا إخباريًا يتهم "إسرائيل" بتسوية منازل بالأرض بالرغم من وجود مدنيين بداخلها (ليس لأول مرة)، وإطلاق النيران كذلك على أولئك الذين كانوا يلوحون بالرايات البيضاء. ولا غرابة في أن المسئولين "الإسرائيليين" تكهنوا بقلق أن تلك "المشاعر السلبية" تجاه الوضع سوف "تتنامى عندما تظهر الصورة الكاملة للدمار".
والكثير من ذلك معروف على نطاق واسع ومن السهل الوصول إليه، إلا أن التركيز التحليلي لا يزال منصبًا على الصواريخ الفلسطينية، والانتخابات"الإسرائيلية"، وقوة الردع. وأود أن أقدم هنا ثلاثة أهداف بديلة لعملية "الرصاص المصبوب" تبتعد عما هو متداول من تفسيرات بشأنها، وأن أدعي مع "ديفيد برومويتش"، الأستاذ بجامعة "يال"، أنه: "إذا كانت "إسرائيل" في عام 2009 أحالت قسمًا كبيرًا من قطاع غزة إلى أنقاض وخلفت عشرات الآلاف من المشردين بلا مأوى، فإن هناك احتمالاً قويًا أن ذلك كان ما عزمت القيام به".
والهدف الأول هو إذلال وإضعاف حماس. فمن جهة، يبدو ذلك واضحًا، إلا أنه بالتناقض مع الكيفية التي غالبًا ما يُفهم بها الهدف، فإن ذلك غير معني في أساسه بحماية الشعب "الإسرائيلي"- فكما أوضحنا سابقًا، تعتبر اتفاقات وقف إطلاق النار والمفاوضات هي الأكثر ترجيحًا في توفير الأمن للمواطنين "الإسرائيليين"- بل هي هدف سياسي. وقد صمدت حماس أمام عزلة، وحصار، واعتقالات جماعية، ومحاولة انقلاب مدعومة من الغرب. علاوة على ذلك، فقد بدأت في الظهور انقسامات في عزم المجتمع الدولي لمحاكاة موقف "إسرائيل" من حماس. فالجماعة بمرونتها وقدرتها على تقديم اتفاقات لوقف إطلاق النار من خلال المفاوضات، كانت تمثل تهديدًا لفرص إبرام اتفاق مع جناح "المعتدلين" في رام الله، وعلى ذلك:
كان توجيه ضربة قاصمة لتمزيق الحركة، ودفع بعض شظاياها في اتجاهات من شأنها أن تضعهم من جديد في وضع غير مقبول هو الطريق الأكثر فاعلية لإبعاد تلك الأطراف الثلاثة عن الوصول إلى استنتاج مفاده أن إشراك حماس يمكن أن يعزز احتمالات السلام أكثر من استبعادها.
وبالعودة إلى شهر ديسمبر، قبل نهاية الهدنة التي استمرت ستة شهور وقبل بدء عملية "الرصاص المصبوب"، صرحت وزيرة الخارجية "تسيبي ليفني" أن تمديد الهدنة "يضر بالهدف الإستراتيجي لـ "إسرائيل"، ويعزز من قوة حماس، ويعطي انطباعًا بأن "إسرائيل" تعترف بالحركة".
إلا أنه في نهاية الشهر نفسه نرى ليفني تخبر مؤتمرًا صحفيًا أن "حماس تريد الحصول على الشرعية من المجتمع الدولي"، مشددة على أنه من "الهام منع حماس من أن تصبح منظمة ذات شرعية" – وكأن الفوز الواضح في انتخابات ديموقراطية ليس كافيًا لإضفاء الشرعية.
وكما اختارت "إسرائيل" "الدم في مقابل الدبلوماسية" من أجل تجنب تعزيز "صورة حماس كشريك مسئول"، فقد اختارت "إسرائيل" في نهاية هذا الأسبوع وقفًا لإطلاق النار أحادي الجانب لنفس السبب "آملة في بعث رسالة مفادها أن حماس ليست ممثلاً شرعيًا".
إن الحرب التي بدأت من أجل نزع شرعية حماس لن تقدم سبيلاً لوقف إطلاق النار تكون فيه حماس شريكًا على مائدة المفاوضات.
ومن ثم قررت "إسرائيل" اختصار الجهود المبذولة المدفوعة مصريًا والساعية إلى تأمين وقف إطلاق النار، واختارت مسارًا أحادي الجانب يسمح لـ "إسرائيل"، والولايات المتحدة، ومصر، و"محمود عباس"، وبريطانيا- وفي الواقع، كافة الأطراف المعنية، فيما عدا سلطات قطاع غزة- للعمل معًا من أجل التوصل إلى حل واضح. وتجدر الإشارة إلى أن الطبيعة الفردية لوقف إطلاق النار قد منحت "إسرائيل" الحرية لتعريف معاني الانتهاك والإخفاق بمصطلحاتها الخاصة.
أما الهدف الثاني لحرب "إسرائيل" فهو تعليم الفلسطينيين في غزة، وغيرها، أن الطريق الوحيد لتجنب غضب الجيش "الإسرائيلي" هو قبول حل إقامة دولتين قوميتين، وهو امتياز سخي من شأنه أن يتقبله عباس ورفاقه من "المعتدلين" بكل امتنان. ويعد ذلك انعكاسًا للنهج الذي أوجزه رئيس الأركان "الإسرائيلي" "موشيه يعلون" عام 2002 في أنه: "يتعين أن يتفهم الفلسطينيون في أعماق إدراكهم أنهم شعب مهزوم".
وفي الرابع من يناير قال الرئيس "الإسرائيلي"، "شيمون بيريز": إن حماس كانت في حاجة إلى "درس فعلي وجدي"؛ وعقب ذلك بأيام، بدا أكثر وضوحًا حين أفادت التقارير إعلانه أن هدف "إسرائيل" هو "توجيه صفعة قوية لأهالي غزة لكي يفقدوا على أثرها أية رغبة لديهم في إطلاق النار ضد "إسرائيل"". وفي اليوم التالي، وصفت صحيفة "واشنطن بوست" كذلك كيف كان المسئولون "الإسرائيليون" يأملون في أن تعني الهجمات أن "يصير مواطنو غزة في حالة نفور من حماس وأن يقوموا بإبعاد الحركة إلى خارج السلطة".
وهذه الإستراتيجية "الإسرائيلية" سبق وتم تطبيقها في لبنان عام 2006 عندما قام قادة عسكريون كبار بتصنيف قرى مدنية على أنها "قواعد عسكرية" سوف تخضع لاستخدام "قوة غير متناسبة" ما تسبب في "دمار كبير". وكما أشرت من قبل، فإن الدروس في لبنان لم تكن خاطئة فحسب، بل كذلك إجرامية، وقد عبر "جيورا إيلاند"، وهو جنرال متقاعد بجيش الدفاع "الإسرائيلي" ومستشار سابق لرئيس الوزراء، في ورقة بحثية عن ذلك بأن: "تدمير المنازل والبنية التحتية ومعاناة مئات الآلاف من المواطنين نتائج يمكنها أن تؤثر على سلوك "حزب الله" أكثر من أي شيء آخر".
ومن المفارقات، أن بيريز نفسه الذي يبرر حاليًا ممارسة العقاب الجماعي، انتقد الوزير "أفيجدور ليبرمان" عام 2002 بعد أن اقترح أنه ينبغي على جيش الدفاع "الإسرائيلي" أن يقصف أهدافًا مدنية، محذرًا إياه من أن مثل ذلك التكتيك سيكون "جريمة حرب". غير أن الأسابيع الثلاثة الماضية أوضحت أن المقترحات التي يتقدم بها المتطرفون السياسيون ويتم اعتبارها همجية في الأساس لا تستغرق وقتًا طويلاً قبل أن تتحول إلى سياسة مألوفة.
إن الاستهداف المتعمد للمدنيين والبنية التحتية الحيوية من أجل أغراض سياسية يرتبط بشكل مباشر بالخطة "الإسرائيلية" الأمريكية الساعية لمحاولة إنقاذ صورة السلطة الفلسطينية سيئة السمعة من خلال تسييس عملية إعادة بناء قطاع غزة. وكما أوضحها بتحفظ "سيان ماكورماك"، الناطق باسم الخارجية الأمريكية، فإن "الحل العسكري" يجب أن يلحق به استثمار في البنية التحتية ومساعدة للمواطنين "وذلك لكي يتمكنوا من تقديم نوع مختلف من القرار السياسي".
أما الهدف الثالث من الهجوم "الإسرائيلي" على قطاع غزة فهو تعميق الوضع "الكارثي" فيه، وتقليص القدرة على الاستمرار في البقاء إلى أقل من الحد الأدنى -- ربما من أجل وضع "نهاية لإصرار مواطني غزة العاديين على الرغبة في فرصة لحياة سلمية وكريمة". غير أن أحد أبرز المنافع من تدمير "البنية التحتية المدنية الفلسطينية" بالنسبة لـ "إسرائيل" هي أن "الناس الذين يفتقرون إلى المؤسسات الجماعية ولم يعد لديهم إلا الكفاح من أجل البقاء فقط على قيد الحياة هم الأيسر في السيطرة عليهم".
ومع ذلك، هناك ما هو أكثر يجري هنا. إن "إسرائيل" تسعى لتحويل قطاع غزة إلى أزمة إنسانية غير ذات صلة بالسياسة، ودائمًا على شفا كارثة- ودائمًا عالة على غيرها- أي أن سكانها تحولوا إلى زبائن يحصلون على حصص الدعم من المساعدات الدولية. وكان لـ "إسحق رابين" أمنية شهيرة حيث تمنى لغزة "أن تغرق في البحر"، إلا أن ربما أفضل ما يمكن أن تفعله "إسرائيل" هو أن تتشارك الأزمة مع المجتمع الدولي ربما لدرجة نشر قوات دولية على الأرض.
والتركيز المتزايد على المسئولية المصرية هو أيضًا جزء من ذلك؛ سواء فيما يتعلق بتهريب الأسلحة، أو توفير المساعدات، أو بالنسبة للبعض كذلك، الإدارة المباشرة للقطاع.
لقد أصبح قطاع غزة بمثابة مختبر لسيناريوهات مستقبلية محتملة في الضفة الغربية (حيث تجرى عملية للتنمية واحتلال تموله منظمات غير حكومية على نحو راسخ). إن الأهداف "الإسرائيلية" الثلاثة ـ وجميعها من أجل نزع صفة الشرعية عن حماس وتهميشها، وإقناع الفلسطينيين بالتخلي عن المقاومة، والتهرب من المسئولية عن قطاع غزة الممزق- تتطلب تدخل اللجنة المعنية بجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وكما سيحكي التاريخ، فإنهم كذلك محكوم عليهم بالفشل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق