ومع ذلك ما زالت الدنيا قائمة ولا تريد أن تقعد، وذلك بقصد تحويل الانقسام في الساحة الفلسطينية إلى انقسام على أساس من مع المنظمة ومن ضدها من حيث هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وقد وصل الأمر بالرئيس محمود عباس إلى أن أعلن وبأعلى درجات الشدة أن لا حوار إلا إذا اعترفت حماس اعترافاً صريحاً واضحاً لا لبس فيه بأن «م. ت. ف» هي الممثل الشرعي والوحيد.
بالتأكيد لا علاقة للانقسام الفلسطيني بموضوع المنظمة وتمثيليتها، لأن الانقسام في أساسه يتمحور حول الخط السياسي وحول أسلوب تحقيق الهدف الفلسطيني (البعض يعتبره الدولة، وكاتب هذه السطور يعتبر أن الهدف رقم 1: الهدف المباشر قبل هدف الدولة هو دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وهدم الجدار، بل من الخطأ طرح موضوع الدولة على المفاوضة أو للمساومة، لأنه عندئذ سيقايض بالتنازلات الفلسطينية في الأرض وحق العودة، وهو ما يلخص شعار «حل الدولتين»).
فيما كان يجب وما يزال، وضع هدف ما يسمى بالبرنامج المرحلي: دحر الاحتلال بلا قيد أو شرط عن الأراضي التي احتلت في يونيو 1967، وبعد ذلك يبحث في أو يستفتى الشعب الفلسطيني كله وليس جزءاً منه فقط حول ما يقوم فوق تلك الأراضي أو ماذا نفعل.
إن هدف تحرير الأراضي غير قابل للمساومة، أما هدف إقامة الدولة فيعني المساومة على كل القضية الفلسطينية، وقد لخص في النهاية بـ «حل الدولتين» أي الحل النهائي (التصفوي) للقضية الفلسطينية.
عندما شكلت «م. ت. ف» في عام 1964 كان هدفها تحرير كل فلسطين وهو خلاصة ميثاقها الأول، وعندما حدث تحوير في بنيتها في عام 1968 بدخول الفصائل الفلسطينية إليها وتوزيع حصص التمثيل داخلها بينها وبين المستقلين وتقررت قيادة فتح لها، حافظت على أهدافها في الميثاق الأول في الآن نفسه.
وعندما أدخل ما يسمى برنامج النقاط العشر الذي تقرر في مؤتمر وطني في القاهرة 1974 فسّره وسوغه المنظرون له بأنه مرحلة باتجاه تحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر، ولهذا لم يتغير الميثاق من هذه الزاوية.
طبعاً هذا المسوغ الأساسي الذي نظّر له مَنْ مررواً برنامج النقاط العشر لم يعودوا يرددونه الآن بعد أن تحولوا إلى القبول بحل الدولتين عملياً منذ إعلان «الاستقلال» في الجزائر عام 1988 ولاحقاً بعد أوسلو، بل بعد «مشروع بوش» في أثناء حصار الرئيس الشهيد ياسر عرفات، فبوش صاحب نظرية «حل الدولتين» المستخدمة الآن.
وكان وراء موضوع الممثل الشرعي والوحيد الذي أضيف في عام 1974 بقرار عربي الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وكان القصد منه التمهيد لاسترجاع سيناء وترك أمر قطاع غزة والأراضي الفلسطينية الأخرى للممثل الشرعي والوحيد. طبعاً الفلسطينيون الذين أمسكوا بهذا الشعار كانوا يخشون من الحل الأردني أساساً، وكم تحدث بعضهم عن المساومات العربية حول القضية الفلسطينية، فيما حصر مسؤوليتها في أبنائها يحميها من المساومات والتنازلات والحلول المشبوهة وهو ما ثبت عكسه، إذ كان هؤلاء «الأبناء» الأكثر جرأة على تقديم التنازلات في أساسات القضية الفلسطينية، مثلاً «حل الدولتين».
والآن تثار مشكلة «الممثل الشرعي والوحيد» بمعنى محصور عملياً بأن محمود عباس واللجنة التنفيذية (غير الشرعية والمنتهية الصلاحية) والمجلس المركزي الملفق والمجدد له بلا مجلس وطني هم الممثل الشرعي الوحيد في غياب مجلس وطني ينتخب رئيساً ويختار لجنة تنفيذية ومجلساً مركزياً.
وليست المشكلة في اعتبار «م. ت. ف» الممثل الشرعي والوحيد فهنالك إجماع، كما تبدّى في لقاء كل الفصائل في القاهرة عام 2005 على إعادة بناء منظمة التحرير وتفعيلها، وهنالك إجماع على أنها في وضعها الراهن مختلة التمثيل لجميع الفصائل ولاسيما حماس والجهاد كما رموز مستقلة كثيرة، وصفيت مؤسساتها عملياً عدا الصندوق القومي، ولا اجتماعات ذات نصاب للجنتها التنفيذية، واستعيض بوزير خارجية حكومة سلام فياض غير الشرعية مكان رئيس الدائرة السياسية في المنظمة الأخ فاروق القدومي.. وعليه قس.
ومع ذلك يصرخون «المنظمة.. المنظمة» وقد أهملوها وفرغوها من محتوياتها وعطلوا مؤسساتها وجمدوا فعالياتها وحالوا دون إعادة بنائها وتفعيلها، الأمر الذي يعني أن الحرص هنا عند البعض هو استخدام المنظمة لتغطية الخط السياسي الذي يتبناه محمود عباس وحكومة سلام فياض (مهمتها الأولى تفكيك خلايا المقاومة وكبت أنفاس الشعب في الضفة الغربية تطبيقاً للبند الأول من خريطة الطريق)، وسياسة عباس واستراتيجيته تتلخص بالمفاوضات ثم المفاوضات إلى ما لا نهاية.
إن من استبقى ورقة التوت في تغطية اللجنة التنفيذية هو استمرار الجبهتين الشعبية والديمقراطية في عضويتهما إلى جانب ما حل بحركة فتح من شلل، علماً أن الجبهة الشعبية مثلاً طالما انسحبت أو جمدت عضويتها من اللجنة التنفيذية لأسباب سياسية تبناها ياسر عرفات تعتبر الآن في منتهى الثورية إذا ما قيست بسياسات المفاوضات التي يتبناها محمود عباس، كما لا حاجة إلى فتح ملفات مواقف الديمقراطية من «القيادة المتنفذة» ومن قبل «القيادة اليمينية» وبالمقارنة مع القيادة الحالية.
باختصار لقد حولت قيادة الرئيس محمود عباس منظمة التحرير الفلسطينية إلى منظمة المفاوضات الفلسطينية، أو منظمة «فاوض» الفلسطينية، ولهذا فليس هنالك من اعتراض على «منظمة التحرير الفلسطينية» وإنما على «منظمة المفاوضات الفلسطينية» أو «منظمة فاوض الفلسطينية»، ويا لها من مفاوضات.. ويا له من مفاوض!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق